No Image
اليوبيل الذهبي

«عمان» في يوبيلها الذهبي.. المجد للصحافة

20 نوفمبر 2022
20 نوفمبر 2022

«ديوان الحياة في عمان خلال نصف قرن»..

هذا وصف يصلح جدا أن توصف به جريدة عمان، وهي تحتفل بمناسبة مرور 50 سنة على بدء إصدارها في الثامن عشر من نوفمر 1972. حيث واكبت الجريدة التحولات الجذرية التي شهدتها سلطنة عمان خلال العقود الخمسة الماضية. ومن يريد اليوم أن يعود ليقرأ تلك التحولات وينظر لها على الخط الزمني فعليه أن يعود إلى صفحات الجريدة حيث يستطيع أن يجد كل شيء، ويمكن أن يقرأ مؤشرات التنمية وفلسفتها ومؤشرات التوترات على الخط السياسي والاقتصادي وصعود وهبوط الإنتاج العلمي والأدبي. فلا يكاد حدث جرى في عُمان إلا ووثقته الجريدة كما ينبغي له أن يوثق، بدءا من البساط المهترئ الذي فرش تحت شجرة في أعلى جبل من جبال عُمان ليجلس عليه طلاب العلم في بداية سبعينات القرن الماضي وإلى المشاريع العملاقة وتحولات الثورة الصناعية الرابعة التي تعيشها عُمان في نهضتها المتجددة، ولا يكاد كتاب صدر إلا وقرأته الجريدة، ولا يظهر توجه أدبي أو فكري إلا وناقشته عبر الحوارات ومقالات الرأي ومختلف الفنون الصحفية. إنها ديوان الحياة العمانية بحق.

وإذا كانت نهضة عُمان الحديثة قصة تستحق أن تقرأ تفاصيلها على صفحات جريدة عمان فإن الجريدة بوصفها مشروعا من مشاريع النهضة التنويرية يستحق أن تقرأ تفاصيله أيضا، تُقرأ عتباتها وصفحاتها من الصفحة الأولى وإلى الصفحة الأخيرة بالمعنى القريب أو بالمعنى الرمزي للعبارة. فمشروع جريدة عُمان لم يكن مشروعا تجاريا تنتهي صلاحيته بانتهاء حاجة السوق له أو توقفه عن تحقيق مكاسب وأرباح مجدية، بل كان ولا يزال مشروعا وطنيا: ثقافيا وتنويريا ولد ليبقى طويلا، وولد ليكبر سريعا.. مشروعا ينقل أخبار سلطنة عُمان للقارئ وأخبار العالم ليس من أجل الإخبار فقط، فتلك مهمة آنية ولحظية، ولكن من أجل صناعة وعي وبناء تصور عمّا يحدث حولنا وليكون القارئ، مسؤولا حكوميا كبيرا أو مواطنا يجلس في أقصى بقعة من بقاع عمان، واعيا بكل ما يحدث في وطنه وفي إقليمه وفي العالم أجمع وهذه هي المهمة الطويلة التي تعمل عليها جريدة عُمان. كان دور المشروع/ الجريدة صناعة وعي وطني، وسياسي، واقتصادي، واجتماعي، وفكري، وثقافي، واقتراح مسارات للمستقبل في ضوء فهم ما يحدث ووعيه. قد لا تكون الصورة (صناعة الوعي) في لحظة قراءة ما في الصحيفة واضحة بهذه المباشرة، لكن إن لم تكن هذه هي النتيجة فإن المشروع يحتاج إلى مراجعة على كل المستويات.

وإذا كان ذلك الوعي قد تحقق خلال العقود الخمسة الماضية من عمر عُمان البلد فهذا يعني أن عُمان الجريدة قد نجحت، وكذلك الإعلام العماني بوسائله المختلفة. إن الكثير من الأفكار الكبرى التي نراها اليوم في عُمان البلد خرجت من على صفحات عُمان الجريدة، بدأت أفكارا يقولها كتاب الجريدة ومحرروها، يقولها المجتمع وتنقلها عُمان، ونمت الأفكار وأصبحت الطموحات كبيرة جدا، ومتواكبة مع عراقة عُمان وعراقة شعبها وتاريخها.

كانت عُمان البلد في عام 1970 بحاجة ماسة إلى خطاب إعلامي يواكب خطط التحولات التي أرادتها في تلك المرحلة ولذلك كان لا بد من صحيفة، خاصة وأن للصحف في تلك المرحلة مكانة لا ينافسها أحد كما هو الحال اليوم. ولم يمضِ من الزمن أكثر من عامين إلا وكانت الأيادي العمانية تتداول الجريدة، وتقرأ عناوينها الصباحية وتشم في حبرها الحقيقة وتقرب أمامها كل بعيد.

ومنذ تلك اللحظة بدأت القصة.. بدأت قصة الجريدة التي نحتفي اليوم بمناسبة مرور نصف قرن على إطلالتها الأولى.

وفي هذا الملحق الخاص الذي تصدره الجريدة بالمناسبة نحاول أن نستذكر الكثير من تفاصيل المشروع منذ بداياته الأولى في مقر الجريدة الصغير في بيت الفلج وإلى أن أصبحت في مبناها الكبير والحديث المعروف في مدينة الإعلام. ومن البدايات التي كان العمل فيها صعبا سواء على مستوى التحرير وأدوات الكتابة والطباعة والتوزيع أو على مستوى أدوات تلقي الأخبار عبر وكالات الأنباء وإرسال الصور من مكان الحدث إلى مقر الجريدة وإلى الآن حيث التكنولوجيا الحديثة وحيث عالم المنصات الإلكترونية وخطط التحول الرقمي. وكلها تفاصيل يمكن أن تشرح للقارئ معنى كلمة «مهنة المتاعب»، وكلها تفاصيل تستحق أن توثق وتستحق أن تدون.. فهي رحلة كفاح قادتها أجيال من الصحفيين والفنيين في الجريدة تحملوا الصعاب وتحدوا المتاعب إلى أن وصلوا بالمشروع إلى هذه النقطة الزمنية.

وسيجد القارئ معنى التحديات وحجم الصعاب في سياق مقالات الملحق ومواضيعه.

أمّا السؤال عن المستقبل، أو مرحلة ما بعد الخمسين، فهو السؤال الكبير الذي يستحق مساحة أكبر من هذه المساحة، لأنه سؤال حول مستقبل المشروع الذي وصل إلى هذه المرحلة من الطريق الطويل. جريدة عمان تعد قراءها بالكثير في المرحلة القادمة على كل المستويات، على مستوى الشكل أو المضمون.. ويكفي أن نختصر الحديث عن الطموح (فالطموح نفسه لا يمكن أن يختصر) طموح الناشر وهي وزارة الإعلام أو طموح الزملاء الذين يعملون في الجريدة بالقول إننا نطمح في القريب العاجل أن تكون جريدة عمان في صدارة الصحف العربية، وهي حقيقة تسير بثبات في هذا الطريق، وكذلك بين الصحف العالمية التي تستحق عناء القراءة. وفي الحقيقة هذا أكثر من كونه طموحا فهو خطة عمل تسير الجريدة نحو تحقيقها وبتكاتف الجميع فإن الخطة سوف تصل إلى مبتغاها وسنلتقي قريبا لنحكي قصة هذا الطموح الكبير وآليات تنفيذه.

عاصــم الشـيدي رئيس التحرير