ما دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تعزيز وتنمية اقتصاد المحافظات ؟
تعتبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني، حيث تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير فرص عمل للشباب العماني من خلال تأسيس مشاريعهم الخاصة وتوظيف الباحثين عن عمل، بالإضافة إلى مساهمتها في ﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻨﻮﻳﻊ اﻻﻗﺘﺼﺎدي، وتعزز القدرات التنافسية والإنتاجية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وتسهم أيضا في تعزيز وتنمية اقتصاد المحافظات.
وتشير الإحصائيات إلى أن إجمالي عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المسجلة في سلطنة عمان حتى نهاية العام الماضي بلغت 135 ألفًا و64 مؤسسة، منها: 114 ألفًا و17 مؤسسة صغرى، و19 ألفًا و934 مؤسسة متوسطة، وألف و113 مؤسسة متوسطة. حيث يبلغ عددها في محافظة مسقط 47 ألفًا و618 مؤسسة، وفي محافظة شمال الباطنة 20 ألفًا و205 مؤسسات، فيما يبلغ عددها في محافظة ظفار 16 ألفًا و902 مؤسسة، و12 ألفًا و643 مؤسسة في محافظة الداخلية، وبلغ عدد المؤسسات المسجلة في محافظة جنوب الباطنة 9 آلاف و265 مؤسسة، فيما بلغ إجمالي عدد المؤسسات بمحافظة شمال الشرقية 9 آلاف و230 مؤسسة، أما محافظة جنوب الشرقية فقد بلغ العدد 7 آلاف و724 مؤسسة، وفي محافظة الظاهرة 5 آلاف و484 مؤسسة، فيما بلغ العدد في محافظة البريمي ألفين و946 مؤسسة، وفي محافظة الوسطى ألفين و154 مؤسسة، كما بلغ العدد بمحافظة مسندم 893 مؤسسة صغيرة ومتوسطة.
في هذا الاستطلاع الصحفي، نجيب على عدد من الأسئلة، أبرزها ما دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تنمية المحافظات؟ وماذا تحتاج هذه المؤسسات لرفد ونمو اقتصاد المحافظات؟
تنويع الاقتصاد
في البداية أوضح الدكتور قيس بن داود السابعي -قانوني وخبير اقتصادي- أن عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سلطنة عمان زاد بفضل سلسلة من الإجراءات والتشريعات والبرامج والتشجيع والدعم الحكومي لهذا القطاع، وقال: «للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة دور كبير وبارز وإيجابي في تنمية المحافظات، حيث تقدم مساهمة فاعلة في الناتج المحلي الوطني، وتوفير فرص عمل للشباب، وتعزيز في إرفاد وإظهار روح الإبداع والريادة في المجتمع، ودفع وتيرة تسارع عجلة الاقتصاد الوطني والنمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل، هذا كله ينعكس على عيش المواطنين من خلال تحقيق العيش الكريم والرفاه الاقتصادي، وتؤدي إلى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني والثقافي».
وأكد قائلا: «لهذه المؤسسات أهمية دورية في التنمية المستدامة في المحافظات، سواء في تنمية الصادرات من خلال المساهمة في التخفيف من حدة عجز الميزان التجاري، أو استخدام أفضل أنواع فنون الإنتاج، وإنتاج مكونات السلع التي تتوجه إلى التصدير، فنتحول من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة، كما تحقق هذه المؤسسات التكامل الاقتصادي مع المؤسسات الكبيرة؛ لأنها تحتاج إليها لتنفيذ بعض أنشطتها وأعمالها».
وأوضح الدكتور أنه لتنمية المحافظات، تحتاج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى الدعم والتشجيع من خلال توفير التمويل الميسر والمناسب، وإيجاد برامج تمويل متخصصة لهذه المشاريع، وتقديم الدعم الفني والتدريب والاستشارات المكثفة لرواد الأعمال، وتوفير البنية الأساسية والخدمات، وتنظيم التشريعات الملائمة للقطاع، وتوفير التسهيلات والإجراءات الإدارية والمالية، وتقديم الحوافز الضريبية والإعفاءات، كما تحتاج إلى الترويج والتسويق، وزرع الثقة والثقافة بقدرتها على إنتاج السلع وتحقيق الرفد الاقتصادي، كما أنها تحتاج لبيوت خبرة للاستفادة من خبراتهم.
وقال السابعي: «تحتاج المحافظات إلى نوعية معينة من القطاعات التي تعمل فيها المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كالقطاع الزراعي، والصناعي، والثروة السمكية، والأمن الغذائي، والخدمات اللوجستية، والسياحة المحلية، والمشاريع التقنية، والشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي».
تنمية الاقتصاد
من جانبها قالت الدكتورة حبيبة المغيرية أكاديمية وباحثة اقتصادية: «مما لا شك فيه أن قطاع المؤسسات المتوسطة والصغيرة هو قطاع مهم في تنمية اقتصاد سلطنة عمان، وذلك بسبب مساهمته ودوره البارز في تنمية المحافظات وتعزيز اقتصادها؛ فهي تتميز عن الشركات الكبرى بقدرتها على إيجاد فرص عمل لأبناء المحافظات ولا تحتاج إلى أموال ضخمة لإنشائها وإدارتها، وأيضا تسهم في تنمية المجتمع المحلي وتحقيق الرفاهية الاجتماعية».
