قلعة الميراني.. خطوة نحو إحياء التراث التاريخي وجذب السيّاح
هاني الكندي: إحدى أهم التجارب الثقافية والسياحية على مستوى المباني الأثرية في عُمان
نصر البوسعيدي:القلعة تمثل رمز الوحدة والنضال العماني
25 موظفا بين مهندس ومشرف وإداري ومالي في فنادق ومنتجعات جبال الحجر
تحظى «قلعة الميراني» بموقعها الفريد في آخر السور الغربي من مسقط التاريخية، وهي مزار سياحي وقيمة اقتصادية وثقافية استثمارية مستدامة، وتعد القلعة منتجًا سياحيًا يشكّل قيمةً مضافةً للمجتمع المحلي وتجربةً استثماريةً ناجحةً لإحياء مواقع التراث الثقافية العمانية.
اطلعت «$» على التجارب الاستثمارية الناجحة للشركات العمانية التي استطاعت أن تحوّل هذه القلعة إلى مكان نابض بالثقافة وصفحة ملهمة تحيي جزءًا من تاريخ سلطنة عمان الضارب بجذوره في أعماق التاريخ الإنساني الخالد.
ففي الجانب الاستثماري، قال هاني بن عبدالعزيز الكندي المدير التنفيذي لشركة فنادق ومنتجعات جبال الحجر: قمنا في الشركة بتطوير تجربة سياحية وتاريخية وثقافية متكاملة بما يتناسب مع مكانتها وتاريخها، تتيح للزائر فرصة التعرف على تنوع التجربة والعيش في أجواء من الفنون والمعرفة والسياحة والترفيه والاستمتاع بروعة المكان وإطلالاتها البهية على بحر عُمان وقصر العلم العامر وقلعة الجلالي القريبة منه، ووفرنا بعض الخدمات الأساسية التي تمكّن الزائر من الاستمتاع بكل لحظات المشهد، وتمت إضافة المسرح المفتوح ومتحف الأسلحة الذي يضم الأسلحة والمدافع العمانية والبرتغالية ومنها أيضًا عرض للباس المحارب العماني به خوذة الرأس التي يرتديها المحارب مطرزة بأسماء الله الحسنى»، موضحًّا أن الشركة حاولت توظيف كل زوايا القلعة لتصبح مرافق سياحية يستطيع الزائر أن يتجول من خلالها، ويستمتع بكل المرافق المهيأة له، كما تم توفير «جهازي تلسكوب» يتيحان للزوار فرصة لمشاهدة تفاصيل مسقط القديمة والأبراج من زاوية، ومن زاوية أخرى يمكنان الزائر من مشاهدة الأبراج وأسماء السفن البرتغالية المنحوتة على الجبل المطل على بحر عُمان.
وأضاف الكندي: إن الزائر للقلعة يمر به شريط الذكريات لقصص تاريخية ثرية جسّدتها مدينة مسقط عبر العصور المختلفة، ويستذكر من خلال زواياها الصراع بين مختلف القوى للسيطرة على هذه المدينة، كما تجسّد قصة المقاومة العمانية في وجه القوى الاستعمارية، وتؤكد قدرت أبنائها على بسط السيطرة وتعزيز الاستقرار في البلاد، فمن خلال الزيارة يتعرف على تفاصيل القلعة في فترة الاستعمار البرتغالي والإسباني ويشاهد تفاصيل تحصيناتها الكبيرة وسيطرة المحتل على ميناء مسقط لأكثر من 147 سنة، كما يعيش فترات تحريرها من قبل اليعاربة، وما تمثله من رمزية الوحدة وقوة السيادة العمانية في عهد دولة البوسعيد وإلى يومنا هذا، والزائر للقلعة يشاهد الكتابات البرتغالية التي دونت بعض أسماء ملوك الإسبان والبرتغاليين الذين أمروا عبر الفترات الزمنية بترميم وتقوية القلعة، كما يشاهد الزائر كنيستها التي نقشت عليها بعض الكتابات البرتغالية».
إقبال جيد
وعن الإقبال على زيارة القلعة وما هو متوسط الزيارات؟ قال هاني الكندي: الحمد لله الإقبال منذ افتتاح القلعة «التجريبي» في أبريل الماضي جيد للغاية ورائع، حيث يزور القلعة بين 350 زائرًا و600 زائر في إجازة نهاية الأسبوع الذي افتتحت فيه القلعة أبوابها من الساعة 8 صباحًا حتى 12 ليلًا، ونتوقع أن يتضاعف العدد في فصل الشتاء، موضحًا أن قلعة مطرح التي تديرها الشركة وصل عدد الزوار في فصل الشتاء إلى 100 زائر في اليوم الواحد، وهي أرقام جيدة، موضحًا أن معظم الزوار من المواطنين العمانيين، ولدى الشركة خطة تسويقية تستهدف السياح من خارج سلطنة عمان ومن المتوقع مضاعفة العدد خلال الموسم وذلك بناء على واقع تجربتنا السابقة في قلعة مطرح، مشيرًا إلى أن القلعة شهدت زيارة عدد من الوفود الرسمية، منهم معالي الأمين العام للأمم المتحدة، ومعالي رئيس المجلس الشعبي الوطني للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وعدد من المثقفين والشخصيات العامة، وهناك تواصل مستمر مع شركات السفر والسياحة لجعل «قلعة الميراني» محطة مهمة ورئيسية في جدول زيارات السياح إلى سلطنة عمان.
