موظفو قسم الجمع يطبعون ما كتبه الصحفيون بخط أيديهم
موظفو قسم الجمع يطبعون ما كتبه الصحفيون بخط أيديهم
اليوبيل الذهبي

الإخراج الصحفي بجريدةعمان ..محطات من ذكريات البدايات التقليدية وصولا إلى التطور التقني

19 نوفمبر 2022
19 نوفمبر 2022

التطور سنة كونية، وركب سريع الحركة لا بد من مجاراته لمواكبة كل جديد، وفي عالم الصحافة تسير الكثير من المسارات في اتجاه التطور، تطور أدوات التحرير، وأدوات التصوير، وأدوات الطباعة، وكذلك أدوات الإخراج الصحفي والطباعة اللذين نتحدث عنهما في هذا التقرير، نستذكر تاريخ الإخراج ومسيرة الطباعة، ونسافر عبر الزمن برفقة أشخاص وزملاء عاصروا مراحل تطور الإخراج الصحفي، ونعرج كذلك إلى موضوع الطباعة المرتبطة بالإخراج الصحفي ارتباطا وثيقا.

مراحل مرت بعمل يدوي بحت، ثم تطورت شيئا فشيئا إلى أن وصلت إلى مرحلة التطور التقني الحالي والاستناد تماما على برامج الحاسوب في عملية الإخراج والطباعة.

صف الحروف «التنضيد»:

لم تكن طباعة جريدة عمان في عام 1972 متطورة كما هي عليه اليوم، فاليوم ساعدت التقنيات الحديثة على اختصار الكثير من الجهد والوقت، فما يتم كتابته اليوم عبر لوحة المفاتيح وأجهزة الحواسيب، كان يتم بطريقة يدوية بحتة بطريقة تسمى «التنضيد» وهنا نعني بالطباعة، طباعةَ النص الصحفي وليس طباعة الجريدة كاملة، ونقلا عن خلف الحراصي، وهو من أوائل العاملين العمانيين في مطبعة جريدة عمان، فإن العملية تستعدي صف قوالب حروف مصنوعة من النحاس، ولكل حرف أكثر من قالب نحاسي، فعلى سبيل المثال حرف «السين» له قالب لأول الكلمة، وقالب لمنتصف الكلمة، وقالب لآخر الكلمة، ولكل قالب من تلك القوالب أحجامٌ متعددة، وهكذا بقية الحروف، وكان إخراج السطر الواحد من النص الصحفي يحتاج إلى صف حروف الكلمة الواحدة حرفًا حرفًا، ثم الكلمة التالية وهكذا، ويتم صف الحروف النحاسية على قالب ذي عرض ثابت يسمى «المِصَف» يضم من أربع كلمات إلى سبع كلمات، وأطوال متنوعة بحسب حجم المادة، ليكون القالب بمثابة ختم يتم إدخاله في آلة تُمرر الحبر على القالب ثم تطبعه على ورقة، تلك الورقة تذهب إلى قسم المونتاج حيث يتم قصها ولصقها على ما يسمى «الماكيت» وهو نموذج لصفحة الجريدة.

وكما هو ملاحظ من متابعة الأعداد الأولى من جريدة عمان فإن حروف الكلمة الواحدة بها فواصل قصيرة تدلل على أن القوالب النحاسية لم تكن تتصل ببعضها بطريقة تامة.

أقسام منقرضة!

