أبعاد اجتماعية واقتصادية وفكرية لمنظومة الهجن في سلطنة عمان
الحكومة تدعم السباقات بمهرجانات وميادين عالمية المستوى
ارتباط تاريخي يعزز تفوق المُضمر العُماني على مستوى المنطقة
تشهد ساحة سباقات الهجن في سلطنة عُمان تطورًا متسارعًا على كافة المستويات، حيث يواصل مُضمرو الهجن العُمانيون تفوقهم في ميادين الأصالة والتراث، محققين إنجازات مشهودة في العديد من المحافل المحلية والخليجية، إذ انعكس تحقيق الإنجازات إيجابيًا على نمو منظومة عزب سباقات الهجن، لتتحول إلى مؤسسات اقتصادية تستقطب آلاف الشباب للعمل والانخراط في عالم حافل بالمكاسب، يتطلب جهدًا واجتهادًا وعملًا مخلصًا، له مردوده الاقتصادي على مستوى الفرد والمجتمع.
ومع توسع الاهتمام بالهجن تضاعفت أعداد هجن السباق في سلطنة عُمان خلال السنوات الماضية، حيث بلغ عدد الهجن المسجلة لدى الاتحاد العُماني لسباقات الهجن حتى العام الماضي 24850 ألف مطية تعود ملكيتها لـ 4207 مواطنين، من مختلف محافظات سلطنة عمان، حيث تتصدر محافظة شمال الشرقية بولاياتها السبع محافظات سلطنة عمان في عدد هجن السباقات حيث يبلغ عددها 12748 مطية، يعمل بها الآلاف من الشباب العماني.
ويستند العمانيون في تفوقهم في عالم سباقات الهجن على إرث تاريخي عريق يتمثل في ارتباط الإنسان العماني بالهجن، فقد حافظ العمانيون منذ عصور على أفضل سلالات الهجن العمانية الأصيلة، وعززت الأجيال اهتمامها بالموروث الأصيل، والارتباط بالهجن، وعلى مدى سنوات طويلة وإلى الوقت الحاضر نشأت علاقة متينة بين الإنسان والإبل، لم تتغير مع تطور الحياة ومتطلباتها، بل تضاعف اهتمام الشباب في سلطنة عمان بموروثهم الأصيل، نظرًا لأهمية الهجن، والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والفكرية التي تسهم فيها منظومة الهجن وارتباطها بنمط حياة ملاكها ومضمريها.
اهتمام كريم
ومواكبة لتزايد اهتمام الشباب العماني بالهجن وجه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- خلال ترؤسه مجلس الوزراء العام الماضي بتطوير البنية الأساسية لسباقات الهجن التي تُعد أحد أهم الأنشطة الرياضية التي يرتبط بها عدد كبير من المواطنين من خلال تأهيل وإنشاء عدد من الميادين الرئيسية في المحافظات.
وتحظى سباقات الهجن في سلطنة عُمان باهتمام كبير من قِبل الحكومة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- حيث تُقام سنويًا العديد من المهرجانات والسباقات المدعومة من الحكومة، ويُقيم شؤون البلاط السلطاني ممثلًا بالهجانة السلطانية مهرجانا سنويًا يبدأ مع بداية موسم السباقات في شهر سبتمبر من كل عام، ويختتم بكأس جلالة السلطان للهجن في شهر مارس من كل عام، ويتزامن معه كذلك سباقات يُقيمها الاتحاد العُماني لسباقات الهجن، بالإضافة إلى مهرجان البشائر السنوي ومهرجانات أهلية تُقام تحت إشراف الاتحاد، من بينها مهرجان الأبيض السنوي لسباقات الهجن، ومهرجان المشرف، وتصب جميعها في دعم رياضة سباقات الهجن وملاكها والمُضمرين.
