موظفو قسم التحميض أثناء عملية تجفيف الصور بعد التحميض في السبعينيات
موظفو قسم التحميض أثناء عملية تجفيف الصور بعد التحميض في السبعينيات
اليوبيل الذهبي

مسيرة «التصوير» في جريدة «عمان» .. روايـــة تاريخـــية «كلاســـــيكيـة» تنتهـــي بأحـــدث التقنيـــات

19 نوفمبر 2022
19 نوفمبر 2022

خمسون عاما من العمل الصحفي، مسيرة تاريخية في عالم الإعلام والصحافة، مسيرة مرت عليها أسماء عديدة وشخصيات كثيرة، تركت بعضها عالم الصحافة إلى وجهات أخرى، وأخرى رحلت عن العالم بأسره، وبقيت جريدة «عمان» تكمل المسيرة، وتراكم خبراتها من منذ نشأتها في عام 1972 وإلى اليوم، ليكمل جيل جديد المسيرة حاملين الراية بعد المؤسسين.

تلك المسيرة الطويلة كانت وما زالت مقرونة بالصورة الصحفية، التي تعد جزءًا رئيسًا في المادة الصحفية، جزءًا لا يتجزأ لما تمثله من مادة خبرية تغني عن الكلام.

وهنا في هذه الأسطر نستذكر مسيرة التصوير في جريدة «عمان»، وهي أشبه برواية تاريخية بدأت بالكلاسيكية ووصلت إلى عالم التكنولوجيا الحديثة، بدأت أحادية اللون وتحميض في معامل خاصة بجريدة «عمان»، ثم التحميض الملون الذي كان يأخذ وقتا طويلا، وغيرها من التطورات التي طالت مسيرة التصوير، كما نستذكر تاريخا وعصرا مضى بأيامه وصعوباته، نستذكر تقنيات الإرسال الدولية في البدايات وغيرها من الذكريات.

البدايات الأولى

منذ الانطلاقة الأولى لجريدة «عمان» كان الكادر العماني حاضرا في قسم التصوير، إذ وثَّقوا مختلف المناسبات الوطنية، وكانوا رفقاء لمسيرة التطوير التي كان يقودها في ذلك الوقت السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ومع هذه البداية استعمل المصورون أنواعًا متعددة من آلات التصوير الفوتوغرافية. يقول المصور عبدالله بن سالمين الخروصي مصور جريدة «عمان» منذ 1973، في زيارتنا له في منزله: «كانت البداية مع الشركة السويدية للكاميرات العريقة (هاسيلبلاد) ذات الأفلام الكبيرة بحجم 120 مليمترًا، وكانت كل حزمة فيلم تأتي لـ12 صورة فقط، وبعد ذلك تم استخدام كاميرات أخرى منها من شركة (كوفا) التي تستعمل أفلاما ذات 120 مليمترًا كذلك، و(كونيكا مينولتا) و(نيكون) ذات الأفلام الأصغر حجما، التي تأتي على شكل أسطوانات صغيرة وفي داخلها شريط من الأفلام تضم 36 صورة، وبين استعمال النوعين سنوات قليلة أو ربما أشهر قليلة بداية من عام 1972 -حسب المصادر الشفهية- وجرى في تلك الفترة استخدام النوعين، وكانت أفلاما أحادية اللون، أي أنها مهما حمضت بالطريقة الملونة فلن تنتج صورا ملونة، وكانت الأفلام الملونة نادرة في بداية مسيرة جريدة «عمان»، وأعني أن آلات التصوير حينها لا تحدد الصور الملونة من غيرها، إنما الأفلام هي المسؤولة عن الألوان».وتابع الخروصي قائلا: «إلى جانب تلك الكاميرات، كذلك استعمل مصورو جريدة «عمان» الكاميرات الفورية منها كاميرات شركة (بوليراي)، التي تنتج الصور مباشرة بعد التقاط الصورة، وتحتاج فقط إلى تنشيف الصورة من خلال تحريكها بشكل سريع، إلا أن الكاميرات الفورية لم تكن صورها عملية إذ أنها سريعة التلف».

التحميض

قد لا يتخيل الجيل الجديد صعوبة تحميض الصور آنذاك -بدايات السبعينيات- والتي شهدت تطورا كذلك، بداية من تحميض الأفلام ذات الأبيض والأسود، ومن ثم تحميض الأفلام الملونة.