وفي مرحلة لاحقة تطور التنضيد من اليدوي إلى الآلي، ويقول الزميل المتقاعد زايد بن جمعة السعدي الذي عمل في قسم الإخراج الصحفي منذ عام 1983: «كانت عملية إخراج الصفحة في فترة 1983 وما بعدها من الأعوام تتم بطريقة (جمع الأحرف) أو (التنضيد الآلي)، حيث يستلم قسم (الجمع) المادة الصحفية من الصحفي مكتوبة بخط اليد، ووفق تعليمات قسم الإخراج الصحفي يقوم قسم (الجمع) بجمع حروف المادة الصحفية -طباعتها- كما حددها المخرج، فمثلا يحدد المخرج عرض العمود الواحد بـ 4 سنتيمترات، أو عمودين، أو أكثر من ذلك، ثم بعد (الجمع) أو (الطباعة) تستخرج ورقة مصقولة طبعت عليها المادة الصحفية، لتنتقل إلى قسم التدقيق اللغوي، ثم المونتاج، فيقوم فني المونتاج بقص الورقة المجلوبة من قسم الجمع باستعمال المشرط أو المقص، ثم يمرر القصاصة على آلة الشمع ويلصقها في قالب يعرف بـ (الماكيت) حسبما حدد مخرج الصفحة، الذي يقوم بدوره بتخطيط ورسم الصفحة مسبقا، من خلال قياسات دقيقة، فيحدد لتلك المادة مثلا 8 سنتيمترات عرضًا و 15 سنتيمترا طولا، وذلك الموضوع أكثر من ذلك، ويحدد مساحة للصورة، والعناوين، والمداخل، وعلى قسم جمع الأحرف السير وفق ما حدده المخرج، وبدوره يجتهد موظف الجمع في عدد الكُتل وفقا لعدد الأعمدة، فإذا ما حدد المخرج للمادة (س) 12 سنتيمترا، فإن موظف الجمع يجتهد في تقسيم المادة إلى 3 أو 4 (أنهر) أو (أعمدة)».

وتابع السعدي: «في ذلك الزمان كانت المادة الصحفية هي الفيصل، فقد تكون على حساب الصورة من ناحية حجمها أو حتى إلغائها إن كانت المادة كبيرة الحجم، الوضع في تلك الفترة يشبه ما عليه اليوم من ناحية المبدأ، ولكنه يختلف من ناحية الجهد والوقت، إذ كان العمل يدويا بحتا».

وبدوره قال سيف بن سالم الفضيلي الذي بدأ موظفًا في قسم المونتاج الصحفي في بدايات عام 1987، إلى أن ترأس القسم الديني في قسم التحرير بجريدة عمان قبل تقاعده: «كان مخرج الصفحة بمثابة المايسترو، الذي بدوره يحدد حجم المادة، والعناوين، وحتى حجم الصور، ويمكن لرئيس التحرير أو مدير التحرير أو سكرتير التحرير اختصار المواد لزيادة حجم الصور، بمعنى أن المرحلة تعود من جديد إلى قسم الجمع وفني المونتاج لإنشاء الصفحة من جديد، وكانت العملية متعبة خاصة على فني المونتاج، الذي كان ملازما لآلة الشمع التي تنبعث منها الروائح والأبخرة والغازات وفي أجواء ذات إضاءة مرتفعة، وهذه العملية مع مرور الوقت أكسبت العاملين في الجريدة بكل أقسامها خبرة كبيرة في قياس المواد، إذ كان من النادر إعادة تصميم الصفحة من جديد، ومن النادر أن تختلف المقاسات التي وضعها المخرج بعد جمع المادة من قسم الجمع، وكان العاملون حينها حريصين على عدم هدم الصفحة، بل يتم تأجيل بعض المواد أو نقلها إلى صفحات أخرى بهدف عدم إعادة إنشاء الصفحة من جديد».