وأكد الكندي أنه تم افتتاح القلعة وتشغيلها وكانت فرصة لإيجاد وظائف للشباب العماني، حيث توظف شركة فنادق ومنتجعات جبال الحجر في قلعتي مطرح والميراني 25 موظفًا من الشباب والشابات بين مهندس ومشرف للقلاع ومرشد وموظف في الشؤون المالية والإدارية وهو عدد جيد، وأثبت الموظف العماني كفاءته في العمل وفي حسن إدارة القلاع، وسجّل تميزًا لافتًا في استقبال الزوار من جميع الجنسيات، بدءًا من مرحلة الاستقبال ومرورًا بمرحلة التجوال وإعطاء المعلومات للزوار عن القلعة وتاريخها.
خطط تطويرية
وحول الخطط المستقبلية للشركة، قال هاني الكندي: تم توقيع عقد مع شركة عالمية لتأهيل القلعة سياحيًا بشكل أفضل ومميز ومحترف من خلال إضافة المعرض الرقمي وذلك ضمن المرحلة الثانية من مراحل الاستثمار للقلعة التي تستمر لعام ونصف العام تقريبًا وحينها تقدم قاعات العرض تجربة رقمية يتفاعل من خلالها الزوار كل حسب عمره، فهناك عروض تستهدف الأعمار من 6 إلى 12 عامًا، وأخرى تستهدف من 13 عامًا فما فوق وبما يتناسب مع المرحلة العمرية، وتتناول هذه الغرف المسماة بـ«اللغز» معلومات تفاعلية عن تاريخ القلعة منذ إنشائها عام 1588، والصراع الذي دار بين العمانيين والبرتغاليين خلال الحقب الزمنية المختلفة إلى حين تحريرها نهائيا عام 1650م في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي، حيث يتم العرض بصورة فنية بصرية مدهشة، في تجربة فريدة من نوعها على مستوى المنطقة وعلى مستوى القلاع الأثرية على وجه الخصوص، حيث تستخدم تقنيات متنوعة بأسلوب سردي جذاب يوصل المعلومة للزائر بطريقة تفاعلية فريدة من نوعها، وبذلك تكون القلعة كتابًا مفتوحًا لمن يريد التعرف على تاريخ القلعة والأحداث والشخصيات التي كانت مؤثرة في تلك الحقب الزمنية.
رمزية التحرير والنضال
وحول الجانب التاريخي للقلعة، حدثنا نصر بن ناصر البوسعيدي باحث تاريخي قائلا: الميراني قلعة قديمة عمرها أكثر من 480 سنة، كانت تسمى في العهد البرتغالي قلعة مسقط وطبعًا قد بنيت بيد البرتغاليين للتوطين وتأكيد قوتهم واستعمارهم للمنطقة، الذي استمر لأكثر من 147 سنة، والقلعة وبما أنها تمثل رمزية استعمار البرتغاليين أثناء الاحتلال هي كذلك تمثل رمزية للوحدة العمانية ورمزية للنضال العماني لتحرير مسقط وتحرير القلعة، حيث استطاعوا فعليًا تحريرها في زمن اليعاربة وخاصة بعدما وحّد سلطنة عمان ناصر بن مرشد وأكمل سلطان بن سيف تحرير القلعة وتحرير البرتغاليين نهائيًا من مسقط وعمان في سنة 1650 ميلادي، وظلت القلعة شاهدة على قوة العمانيين، وحافظ الإمام سلطان بن سيف على كل مكونات القلعة البرتغالية، والدليل على ذلك فقد حافظ على الكتابات البرتغالية وعلى كنيسة القلعة وأيضًا على أسماء ملوك إسبانيا المنقوشة في القلعة، ومنهم الملك فيليب الثاني بنفس اسمه في القلعة من سنة 1588، وأيضًا الملك فيليب الثالث ابنه الذي نقش اسمه في القلعة في سنة 1610 وهذه نبذة مختصرة لتاريخ القلعة.
يذكر أن استثمار «قلعة الميراني» جاء ضمن خطط وجهود وزارة التراث والسياحة لتوظيف التراث المعماري العماني وضمان استدامته وتعظيم الاستفادة منه، مما يسهم في توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة وتمكين القطاع الخاص من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأسر المنتجة لإيجاد منافذ تسويق للحرفيين وإثراء السياحة من خلال مشروعات ذات قيمة مضافة للمجتمع المحلي وإعادة إحياء مواقع التراث الثقافي عملًا بـ«رؤية عُمان 2040م» والبرامج الاستراتيجية للخطة التنموية العاشرة، واختارت وزارة التراث والسياحة 9 قلاع و14 حصنًا بوصفها واجهة سياحية وتاريخية مهمة يجب على السائح زيارتها والاطلاع عليها.