ميادين متطورة
شُيدت في سلطنة عُمان أكبر وأرقى الميادين الخاصة بسباقات الهجن، ويُعد ميدان الفليج لسباقات الهجن بولاية بركاء بمحافظة جنوب الباطنة التابعة للهجانة السلطانية أرقى وأكبر الميادين، كما يعد ميدان البشائر بولاية منح بمحافظة الداخلية واحدا من أبرز وأهم الميادين التي تحتضن السباقات والمهرجانات، كما يعد ميدان صحار لسباقات الهجن من بين أبرز الميادين من حيث التجهيز والتصميم، بالإضافة إلى عشرات الميادين التي شيدت بجهود أهلية، منها ميدان الأبيض وميدان المشرف وميدان بدية وميدان سيح السرية وغيرها من الميادين بكل الولايات، وتنتشر حولها مئات من عزب الهجن التي تستفيد من هذه الميادين للمشاركة في السباقات والتدريب اليومي والأسبوعي.
ويأتي الاهتمام الحكومي بالهجن بالتوازي مع ما تشهده ساحة الهجن من تطور على كافة المستويات، حيث تربع المضمر العماني على قائمة أفضل المضمرين على مستوى الخليج، وحافظ على مكانته المرموقة في المحافل المحلية والخليجية، ونال الكؤوس والسيوف وأغلى الجوائز في عالم سباقات الهجن.
جهد واجتهاد
يبذل المضمرون العمانيون جهدًا كبيرًا في سبيل تحقيق الإنجازات والحفاظ على التفوق في عالم سباقات الهجن، حيث يشكل الانتصار في عالم السباقات شأنًا كبيرًا لدى عشاق هذه الرياضة، إذ يبذل المضمر العماني الغالي والنفيس من أجل تحقيق الفوز والانتصار.
ويسهم الفوز في عالم سباقات الهجن في تحقيق العديد من الجوانب الإيجابية، منها جوانب معنوية واقتصادية، ففي الجانب المعنوي يشعر الفائز عند الانتصار بالفخر والاعتزاز، لأن الإنجاز الذي حققه يسجل في تاريخ سجله الشخصي، وهذا الجانب يشكل أهمية كبيرة لدى مضمري وملاك الهجن، بالإضافة إلى المكاسب المادية التي ترافق الفوز، بداية من مكسب الجائزة المقدمة سواء مالية أو عينية، وصولا إلى تهافت كبار المستثمرين في عالم سباقات الهجن على شراء المطية الفائزة بأسعار خيالية.
وتصل أسعار الهجن بعد فوزها في المهرجانات الرسمية والشعبية إلى أسعار كبيرة، تتجاوز الـ 200 ألف ريال عماني في كثير من الأحيان، خاصة عند الفوز بأشواط الرموز وهي الأشواط الأقوى في كل المهرجانات، والرموز عبارة عن (كأس أو سيف أو بندقية أو خنجر أو درع)، وغيرها من الجوائز العينية والنقدية، حيث يرتفع سعر المطية مع كل إنجاز تحققه، والتوقيت الزمني الذي تسجله.
إن الفوز وتحقيق الإنجازات في عالم سباقات الهجن، للحفاظ على مستوى التفوق، يأتي بعد جهد وعناء متواصل، ويجتهد المضمّرون في إعداد وتجهيز الهجن طوال العام، فما أن يختتم موسم حتى تبدأ الاستعدادات للموسم الذي يليه، ففي فصل الصيف يحافظ المضمّر على تمتع الهجن في عزبته بصحة جيدة، وراحة مقرونة بتدريبات تتناسب مع ارتفاع حرارة الصيف، حيث يتم تجهيز الهجن تدريجيًا وتغذيتها بأفضل طريقة، وإجراء الفحوصات البيطرية لها، ومعرفة كل تفاصيل حالتها الصحية، لمعالجة أي قصور في جسد المطية وأي جانب من صحتها.
