العرب والعالم

طواقم الإنقاذ.. أعمال بطولية في ظروف قاهرة وصمود على خط النار

19 أغسطس 2024
الاحتلال لا يعرف خطوطا حمراء في عدوانه على قطاع غزة
19 أغسطس 2024

جثامين الشهداء ما زلت تحت أنقاض المنازل المهدمة في حين تتحرك طواقم الدفاع المدني مشيا على الأقدام وبمعدات يدوية بسيطة وعلى عربات تجرها الحيوانات لأداء واجبها منذ عشرة أشهر أمام صمت عربي ودولي.

في إحدى باحات مستشفى ناصر بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، يستلقي مجدي يونس أحد طواقم الدفاع المدني على سريره محاولا التقاط قليل من الهواء النقي في ظل ارتفاع درجة الحرارة ، لقد تعرض يونس لإصابة شديدة في رأسه وقدميه قبل أكثر من شهر جراء قصف إسرائيلي استهدف فريقا للدفاع المدني خلال محاولتهم انتشال الشهداء والجرحى من منطقة مواصي خانيونس المكتظة بالنازحين بعد أن نفذ الجيش الإسرائيلي غارات عنيفة بـ5 صواريخ على مخيمات النزوح غربي خان يونس، استشهد عشرات الفلسطينيين إثر استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين بمنطقة المواصي التي صنفها الاحتلال في وقت سابق بأنها "آمنة"، وكان من بين الضحايا أفراد من قوات الدفاع المدني.

قال يونس:" كان ذاك اليوم مهولا حيث تنتشر الجثث بين الشوارع وتحت الركام وبين الخيام، وصلنا إلى المكان في ظل ظروف غاية في الصعوبة حاولنا نقل المصابين ولكننا فوجئنا باستهدافنا بشكل متعمد من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، استشهد زميلي خالد وآخرون، كنت أشاهد الجثث المتفحمة بينما كنت غارقا بدمائي حينها، بقينا على الأرض لمدة لا تقل عن ساعتين بسبب منع طائرة درون "الكوادكابتر" السماح لطواقم الدفاع المدني والإسعاف بنقل المصابين والشهداء، حتى استطاع زملائي نقلي للمستشفى".

وبينما كان يحاول الجلوس بمساعدة ابنه الذي يرافقه داخل المستشفي، قال: " منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر الماضي والاحتلال الإسرائيلي لم يميز بين رجل وامرأة أو طفل أو رجل إسعاف أو دفاع مدني أو طبيب أو موظف يعمل في مؤسسة صحيه أو حقوقية أو إنسانية محلية أو دولية أو إغاثية، فكل شيء في مرمى النار، لقد تعمدت قوات الاحتلال استهداف فرق الدفاع المدني والإسعاف وبلا أي رادع حتى تمنعنا من تقديم الخدمات للمدنيين".

وعند سؤالي عن أقسى المشاهد التى رآها يونس أثناء تقديم المساعدة للمصابين، قال: " إن الاحتلال يريد إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا في صفوف المدنيين الآمنين في بيوتهم لبث الخوف والفقد والألم في قلوبهم، هناك منازل كثيرة تعرضت للقصف أكثر من مرة، عائلات فقدت مئات من أفرادها مثل عائلة أبوشريعة ودغمش في حي الزيتون بغزة، كان جل المفقودين من الأطفال والنساء والشيوخ الذين ما زالوا تحت أنقاض بيوتهم منذ بداية الحرب".

أما عن معيقات العمل، فقال: " إن أهم معيق يواجه عمل فرق الدفاع المدني هو شح معدات وأدوات الإنقاذ من سيارات وشاحنات وبلدوزرات ومعدات انتشال قطع الخرسانة الضخمة وأجهزة إلكترونية تحدد أماكن الضحايا وأجهزة كثيرة مفقودة يمنع الاحتلال دخولها منذ بداية الحرب، فرقنا تعمل بشكل فعلي بالطاقة البشرية فقط، فلا معدات لدينا، نضطر في الكثير من الأحيان للسير مسافات طويلة من أجل الوصول إلى أماكن القصف ومن أقسى اللحظات أن تغادر مكانا وأنت تعرف أن هناك مواطنين تحت الركام لكنك لا تستطيع أن تفعل لهم شيئا ومنهم أحياء سيموتون لاحقا غالبا".

وأضاف: " كنا نسمع صوت القصف ولم نكن نعلم أين نذهب بسبب قطع الاتصالات والإنترنت المتعمد من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، كنا نسير بسيارات الدفاع المدني من أجل البحث عن الأماكن المستهدفة فكثيرًا ما كنا نصل متأخرين، فنقوم بإجلاء الشهداء والجرحى تحت وطأة الليل الحالك نستخدم بعض الأجهزة للإضاءة بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتواصل، نستخدم أيدينا وبعض المعدات البدائية للحفر لكن دون جدوي ".