ويقول الخروصي: «في بداية عهد الصور الملونة كان التحميض يستغرق حوالي أسبوعين كأقل تقدير، إذ كانت الأفلام تُحمض عن طريق شركة (شاه نجرداس) والتي بدورها تُرسل الأفلام -وهي من نوع كوداك- إلى معامل في إنجلترا، وكانت أحجام الصور محدودة إذ أنها أكبر بقليل من الصور الشخصية، بعد ذلك تم إرسال الصور إلى معامل في دبي للتحميض الملون، ثم استحدثت شركة في العاصمة مسقط عملية تحميض الصور الملونة، وهي شركة (فوتو سنتر) إذ وفرت الجهد والوقت، أما الأفلام أحادية اللون فكان يتم تحميضها في مقر جريدة «عمان» بمعية كادر لم يخل من العمانيين، ثم بعد ذلك -في حدود عام 1976- تم جلب معمل التحميض الملون، ودخل المصورون العمانيون دورات تدريبية في طريقة التحميض، ويعد المعمل الملون أكثر تطورا من معمل تحميض الصور الأحادية فالأحادية أكثر تعقيدا تعتمد على الثواني ودرجة الحرارة وظُلمة المكان حتى تنتج الصورة بشكل صحيح، وأي خلل في أي مرحلة ستكون لها نتائج سلبية وربما تؤدي إلى تلف الصورة بالكامل أو التأثير على جودتها. ومراحل التحميض كانت تتم في غرفة مظلمة بالكامل، بداية باستخدام مواد رملية تؤخذ بكميات موزونة على حسب حجم الصورة، تسمى تلك المادة (ديفلوبر) التي تستخدم مع مواد سائلة ومهمتها إظهار الصورة، ثم بعد ذلك تصفى الأفلام بالماء الصافي، لتوضع تاليًا في غرفة باردة أو ثلاجة لوقت محدد يحسب من خلال ساعة منبه، الديفلوبر يستخدم للأفلام الكبيرة ذات الـ120 مليمترا، أما الأفلام الأخرى الأصغر ذات الـ36 صورة فتمر بمرحلة أخرى عن طريق آلة تسمى (ميكرو دون أكس)، وبعد ذلك تؤخذ كل الصور، سواء الناتجة عن الأفلام الكبيرة أو الصغيرة إلى مرحلة أخيرة تسمى «الفكسر» ومهمتها تثبيت الصورة، وكل تلك المراحل تتم في درجة حرارة ما بين 18 و26 درجة مئوية وفي ظلام تام يعتمد فيه المصورون على حاسة اللمس فقط، كذلك تختلف مدة مكوث الأفلام في المواد التحميضية وفقًا لدرجة الحرارة، ففي درجة الحرارة 18 مئوية تجب زيادة المدة، وفي درجة 26 تكون المدة أقل».

ويصف الخروصي شعور المصورين في تلك الأثناء قائلا: «يكون المصورون طيلة تلك المراحل شغوفين برؤية النتيجة الأخيرة بعد استعمال مواد تثبيت الصورة، لترى الصورة النور بعد ذلك، وقد مرت الكثير من الصور بمراحل فاشلة وتلف نتيجة خلل في مرحلة من المراحل».

ومع نهايات عام 1974 تم جلب معمل تحميض الصور الملونة، وكان المعمل آنذاك متطورا كثيرا عن معامل الصور الأحادية، إذ يحتوي على تقنيات آلية تقيس درجة الحرارة ووقت التحميض بطريقة أوتوماتيكية، وكان المعمل الأحدث سببا في راحة المصورين من عناء التحميض اليدوي، واستمر الحال بذلك إلى أعوام طويلة، إلى أن وصلت آلات التصوير الرقمية ذات الذاكرة والتي أغنت المصورين عن عناء التحميض، فطويت بذلك صفحة استمرت لسنوات طويلة حتى منتصف التسعينيات التي شهد فيها التصوير نقلة نوعية.

المهمات الخارجية سابقا

وأخذنا المصور عبدالله الخروصي في رحلة إلى ذاكرته، رحلة المهمات الخارجية لتغطية أحداث متنوعة تشارك فيها سلطنة عمان بوفود، فقد كان المصورون حاضرين آنذاك، ولم يكن الوضع كما هو عليه الآن من سهولة إرسال الصور عبر البريد الإلكتروني أو حتى «الواتس آب» وروابط التحميل الذكية، يقول الخروصي: «في سبعينيات القرن الماضي كان مصورو جريدة «عمان» حاضرين في المهمات الرسمية والزيارات التي كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- يقوم بها لمختلف دول العالم، العربية ومنها والأجنبية، كما أن الوزراء في مهماتهم الرسمية للخارج يصطحبون معهم وفدا إعلاميا، ومن بين الوفد المصورون بآلاتهم آنذاك، ومواكبة لتلك الزيارات في بداياتها كانت الصور تُنقل للصحيفة بعد رجوع الوفد من المهمة، إلى أن ظهرت تقنيات إرسال الصور، إذ سافرت الصورة عبر الأثير قاطعة مئات الكيلومترات أو الآلاف أحيانا عن طريق تقنية الراديو وذلك بداية من عام 1987 تقريبا، وهي تقنية أشبه بالفاكس، وقد التحق مصورو جريدة «عمان» بدورة تدريبية في دولة قطر الشقيقة للتعلم على آلية إرسال الصور بتقنية الراديو، وكانت التقنية تعتمد على خط اتصال هاتفي، وجهاز إرسال واستقبال متصلين بالهاتف، ويقوم المرسل من خارج سلطنة عمان بالاتصال على المستقبل داخل سلطنة عمان، ليتأكد من استعداد المستقبل لاستلام الصورة، ثم بعد ذلك يتم تشغيل الجهازين -الإرسال والاستقبال- في الوقت نفسه، لتبدأ عدسة صغيرة في جهاز الإرسال بالمرور على الصورة نقطة بعد نقطة، وإرسال المعلومات إلى جهاز الاستقبال والذي بدوره يطبع الصورة مباشرة على الورق، وتستغرق عملية نقل الصورة الواحدة حوالي 10 دقائق تعتمد على الحجم، وكانت تلك التقنية آنذاك مكلفة نسبيا وتتطلب حجزًا مسبقًا لخط الاتصال في الدولة المسافر إليها».