بداية التسعينيات

وتحدث زايد السعدي عن فترة التسعينيات قائلا: «استمر العمل بذات الطريقة حتى مع بداية التسعينيات، أعني قسم المونتاج من حيث القص اليدوي واللصق على الماكيت، إلا أن التطور الذي حصل حينها كان في قسم (جمع الأحرف) لتنتقل الطريقة من التنضيد الآلي، إلى استعمال أجهزة الحاسوب في طباعة المادة، حسبما يحددها المخرج لتذهب إلى قسم المونتاج، وفي بداية استعمال الحاسوب كانت الطباعة على أوراق كبيرة الحجم، توازي حجم صفحة الجريدة، ثم تذهب لقسم المونتاج لصناعة الصفحة كما حددها المخرج، وبعد ذلك بسنوات تم تقليص حجم الورقة التي يصدرها قسم جمع الأحرف إلى أوراق أصغر، بمقاس (A3) مع الحرص على أن يكون حجم الخط ملائما مع حجم والورقة الكبيرة (ورقة الجريدة)، وذلك من باب الترشيد في استعمال الورق، وبهذه العملية انتقلت الجريدة إلى مرحلة أيسر في الطباعة وإعادة الطباعة إذا ما ورد خطأ ما في المادة، وفتح هذا النوع من الطباعة المجال للتحكم في حجم العناوين والمادة وأنواع الخطوط كذلك».

ونقلا عن الزميل بدر بن ناصر الجابري الذي عمل في قسم الإخراج الصحفي حتى تقاعده: «ترد أحيانا بعض التعديلات في تلك الفترة، «بداية التسعينيات» ففي حين الانتباه على وجود خطأ إملائي بعد عملية المونتاج، تُطبع الكلمة المراد تصحيحها، وتُلصق في مكان الكلمة الخاطئة باستعمال الشمع، وبعد ذلك تؤخذ الصفحة الكاملة بعد إنتاجها وإخراجها إلى قسم التصوير، فيتم تصويرها في قسم الكاميرا على شكل «بوزيتيف»، ويتم استخراج الصورة على صفيحة من الألمنيوم وهو في الأصل فيلم يسمى (البليت) يتم إدخاله في المطبعة لطباعة الجريدة.

برامج التصميم

البرنامج الرئيسي اليوم المستخدم في تصميم صفحات جريدة عمان هو برنامج «أدوبي إن ديزاين» الذي مر بتطورات وتحديثات وإصدارات واكبتها الجريدة، وقد سبق اعتماد هذا البرنامج في جريدة عمان حوالي أربعة برامج للتصميم، وقال الزميل زايد السعدي: «من البرامج التي سبقت (إن ديزاين) برنامج (الناشر المكتبي)، و(الناشر الصحفي)، و(الكوارك)، وإلى عام 1998 تقريبا انتقل موظفو الإخراج والتصميم إلى استعمال برنامج (أدوبي إن ديزاين) المستعمل إلى اليوم، مع تطور البرنامج واستخدام النسخ الأحدث، وذلك مع بداية استعمال المطبعة الجديدة في جريدة عمان عام 1998 والمستعملة إلى اليوم، ومع استعمال البرامج الحاسوبية اختصر الكثير والكثير من الوقت المستغرق سواء في إعداد الصفحات، أو في طباعة الجريدة، وكذلك ساهمت برامج التصميم في تلافي الكثير من الأخطاء اللغوية والفنية، ففي استعمال المونتاج التقليدي تحدث بعض الأخطاء نتيجة الإفراط في استعمال الشمع منها إتلاف الصور وبعض القصاصات الورقية الخبرية، وكذلك سقوط بعض الصور والقصاصات من (الماكيت) نتيجة عدم استعمال الكمية الكافية من الشمع، قبل أن يذهب الماكيت إلى المطبعة ووضعه في آلة التصوير للقيام بالطباعة النهائية للجريدة، لذلك كانت الأوراق المستعملة لطباعة القصاصات والصور سميكة نوعا ما ومصقولة لتلافي تلك الأخطاء التي قد تحدث رغم كل الحرص، كما كانت طباعة الجريدة في السابق قبل استعمال البرامج الحديثة تتم فجرا في غالب الأحيان، وكان موظفو المونتاج والجمع والمطبعة يعودون بعد الفجر إلى بيوتهم، أما مع استعمال البرامج الحديثة فغالبا تتم طباعة الجريدة ما بين الحادية عشرة ليلا و الواحدة بعد منتصف الليل، وفي بعض الأحيان قبل ذلك، وفي أحيان نادرة بعد ذلك، وكل ذلك يرجع إلى الفعاليات والأحداث الحاصلة».