ويقضي المضمّر أوقاتًا طويلة في متابعة شؤون عزبته، على المستوى الإداري والفني، حيث تُدار مؤسسة الهجن بشكل منظم ومتناغم، مع الجوانب الإدارية والمالية، والشؤون التدريبية للهجن، وبما أن العزبة تُعد بمثابة مؤسسة لها مشتريات ومبيعات، وموارد مالية، ومصروفات في جوانب عديدة، فإن الأمر يزداد أهمية في توسع دائرة من يعملون في العزبة، بحيث تُقسم المهام وفق كل اختصاص.
وإضافة إلى جهود المضمّر في إدارة شؤون عزبته، والحفاظ على مواردها المالية، لضمان استمرارية عطاء الهجن، فإن الجهود أيضًا تشمل إعداد المطية من كافة النواحي بحيث تكون جاهزة لأي مشاركة محلية أو خليجية، والحفاظ على الكوادر المؤهلة التي تعمل في العزبة، ويحرص كل مضمر على أن يراعي ظروف من يعملون لديه، بدعمهم ماليًا وتخصيص مرتبات شهرية لهم وحوافز تشجعهم على الاستمرار في العمل، بالإضافة إلى ترقيتهم مع كل إنجاز يتحقق، وضمان توافر الحوافز المالية تشجيعًا لهم.
منظومة اقتصادية
يسهم انتعاش صفقات البيع، وزيادة المهرجانات والجوائز، في تطوير ملاك الهجن والمضمرون في منظومة (العزبة)، لتصل إلى مستوى مؤسسات وكيانات اقتصادية، يديرها عُمانيون، ويكون أعلى هرم في هذه المؤسسة هو المضمر الذي يعمل تحت إدارته عشرات من الشباب المؤهلين والمدربين وذوي الخبرة في التعامل مع الهجن واحتياجاتها، في الجوانب التدريبية والتغذية والعلاج وغيرها من جوانب تضمير وتدريب الهجن.
لقد تطورت عزب سباقات الهجن، مع مرور السنوات، وأصبحت تشكل دائرة اقتصادية تسهم في توفير فرص عمل للشباب وتعزيز المشاريع التجارية على مستوى سلطنة عُمان، وتنعش المؤسسات المتوسطة والصغيرة، عبر التعامل في البيع والشراء، وأيضًا الحراك الاقتصادي الذي يسهم به ملاك الهجن من خلال دخولهم في استثمارات عقارية وتجارية في العديد من القطاعات، حيث أتت رؤوس الأموال من صفقات بيع الهجن.
وبوجود عزب هجن السباقات، تنتعش المنظومة الاقتصادية المحيطة بها، حيث يتعامل ملاك العزب مع أصحاب المزارع في شراء تغذية الهجن، من البرسيم والبان ومنتجات التمور، والعسل، التي تعد من الأساسيات في تغذية الهجن اليومية، كما يعقد أصحاب العزب، عقودًا لتمويل العزب بما تحتاجه من أعلاف مصنعة، من محلات بيع الأعلاف، إضافة إلى التعامل الدائم مع العيادات البيطرية، التي تستفيد من ملاك الهجن في بيع الأدوية، وإجراء الفحوصات البيطرية المستمرة، وغيرها من العلاجات التي تحتاجها لها الهجن، لذلك فإن منظومة عزب سباقات الهجن تمثل دائرة اقتصادية كبيرة تستفيد منها الدائرة الاقتصادية والمؤسسات المتوسطة والصغيرة.
ويتطلع الشباب في سلطنة عمان، إلى مزيد من الاهتمام برياضة سباقات الهجن، وتعزيز مستوى الجوائز المقدمة في سلطنة عُمان، زاد دعم القطاع الخاص لرياضة الهجن، لتعزيز الشراكة مع الحكومة في تقديم الدعم لرياضة سباقات الهجن التي تُشكل واحدة من أهم الرياضات ذات المردود الاقتصادي الذي يُسهم في توفير فرص عمل للشباب، وتعزيز دخل الأسر من ذوي العاملين في مجال الهجن، إضافة لما تُسهم به منظومة الهجن من عوائد للمؤسسات المتوسطة والصغيرة، وتدعيم الاقتصاد في البلاد.