صرخات ومعاناة لا تنتهي: العدوان الصهيوني يترك 58 ألف معوق في غزة بلا مأوى
يجلس على كرسيه المتحرك دون حراك يلتفت يمينًا ويسارًا إلى من حوله من أفراد أسرته الذين يعرفهم فردًا فردًا، لا يألف رؤية الغرباء من الناس، يصرخ بمجرد رؤيتهم.
أخبرتني والدته بأن «المعاناة في التعامل مع ابنها عبدالرحمن أصبحت مضاعفة جدًا بعد نزوحهم من غزة منذ أكثر من تسعة أشهر، وضعه بدأ بالتدهور نتيجة عدم تلقيه الرعاية المطلوبة أو مساعدة من قبل المؤسسات التي تُعنى بالأشخاص ذوي الإعاقة، معظم تلك المؤسسات تم قصفها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي أسفر ذلك عن زيادة الأعباء المالية لدى الأسرة، يحتاج عبدالرحمن يوميًا مبلغ لا يقل عن 20 دولارا لشراء البامبرز والأكل المخصص والدواء وبعض مستلزمات النظافة الشخصية».
وأضافت وهي تعد بعض الطعام الخاص لابنها «ما ذنب هذا الشاب المريض أن يعيش هذا الوضع القاسي، نزحنا أربع مرات متتالية وفي كل نزوح نعاني الأمرين من أجل نقله من مكان لآخر إضافة إلى احتياجنا لنقله بطريقة خاصة، يحتاج إلى عناية خاصة في ظل عدم توفر الماء الكافي في أماكن النزوح».
حياتنا أصبحت مأساوية للغاية كانت تتحدث وهي تحاول إطعام عبدالرحمن بعضًا من الأكل الذي قامت بإعداده في ظل عدم توافر الطعام المناسب الذي يحتوي على العناصر الغذائية المتكاملة.
الطفل معتز إحدى الحالات التي تعاني بشدة في هذه الظروف، إذ اضطر إلى النزوح مع عائلته هربًا من الموت مع بداية الاجتياح البري لمدينة رفح.
تقول والدته: «رأينا الموت بأم أعيننا، وسمعنا صوت الأحزمة النارية المخيفة، المكان يحد من حركة معتز بشكل كبير، هذا يجعلنا نتناوب على حمله من مكان إلى آخر طوال الوقت، لقد أصبحت حياتنا صعبة جدًّا».
فيما تمنت والدته أن يتم الضغط على جيش الاحتلال الإسرائيلي من قبل المجتمع الدولي من أجل فتح معبر رفح البري لكي يستطيع ابنها استكمال علاجه بالخارج لأنه يحتاج إلى عملية صعبة لا يمكن إجراؤها داخل مستشفيات قطاع غزة بعد الدمار الذي أصاب المنظومة الصحية من جراء استهدافها المتكرر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
يذكر أن معبر رفح البري الذي يربط بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية قد أغلق من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في السابع من مايو الماضي ما تسبب في منع أكثر من 22 ألف مريض وجريح من السفر لتلقي العلاج خارج قطاع غزة.
أما «حنين» الطفلة ذات العشرة أعوام، فتسير على كرسيها المتحرك أمام أحد صفوف مدرسة إيواء للنازحين تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» تحاول أن تبحث عن مكان لشحن بطارية الكرسي المتحرك الخاص بها لكن دون جدوى.
تقول والدتها: «جئنا في بداية الحرب نازحين من بلدة خزاعة شرق خان يونس، وأقلق دائمًا على حنين عندما يحدث قصف خوفًا من أن نضطر إلى الخروج بسرعة ويصيبها أي مكروه، لقد بترت قدمها نتيجة القصف الإسرائيلي الذي استهدفت البيت المجاور لنا».
كانت تبكي وهي تقول كيف ستكون حياة هذه الطفلة التي فقدت قدمها بالكامل؟ أي مستقبل ينتظرها؟
لا يوجد أصعب من حال سعيد الذي ليس له من اسمه نصيب فهو مُلقى على الأرض بدون حراك، يعاني من شلل رباعي منذ ولادته، يطلق صراخات مدوية بين الفينة والأخرى تلفت انتباه ساكني الخيام.
تساءل والده «لا أعلم أين أذهب به فلا مأوى، ولا مأمن لنا من هذه الحرب الشرسة التي لا تفرق بين مدني، ولا عسكري، لقد خرجنا مع أصوات الصواريخ والمدافع، وبصعوبة بالغة استطاعنا حمل ابني طوال الطريق والتنقل به على كرسيه المتحرك إلى أن وصلنا للمستشفى للنزوح فيها».
من جانبه، قال الدكتور محمد رضوان: إن «هناك عددًا كبيرًا من النازحين والمصابين من الأشخاص ذوي الإعاقة لم يتلقوا الرعاية الطبية الكافية خلال الحرب؛ بسبب كثرة الإصابات ومحاصرة وقصف بعض مستشفيات قطاع غزة والتي أصبحت لا تعمل بشكلها الطبيعي».