وفي سياق متصل، فقد أصدرت الهيئة المستقلة ورقة حقائق ضمن مواكبتها للوضع الحقوقي والإنساني حول قدرة الدفاع المدني على القيام بمسؤولياته في العدوان الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة

وقد بينت الورقة أن: " الدفاع المدني في قطاع غزة يقوم بدور هام في حماية وتقديم المساعدة للمدنيين خلال فترات الكوارث والحروب، وهو بطل حقيقي نتيجة دوره الهام في العدوان المتكرر، وخاصة في العدوان الحربي الأخير والمتواصل، فمنذ بدء العدوان يقوم بمهام الإسعاف والإطفاء والإنقاذ وانتشال المواطنين من تحت الأنقاض، ونقلهم للمشافي، وتفقد المنازل والمباني والمساجد ومراكز الخدمات التي تعرضت للقصف".

واستعرضت الورقة أيضًا، أن "الدفاع المدني ينفذ مهماته في ظروف غاية في الصعوبة والخطورة، ودون وجود جهات محلية أو دولية أوإقليمية مساندة، أو وحدات تساهم في تقديم الخدمات للمدنيين، يُناط العبء كاملا على كاهل الدفاع المدني، بالرغم من إمكاناته المحدودة ماليًا ولوجستيًا وعدد كوادره البشرية المحدودة، التي تفتقد أساسًا إلى التأهيل والتدريب، والمعدات. فالجهاز يعتمد بشكل أساسي على الهبات المالية الخارجية في استحداث المعدات، أو إعادة تأهيل مراكز للدفاع المدني".

كما أشارت أيضًا إلى "تعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف طواقم الدفاع المدني في محاولة لقتل ونسف أي جهود لحماية المدنيين وممتلكاتهم، والحيلولة دون تقديم أعمال الإغاثة لهم، وذلك في سعيه الحثيث لقتل كل ما هو فلسطيني في القطاع".

وخلصت الورقة الى مطالبة المجتمع الدولي بالوقوف أمام مسؤولياته واتخاذ الإجراءات اللازمة لتسهيل إدخال المستلزمات الضرورية والمعدات اللازمة لتمكين الدفاع المدني من القيام بالمهام المنوطة به وبشكل عاجل، ومحاسبة ومساءلة الاحتلال الإسرائيلي عن تنفيذه أعمال جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بموجب ولاية المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، ودعوة المؤسسات الدولية والدول العربية لإرسال طواقم دفاع مدني بما لديها من معدات وآليات ثقيلة؛ من أجل تقديم المساندة لطواقم الدفاع المدني في التعامل مع الوضع الكارثي الخطير، وإزالة أنقاض البيوت المدمرة".

أما المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل فقد أوضح أن هناك تعمدا من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لاستهداف الطواقم، رغم وضوح ترميز سيارات الدفاع المدني، مما يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي والإنساني، لافتًا إلى أن الطواقم تعمل في ظروف صعبة للغاية في جميع مناطق قطاع غزة، حيث تحاول البحث عن المفقودين وانتشال الجثث من الحفر والركام.

وأوضح أن "الاحتلال يرفض التنسيق مع الطواقم، مما يزيد من صعوبة العمل ويؤدي إلى ارتقاء المصابين الذين ينتظرون المساعدة، منتقدًا الصليب الأحمر الدولي لعدم قيامه بدوره في التنسيق مع الاحتلال، مما يفاقم معاناة المواطنين".

وطالب "بضرورة وعي المجتمع الدولي بحجم المأساة التي يعانيها قطاع غزة والعمل على توفير الدعم اللازم لإنقاذ الأرواح، مؤكدا أن طواقم الدفاع المدني تبذل جهودا جبارة في ظل ظروف مستحيلة للحفاظ على حياة المواطنين وتقليل عدد الشهداء".

وأشار بصل إلى "أن طواقم الدفاع المدني تعرضت لاستهدافات كثيرة، مما أدى إلى استشهاد أحد أفراد الدفاع المدني وإصابة 8 آخرين، ليصل عدد شهداء الدفاع المدني إلى 76 منذ بداية الحرب".

أما في السياق القانوني فقد أشار د.محمد مطر المتخصص في القانون الدولي أن أجهزة الدفاع المدني تتمتع بالحماية التي توفرها قواعد القانون الدولي الإنساني المطبقة على جميع الأشخاص المدنيين والأعيان المدنيين بشكل عام، وتحظر معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949 الاعتداء على أفراد الدفاع المدني أثناء القيام بواجباتهم خلال النزاعات المسلحة. وحدد البرتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف الذي اعتمد في العام 1977 هذه الحماية بشكل واضح، كما تفرض اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على الأطراف المتنازعة التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، ويشمل اصطلاح "السكان المدنيين" كافة الأشخاص المدنيين المقيمين على إقليم الدول المتحاربة والسكان المدنيين المقيمين في الأراضي المحتلة، ويعتبر شخصًا مدنيًا كل من لا يشترك "يقاتل" في الأعمال العدائية بشكل مباشر.

* د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة