«عمان للموسيقى التقليدية» يناقش دور الفلاسفة في تطور علوم الموسيقى العربية
كتبت: خلود الفزارية -
أقام مركز عمان للموسيقى التقليدية التابع لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم بديوان البلاط السلطاني محاضرة بعنوان «دور الفلاسفة العرب في نشأة وتطور علوم الموسيقى العربية» مساء أمس الأول قدمها الأستاذ الدكتور محمود قطاط من الجامعة التونسية.
وتناول المحاضر مراحل وتطورات مرت بها الموسيقى العربية منذ صدر الإسلام إلى عصرنا الحاضر، وتطرق إلى علوم الموسيقيين وبعض المنظرين، مع التركيز على الجانب الأساسي وهو الجانب الفكري والعقلاني الذي تقمصته نخبة من رواد الفلاسفة والمفكرين العرب وهم منظرون ومطبقون موسيقيون فاعلون.
وأشار قطاط إلى أن أعمال الموسيقيين جاءت في منتهى الأهمية، في دراسة الموسيقى العربية الإسلامية، حيث يتحتم أن نأخذ في الاعتبار البعد الكوني لحضارة لا عرقية ولا طائفية كشفها الإسلام حين بزغ فجره، وانخرطت فيها أمم كثيرة ذات تاريخ عريق، وكانت الروح الإسلامية منارة لها واللسان العربي أداة فكر وبيان.
مضيقا أن إدخال البحث العلمي عليها أدى إلى عدة تحسينات وإضافات كما وضعت له القواعد ونوعت عنه المناهج واستنبطت له المصطلحات والمفاهيم مما مكن العلوم والفنون المتداولة حينها وأخرى مستحدثة من التطور والازدهار والانتشار في نطاق واسع شرقا وغربا، مبينا أن آلة العود اتخذت مرجعا أساسيا في معالجة الصناعة الموسيقية وشرح نظرياتها ودراسة أبعادها الفيزيائية والفلسفية والفلكية والعلاجية.
وأوضح الدكتور محمود قطاط أن الفن الموسيقي أصبح أحد أركان العلوم الرياضية وعنصرا هاما في الحكمة الرباعية إلى جانب الحساب والهندسة والفلك، وجزءا أساسيا من الثقافة الإسلامية باتجاهيها التجريدي المعتمد على التأثير الموسيقي أو الطبيعي والرياضي والذي يركز أساسا على فيزيائية الصوت وتحديد النسب، مضيفا أنه عند تصفح الفهارس القديمة نجدها رصدت التراث الفكري إنتاج يوفر ثراء لم يتوفر لأمة أخرى على مدى التاريخ، كما أن هناك آلاف الرسائل والكتب ألفها المبدعون والنوابغ في شتى صنوف العلم والمعرفة الإسلامية، على أسس البحث العلمي الحديث.
وفي المجال الموسيقي داخل هذا الإنتاج الضخم نجده يتبوأ مكانة مرموقة وعرف تبعا لذلك من النظر إلى العمل الكم الوافر من المصنفات جاءت متعددة المشارب متسعة الآفاق، بوجهة نظر علمية فلسفية فلكية دون إغفال للجانب العملي، في حين جاء الجانب الثاني أكثر قربا من الواقع العلمي جاء به مبدعون جمعوا بين التنظير والتطبيق وهم مع غزارة علمهم معنيون بالصناعة الموسيقية.
وتابع قطاط في محاضرته أن هناك أكثر من 650 عنوانا من الموسيقى وصل منها 360 مخطوطا احتوتها 1265 مخطوطة دون اعتبار المفقود منها يضاف إليها أمهات الكتب ذات المواضيع المختلفة من ضمنها الموسيقى، ككتب الأخبار والأدب والتراجم والرحلات وكتب الفقه والتصوف والفلسفة وكالمعاجم المختلفة، والدواوين والمجامع الشعرية بمختلف أصنافها وما يتصل بشكل أو بآخر بالعلوم الموسيقية، منوها أن للموسيقى فقهها اللغوي حيث تم استنباط نظرية متكاملة أثرت على إرساء دعائم النظام الموسيقي المتآلف على عناصر التقليد الموسيقي الكبير تجلت من خلاله ملامح الغناء العربي وأصواته وثبتت أركانه تطبيقيا ونظريا.
وتاريخيا يشير قطاط أن العلاقة منذ القرن الثاني للهجرة خاصة عندما انتقلت مدرسة مكة والمدينة إلى مدرسة دمشق ثم تعمقت وتوسعت مع القرن الثالث الهجري تغلب عليها نزعة تجريبية فيزيائية، وتوجه يُبحث فيه عن أحوال النغم وأحوال الأزمنة المختلفة ليشمل مختلف نواحي الفن وطبيعة الأصوات وتوافقها وأنواعها والأنغام والأوزان الموسيقية إلى غير ذلك ما يتصل عن صناعة الموسيقى وتطبيقاتها، كما ابتكروا مسائل متنوعة منها المتعلق بالصوت، وتوسع فلاسفة العرب في الأوتار وطبيعتها وطولها ونوعها وتجنيس المقامات والإيقاعات، في المجال الموسيقي، وناقش المحاضر نظريات التطور الموسيقي مرورا بالقرون الإسلامية اللاحقة والآلات المستخدمة، مع ذكر المقامات ونظريات الفلاسفة، وصلتها بالجانب الروحي والنفسي والعلاجي.