فيما يقول سيف الفضيلي: «برامج التصميم الحاسوبية المعتمدة اليوم ألغت وظائف كانت أصيلة في جريدة عمان، ومن تلك الوظائف وظيفة (جامع الأحرف) والذي كان يعول عليه بشكل أساسي في إخراج الصحيفة، ومن بين الأقسام التي ألغيت كذلك قسم المونتاج، ليتولى موظف المونتاج والجمع بنفسه عملية إخراج الصفحة، بالاتفاق مع المحرر المسؤول وإدارة التحرير، ويتولى عمل (قسم الجمع) الصحفي أو المحرر الصحفي، إذ مع توافر أجهزة الحاسوب لكل موظف انتهت كتابة الأخبار يدويا، وانتقل الكثير من موظفي الجمع وموظفي المونتاج إلى قسم التصميم الصحفي، وبعضهم إلى أقسام أخرى منها التحرير والتصوير وغيرها من الأقسام».

المطبعة

لا شك أن مسيرة مطبعة جريدة عمان مرت بمراحل كثيرة، بداية من عام 1972 وحتى وقتنا الحالي، ومن أبرز مطابع جريدة عمان حتى عام 1998 كانت مطبعة أمريكية تسمى بـ «كنج بريس»، وهي مطبعة موجودة إلى اليوم ولكنها متوقفة عن الخدمة، أما المطبعة الحالية التي تستعمل في طباعة جريدة عمان فقد بدأت عام 1998.

بعد أن تنتهي مراحل إعداد صفحات الجريدة تُرسل إلى المطبعة لتدخل مرحلة أخرى من المراجعات الفنية والإعداد إيذانا لانطلاق سلسلة الجريدة الورقية، ويقول أحمد بن هلال الصباحي مدير دائرة الصيانة بجريدة عمان: «مراحل عديدة تتم قبل طباعة (البليت) وهي عبارة عن صفيحة من الألمنيوم، تكون بمثابة فيلم، يتم إدخالها في آلة الطباعة الحالية، ويكون عرض (البليت) بالنسبة لصفحات الجريدة معروفا بمقاس (برود شيت) وكل (بليت) مخصص لطباعة صفحتين على ورقة واحدة بألوان أحادية، أما كل ورقة من الأوراق الملونة، فهي تحتاج إلى أربعة (بليتات) لكل منها لون من الألوان الأساسية في الطباعة، وتلك الألوان تعرف اختصارا بـ «CMYK» وكل حرف منها تعني لونا من الألوان، اللون البحري، ولون (ماجنتي) القريب من الزهري، واللون الأصفر، واللون الأسود، وهي ذاتها الألوان المستخدمة في آلات الطباعة المنزلية».

وتابع الصباحي: «تقوم آلة طباعة (البليت) بتدريج اللون الأسود على صفيحة بليت واحدة لإنتاج صفحتين أحاديتي اللون، وبالنسبة للصفحات الملونة تقوم الآلة بتفكيك الألوان الرئيسية لطباعة أربع (بليتات) فتعزل الآلة اللون الأصفر في صفيحة بليت واحدة، واللون البحري، ولون «ماجنتي» واللون الأسود، تلك الصفائح الأربعة يتم إدخالها في آلة الطباعة وكل صفيحة من الأربع تطبع على مساحة ورقية واحدة لتخرج ملونة بالكامل، وتعرف آلة طباعة الصفائح باسم (CTP ) وتملك جريدة عمان آلتين لطباعة صفائح البليت، واحدة من شركة «أكفا»، والأخرى من شركة «كوداك»، وكلا الآلتين تقومان بطباعة الصفائح باستخدام تقنية الليزر».