فيما أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» في قطاع غزة، أن ما يقرب من 1.7 مليون شخص نزحوا منذ بدء الحرب من الشمال إلى جنوب قطاع غزة. منهم أكثر من 930 ألف نازح داخلي كانوا يحتمون في مباني الوكالة في أنحاء غزة حتى 19 نوفمبر الجاري (الماضي)»، مشيرًا إلى أن الملاجئ مكتظة بالفعل، ولم يعد بها مكان للوافدين الجدد.
فيما صدر بيان عن الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين، يفيد بأن عدد الأفراد من ذوي الإعاقة من سكان قطاع غزة بلغ 58 ألف فرد، أي 2.6% من إجمالي سكان قطاع غزة.
وأشار البيان إلى أن نسبة الإعاقة بين البالغين 18 سنة فأكثر تشكل 3.9% في القطاع. وسجل انتشار الإعاقة أكبر نسبة له في محافظة شمال غزة بحوالي 5%، تليها محافظة دير البلح 4.1%.
ووفقًا لتقديرات الجهاز فقد بلغ عدد الأطفال ذوي الإعاقة في قطاع غزة في عام 2023 نحو 98 ألف طفل في الفئة العمرية ما بين 2 و17 سنة، منهم حوالي 6 آلاف طفل في الفئة العمرية ما بين 2 و4 سنوات، وما يقارب 92 ألف طفل في الفئة العمرية 5 و17 سنة. وشكلت صعوبات التعلم الإعاقة الأكثر انتشارًا بين الأطفال في العمر 2 و17 سنة في قطاع غزة ويقدر عددهم بنحو 21.200 في عام 2023. وعزا البيان هذا الارتفاع في ذوي الإعاقة للإجراءات العسكرية الإسرائيلية والحروب المتتالية. وطبقًا للتقارير الصادرة عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين -أونروا- فإن العمليات الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014 خلفت إعاقات دائمة لحوالي ثلث المصابين.
ورجحت الوكالة أن يرتفع عدد الأشخاص ذوي الإعاقة نتيجة القصف الإسرائيلي الحالي إلى ما يقارب من 12.000 فرد بسبب انخفاض قدرات الرعاية الصحية، وفرض إغلاق المعابر ومنع المواد الطبية الأساسية من الوصول للقطاع والاستهداف المباشر للمستشفيات ومراكز الرعاية والطواقم الطبية.
أما مقررة الأمم المتحدة لذوي الإعاقة هبة هرجس فقالت: إن «إسرائيل لم تكفل لفئة ذوي الإعاقة توفير أماكن إقامة مناسبة وظروفًا مرضية لهم»، وأن مراكز الإيواء والمناطق الإنسانية غير ملائمة لاستخدامها من قبل هذه الفئة. وتضيف هرجس: «على عكس منازلهم، فإن الملاجئ ليست مناسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، إذ إن المدنيين يعيشون في غرف وأماكن ضيقة من دون خصوصية، ولا تتوفر لهم سوى إمكانية محدودة للحصول على منتجات النظافة، إضافة إلى عدم توفر المراحيض في كل طابق، مما يشكل عائقًا أمام وصول الأشخاص الذين لا يستطيعون صعود السلالم».
وتشير هجرس إلى أن «مهندسي مراكز الإيواء والمدارس لم يحسبوا حساب يوم النزوح لفئة ذوي الإعاقة مما دفع بعضهم إلى اللجوء إلى مراكز صحية مكتظة تفتقر للماء والغذاء والأدوية، وبتعبير آخر أصبحوا بلا مأوى؛ لأن هذه المراكز غير مهيئة لاستقبالهم».
وتقول الباحثة في حقوق ذوي الإعاقة في منظمة «هيومن رايتس ووتش» أمينة تشيريموفيتش: «يتحمل الأشخاص ذوو الإعاقة الجزء الأكبر من آثار الحرب على غزة، ويشكلون النسبة الأكبر من الضحايا، ولا يتلقون خدمات الرعاية الصحية الضرورية من أجل بقائهم على قيد الحياة، ومن المرجح أن تبقى آثار الحرب على حياتهم لسنوات مقبلة، ومن الضروري توفير مساعدات غير مشروطة وغير مقيدة لهذه الفئة».
إنَّ ما يحدث في قطاع غزة المنكوب منذ أكثر من تسعة أشهر يتطلب من الوكالات المتخصصة بالأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية الدولية، وخاصة الصليب الأحمر الدولي العمل بالشراكة مع الجهات الحكومية والهلال الأحمر والمجتمع المدني على ضمان حماية المدنيين المتضررين من العدوان وتطوير أشكال الاستجابة الإنسانية لذوي الإعاقة وفقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني وتقديم كل الدعم المادي والنفسي لضمان تعزيز وصولهم للخدمات الطبية والإنسانية .