مشيرة إلى أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تحتاج إلى العديد من الإصلاحات والتطوير لتسهم في تنمية ورفد اقتصاد المحافظات، قائلة: «أولها تسويق وشراء المنتجات والخدمات التي تقدمها هذه الفئة من المؤسسات، وتوجيه ودعم هذه المؤسسات بفرص الاستثمار بكل محافظة وإعطاء الأولوية لها، والأهم من ذلك توعية وتدريب أصحاب المؤسسات لإعداد دراسات الجدوى وخاصة في جانب إدارة الموارد المالية وخصوصا الحاصلة على تمويل سواء من البنوك أو جهات التمويل الأخرى لحمايتها من التعثر، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة الإبداع والابتكار في كل مرحلة من مراحل مشاريع المؤسسات، والسعي إلى تجويد المنتجات والخدمات المقدمة من هذه المؤسسات ودعمها من الجهات المسؤولة وإيجاد منافذ تسويق لها».
وأكدت الدكتورة المغيرية أن لكل محافظة من محافظات سلطنة عمان طابعا يميزها عن الأخرى، ويمكن أن يستغل رواد الأعمال في تلك المحافظات جانب الابتكار، وقد تتنوع أنشطة هذه المؤسسات وتسعى بأن تكون لها ريادة وميزة تنافسية في معظم المجالات سواء في المجال السياحي أو الزراعي أو البحري أو الصناعي أو الرياضي أو الثقافي أو التقني وغيرها من القطاعات، والأهم من ذلك، التميز عن المنافسين الآخرين في نفس النشاط وتحديد الفئة المستهدفة، والبعد عن التوسع السريع من دون دراسة جدوى وكذلك التطوير.
تعزيز الابتكار والإبداع
ويرى رجل الأعمال مسلم بن دبلان العمري رئيس اللجنة الصناعية في فرع غرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة ظفار ومؤسس شركة «مشاريع بن دبلان العالمية» أن للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة دورا كبيرا في تنمية المحافظات؛ فهذه المؤسسات تعد عمودا فقريا للاقتصاد المحلي، وتسهم في توفير فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي، وتعمل على توفير السلع والخدمات المحلية، وتعزيز الابتكار والإبداع، وتعزيز التنمية المستدامة في المحافظات، كما أنها تسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي من خلال زيادة الإنتاجية وتعزيز التجارة والاستثمار، بالإضافة إلى ذلك، تعمل هذه المؤسسات على توفير فرص التدريب والتطوير للقوى العاملة الوطنية وتعزيز المهارات والكفاءات». مشيرا إلى أنه لتنمية اقتصاد المحافظة، تحتاج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى العديد من العوامل المهمة: أولا: تحتاج إلى بيئة تشجيعية وداعمة من الحكومة والجهات المعنية، بما في ذلك التسهيلات الضريبية والتمويل المناسب والمساهمة في بناء البنية الأساسية اللازمة، ثانيا: تحتاج إلى الوصول للتكنولوجيا والابتكار وذلك من خلال توفير الدعم التقني والتدريب المناسب للعاملين فيها، وثالثا: تحتاج هذه المؤسسات إلى الوصول للأسواق المحلية والعالمية من خلال توفير الدعم في التسويق والتصدير وتوسيع قاعدة الزبائن، رابعا: تحتاج إلى توفير فرص التدريب والتطوير للقوى العاملة الوطنية من خلال الشراكة مع المؤسسات التعليمية والتدريبية.
وأكد العمري أنه يجب الإعلان عن المشاريع التي تخطط لها الحكومة والشركات الكبرى، وحثها على فتح المجال أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة لتسهم في تعزيز هذه المشاريع من خلال منحها الفرص لتولي بعض المشاريع وتنفيذها بمتابعة من الشركات الكبرى والجهات الحكومية، كما يجب تخصيص نسبة في كل مناقصة لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة.
توفير الوظائف
وقالت رائدة الأعمال أميرة بنت أحمد الزدجالية مؤسسة شركة «الارتقاء للاستشارات الإدارية»: تؤدي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دورًا مهمًا في توفير الوظائف للباحثين عن عمل في المحافظات، ما يعزز من تحسين المستوى المعيشي، ويقلل الهجرة إلى أمهات المدن، بالإضافة إلى تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تكثيف النشاط التجاري والإنتاجي، وزيادة الإنفاق المحلي، كما تعمل هذه المؤسسات على زيادة كفاءة الشباب من خلال توظيفهم وتنمية مهاراتهم في مرحلة ما قبل العمل، ولها دور في تعزيز التنمية المستدامة عن طريق استغلال الموارد المحلية وتحسين جودة الحياة».
مشيرة إلى أن هذه المؤسسات تحتاج إلى الدعم والثقة من قبل المؤسسات والقطاعات الاقتصادية المختلفة في المحافظات، عبر توفير بيئة أعمال مشجعة تشمل الدعم المالي والتدريب والتطوير، وسهولة الوصول للأسواق وتشجيع الابتكار، يضاف إلى ذلك قدرة المؤسسات الحكومية على إيجاد قدرات وكفاءات قادرة على التعامل مع تلك المؤسسات الصغيرة وتنميتها، والتركيز على القطاعات الواعدة مثل الاقتصاد الدائري والتشاركي، والاقتصاد الأخضر، والطاقة المتجددة عبر الاعتماد على القيمة المحلية المضافة.
وحول نوعية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تحتاجها المحافظات، أضافت الزدجالية: «تختلف طبيعة المؤسسات حسب الميزة النسبية لكل محافظة وطبيعتها ومواردها والثقافة السائدة بها، مع التركيز على ثورة التحول الرقمي والبيانات الضخمة وإيجاد توازن واقعي بين المؤسسات التجارية والخدمية والتكنولوجية، وليس التركيز فقط على قطاع التقنية كما هو سائد الآن، لذلك ينبغي تحديد منظومة خاصة ومحددة لريادة الأعمال لكل محافظة تتناسب مع طبيعتها ومواردها وإمكانياتها».