كما روى الخروصي لنا موقفا صعبا، إذ كان في مهمة رسمية تتطلب إرسال الصور في حينها، إلا أنه بسبب سوء فهم لم يتم حجز خط الإرسال، فاضطر الوفد لطلب مساعدة وفود الدول الأخرى لإرسال الصور، إلا أن كل وفد مشغول بمهمته، فكما ذكر بأن نقل الصورة الواحدة تأخذ وقتا طويلا، ولكل وفد مجموعة من الصور، إلا أن أحد الوفود سمح للوفد العماني بإرسال صوره بعد انتهاء مهمته، وتم تدارك الأمر.

التصوير اليوم ومع بدايات استخدام الكاميرات الرقمية في منتصف التسعينيات وإلى يومنا الحالي، أخذ التصوير منحى مختلفا تماما، فلم تعد الصور بحاجة إلى التحميض وإلى وقت طويل لاستخراجها، بل من خلال ضبط إعدادات الكاميرا وكبسة زر تكون الصورة جاهزة للاستعمال أو الإرسال عبر البريد الإلكتروني، وهناك من الكاميرات الحديثة ما يمكن ربطها مباشرة بالهاتف المتحرك لتحميل الصور عليه وإرسالها مباشرة إذا كانت المهمات ليلية ومستعجلة، إضافة إلى إمكانية ربط بطاقات الذاكرة بالهواتف من خلال وصلات متوفرة لدى المصورين، وبعض المصورين يحملون أجهزة الحاسب المحمولة معهم لإجراء بعض التعديلات الطفيفة على الصور قبل إرسالها. ويقول مصور جريدة «عمان» صالح بن هلال الشرجي: «تُستخدم في جريدة عمان» كاميرات من شركتين أساسيتين، شركة (نيكون) وشركة (كانون)، ولكل شركة طرازات مختلفة، كما يمتلك المصورون في جريدة عمان» عُهدا من كاميرات وبعض الإضافات، فلكل موظف عهدة تتكون من جهاز الكاميرا، وفلاش، وعدسة ذات البعد البؤري 24/ 70 مم، وعدسة تقريب ذات بعد بؤري 70/ 200 مم، وعدسة ذات رؤية واسعة ببعد بؤري 14/ 24 مم، وعدسة ذات بعد بؤري ممتد من 24 إلى 300، ولكل عدسة استعمالات محددة، فالعدسة ذات الرؤية الواسعة تستخدم للأماكن المزدحمة والضيقة مثل القاعات الصغيرة، وعدسة التقريب غالبا تكون للتصوير الرياضي أو الطبيعة أو المعالم البعيدة، وعدسة 24/ 300 تعتبر متنوعة الاستخدام إذ تتيح للمصور حرية أكبر في استخدام التقريب، إلا أنها لا تلائم التصوير الرياضي، وعدسة 24/ 70 التي تعتبر ملائمة لتصوير الشخصيات والأحداث التي لا تتطلب حركة كبيرة وسريعة من المصور».

المصورون الأوائل

وبحسب المصور عبدالله الخروصي، فإن العمانيين تولوا مهنة التصوير الفوتوجرافي في جريدة عمان» منذ بداية نشأتها، ويذكر أن من أوائل المصورين العمانيين الذي شغلوا هذه المهنة وكانوا خير من شهدوا الأحداث المتنوعة وواكبوا التغييرات الجذرية التي حدثت مع انطلاق عصر النهضة المباركة المصور جاسم البقالي (رحمه الله)، والمصور تغلب بن هلال البرواني، وهما من أوائل المصورين الذين كانت لديهم خبرة في التصوير ونقلوها لمن بعدهم من الكوادر العمانية، ومنهم المصور عبدالله بن سالم العلوي، والمصور مسلم بن مسعود الجعفري، والمصور راشد بن علي الجعفري، ومحدثنا المصور عبدالله بن سالمين الخروصي، والمصور عامر بن محمد الرحبي، والمصور خليفة بن سالم الرحبي، والمصور عبدالله الشحي، والمصور فاضل الحمداني «رحمه الله»، والمصور سعيد الحراصي، والمصور سالم المحاربي، والمصور خلفان التوبي، وغيرهم من المصورين منهم المصور المصري محمد محجوب، واليوم يتولى مهمة التصوير مجموعة من المصورين العمانيين وهم خلفان الرزيقي، وفيصل البلوشي، وشمسة الحارثية، وصالح الشرجي، وهدى البحرية، وحسين المقبالي، وعبدالواحد بن فاضل الحمداني.