خالد المعمري عمل بجريدة عمان وتنقل بين عدة أقسام بدءا بالتصحيح وانتهاء بنائب لرئيس التحرير للشؤون المحلية
خالد المعمري عمل بجريدة عمان وتنقل بين عدة أقسام بدءا بالتصحيح وانتهاء بنائب لرئيس التحرير للشؤون المحلية
اليوبيل الذهبي

وظيفة لم أخترها !!

19 نوفمبر 2022
19 نوفمبر 2022

لم يكن دخولي إلى جريدة عمان قبل 46 عاما شغفا في العمل الصحفي لأكون ضمن أسرة التحرير أو مسؤولا في إدارة التحرير.. دخلت الجريدة وكان همي الحصول على وظيفة أطمئن بها على مستقبلي وأسرتي لأعيش حياة مستقلة كريمة كما هو همّ السواد الأعظم من الناس خصوصا في ذلك الزمن.

قدمت طلبي إلى وزارة الإعلام في القرم آنذاك وكنت مغمورا بالسعادة عندما استلمت قرار التعيين في المديرية العامة للمطبوعات والنشر بمقرها في منطقة الوشل بولاية مطرح يوم 26 أكتوبر 1978 بوظيفة مصحح، وقد انتابني شيء من الاستغراب من مسمى الوظيفة الذي لا يتناسب مع مؤهلي في ذلك الوقت مع معرفتي المحدودة بقواعد اللغة العربية، ولكن من الطبيعي ألا تكون المفاضلة متاحة أمامي حينها حيث استلمت الوظيفة بين زملاء أفاضل عمانيين وأردنيين ومصريين أحاطوني بالحب والتشجيع والتعاون، ونظرا لأن العمل الصحفي كان يدويا حيث لم تدخل الآلات الحديثة في دورة العمل بعد، ناهيك عن التكنولوجيا الحالية، فقد كنت منتجا رغم إمكانياتي المتواضعة حيث إن الأخبار والمقالات تشوبها أخطاء كثيرة أغلبها إملائية تحدث أثناء عملية صف الحروف بالرصاص يدويا من قبل الفنيين، ثم السحب عليها بالورق، ولأن وظيفة مصحح ومتطلباتها ظل يشغل تفكيري فقد انشغلت في أمر تغييرها بعد حين، وكنت متابعا لكتابات الزملاء في العمل واستهوتني الكتابة الرياضية حيث كنت أقرأ كل ما يكتبه الزميل محمود المحرر السوداني بالرياضة بصفة خاصة وبمرور الوقت ازداد شغفي لأن أكون محررا بالقسم الرياضي فطلبت الانتقال إلى القسم بعد أن خضت تجربة مع نفسي وبالفعل تحقق ذلك، وأتذكر جملة قالتها مسؤولة في التحرير آنذاك «اتركوه يتعلم ولا تكتبوا له» وبدأت العمل بالقسم الرياضي وكنت المحرر العماني الوحيد بالقسم، ولعل الأمر الذي ساعدني على الثبات هو أنني كنت رياضيا لاعبا بالمدرسة وفي فريق القرية التي قدمت منها إلى مسقط.. وتدرجت في الوظيفة إلى رئيس القسم الرياضي بعد أن اكتسبت الخبرة من الزملاء وبخاصة الزميل فتحي سند الذي كان فعلا خير سند لي ولمن التحقوا بعدي من الزملاء العمانيين وأدين له بالفضل باعتباره أستاذي الأول في الصحافة الرياضية ورافقته إلى الكثير من الأحداث والتغطيات، ولعل انطلاقتي بدأت في تغطية الدوريات المحلية، أما الدولية فكانت كأس الخليج عام 1983 في مسقط مزاحما نخبة من الصحفيين الخليجيين والعرب الذين تمت دعوتهم من كبريات الصحف العربية وفي مقدمتها الصحف المصرية المتخصصة، إلى جانب الصحفيين المرافقين لمنتخبات دول الخليج المشاركة في الدورة. ثم توالت المهمات الخارجية برفقة البعثات الرياضية لسلطنة عمان ومنها دورة الألعاب العربية بالمملكة المغربية ودورة الألعاب الآسيوية في سول بكوريا الجنوبية ودورات كأس الخليج التي لا أذكر العدد الذي ابتعثت لتغطيته ولكن من المؤكد أنها في كل عواصم دول مجلس التعاون الخليجي؛ ولأن التجديد والتغيير كان شغفي الدائم فقد انتقلت إلى قسم الأخبار المحلية مترئسا القسم وفيه تعددت المسؤوليات والأدوار، وإذا كان تعييني مصححا في أول وظيفة غير متوقع بالنسبة لي فإن تدرجي الوظيفي بعد سنوات طوال إلى مدير التحرير ونائب رئيس التحرير للشؤون المحلية، جاء في خضم عمل كادح ومشقات لاحصر لها، فالصحافة كما عرفت بمهنة المتاعب، لا تخضع للدوام الرسمي المتعارف عليه بالساعات بل إن عملها يمتد لساعات طويلة، وتكون ذروة العمل الصحفي في المساء، وفي الوقت الذي يتفرج فيه العالم على الأحداث نكون نحن -الصحفيين- منهمكين في كتابتها وإعدادها للنشر الصحفي بالصورة التي نتوقع أو نأمل أن يتقبلها القارئ على مختلف ميوله وتوجهاته مضحين بأسرنا التي تنتظر عودتنا بفارغ الصبر، ولعل من أصعب المواقف التي تعرضت لها في الأنواء المناخية عام 2007 حيث لم أستطع العودة إلى المنزل في الغبرة الشمالية بالسيارة واضطررت العودة من مدينة الإعلام إلى منزلي بالعذيبة سيرا على الأقدام.

يا لتلك الأيام بحلوها ومرها ونحن نقضي ساعات يومنا في العمل.. كما في المناسبات الرسمية لنرضي القارئ ونشبع رغباته وكان خروجنا في تلك الأيام مع بداية الفجر.

ويا لـ «فرحة وطن» العنوان العريض الذي خرجت به الجريدة ـ وعَلِقَ في ذاكرتي ـ يوم أن ألقى السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور ـ طيب الله ثراه ـ خطابه المتلفز من مقر إقامته بألمانيا، في فترة علاجه، ليطمئن الشعب، على صحته، ويبقى صدى العنوان يتردد في كل ربوع الوطن. يومها رصدت الجريدة البهجة والفرحة في الولايات والمحافظات بالكلمة والصورة.

ورغم ضغوطات العمل التي تبلغ ذروتها ونحن نضع اللمسات الأخيرة على الصفحات قبل تسليمها ـ المطبعة، ولكن ما أن تبدأ في الدوران وأتلقف أول عدد، وأطمئن على سلامته، تتلاشى تلك الضغوطات، وأتأبط نسختي وأغادر ككل يوم.. إنها حقا مهنة المتاعب.

خالد المعمري عمل بجريدة عمان وتنقل بين عدة أقسام بدءا بالتصحيح وانتهاء بنائب لرئيس التحرير للشؤون المحلية.