No Image
العرب والعالم

سكان غزة يواجهون "مستويات كارثية" من انعدام الأمن "الغذائي والصحي والنفسي"

10 نوفمبر 2024
10 نوفمبر 2024

تعاني سميحه "28" عامًا من اضطراب مستمر بالنوم، يسمع ذويها صراخها المتكرر ليلًا وهي تنادي على أولادها الذين استشهدوا واحدًا تلو الاخر، تقول والدتها التي تلازمها طوال الوقت " لقد فقدت سميحه جميع ابنائها في قصف صهيوني استهدف مدرسة تل الزعتر في بيت لاهيا في الشهر الثاني للحرب على غزة، اصيبت اصابة خطيرة، مكتت في مستشفي الاندونيسي لأكثر من شهرين متتاليين تكابد مرارة الفقد وتردي وضعها الصحي وبعد اجراء العديد من العمليات لها من قبل الأطباء خرجت من المستشفى لتسكن في بيت اهلها، لم تستوعب سميحه أنها فقدت بيتها و ابنائها جميعهم ".

اما سميحه فقالت وهي تبكى على اطفالها بينما الشحوب والانهاك كان واضحًا على وجهها " انا مش خايفه على حالى، انا خايفه انه اولادي يفقدوني لهيك كنت اجلس وانام جنبهم طول الوقت، ولما كان القصف يبدأ كنت احتضنهم، اجا الصاروخ اخدهم كلهم وتركوني لحالى، والله نفسي اشوفهم واحضنهم، في اول أيام الحرب كنت لما اشوف صور الأطفال المقطعه على التلفزيون وكيف يتم انتشال أشلاء الشهداء كنت اتخيل انهم ابنائي فيزداد خوفى عليهم فادخل في نوبات بكاء وصراخ، الان تحقق خوفي وذهبوا وتركوني اصارع الوحدة لوحدي، ليش اجت الحرب؟ وقفوها يا مسلمين، وقفوها يا عالم حرام عليكوا بدى اولادي " صراخها جعلنا جميعًا ندخل في نوبة بكاء.

منذ بداية الحرب تتعرض النساء لضغوط نفسية كبيرة نتيجة فقدان الأمان وتدمير الممتلكات وفقدان الأسرة والنزوح المتكرر من مكان لآخر بحثًا عن أمان مزيف في ظل الاستهداف الذي يتعرض له المدنيين في كل مكان. حتي بعد مرور عام من الحرب لم يحظ الجانب النفسي بالاهتمام المناسب وظل امر الاهتمامات الصحية بالرغم ان الصحه النفسية المتردية خلال العدوان يعاني منها كل سكان قطاع غزة دون استثناء وان كانت بدرجات متفاوته.

وحسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية فإن هناك اكثر من 10 الاف شهيدة من النساء أي بمعدل ثلاث شهيدات كل ساعه إضافة الي 83.5 % من النساء اللواتي يتلقين مساعدات لا تلبي الاحتياجات الاسرية كما ان 75 % من اجمالي الجرحي من النساء.

بالتأكيد ان أهم الصعوبات التي واجهت النساء ولا زالت خلال الحرب هي النزوحات المتواصلة وخاصة على الصعيد النفسي والاجتماعي وفقًا للكثير من التقارير المحلية والدولية.

من جهة ثانية، هناك انتشار غير مسبوق للأمراض الوبائية في غزة عما كانت عليه قبل الحرب، بأكثر من أربع الى خمس مرات، الأمر الذي يعود إلى عدم توفر المياه الصالحة، وشح الغذاء، وضعف المناعة الجماعية، وتدمير البنية التحتية ومحطات الصرف الصحي، وتلوث المياه التي هي أصلاً ذات جودة متدنية، وعدم توفر الدواء ومواد التنظيف، والاكتظاظ السكاني في الخيم ومراكز الإيواء في مناطق اللجوء، والتي يعيش داخلها نحو مليوني نازح في ظروف معيشية قاسية، وتقدر وتيرة هذه الأمراض بنحو 1,737,524 حالة منذ بدء الحرب، تشمل أمراض جلدية والتهاب الجهاز التنفسي العلوي، والتهاب الكبد الوبائي، ومرض السحايا، والإسهال المائي و “الجرب”، والذي ازداد مع ارتفاع درجات حرارة الصيف ونقص مستحضرات النظافة الشخصية والأدوية، وتراكم مياه الصرف الصحي، الذي يتجمع حولها الحشرات والصراصير وتتحرك على وجوه الأطفال أثناء النوم، مما يؤدي إلى ارتفاع الوفيات بين الأطفال والمرضى وكبار السن كل هذه الظروف تزيد من تردي الوضع النفسي للنساء وشعورهن الدائم بالخوف والفزع والقلق والاضطرابات النفسية.

و اشارت التقارير الدولية الى تدهور الوضع الانساني في القطاع والذي سوف يزداد سوءا بسبب سوء التغذية وانعدام المأوى والسلامة والمياه النظيفة والصرف الصحي وصعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية. فقد أكدت اللجنة الدولية لمراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي العالمي في 18 مارس 2024، أن المجاعة قد وقعت بالفعل شمال وادي غزة، ومن المتوقع أن يعاني إجمالي سكان قطاع غزة (2.23 مليون شخص) من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وقد عبر التقرير عن القلق الكبير حول تضاعف عدد الأفراد الذين سيواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي (المرحلة الخامسة - مخاطر الموت الوشيك)، بالإضافة الى تضاعف معدل انتشار سوء التغذية بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهرًا. كما ان النزوح الجماعي والاكتظاظ الشديد وقلة الوصول إلى المياه والصرف الصحي والرعاية الصحية للنازحين زاد بشكل كبير من خطر تفشي الأمراض المعدية.

كل هذه الظروف الصعبة والانتهاكات غير المسبوقة ألقت بظلالها على واقع الصحة النفسية لسكان قطاع غزة. وقد اشارت التقارير الصادرة عن الجهات الحكومية الفلسطينية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والوطنية المحلية العاملة في مجال الصحة النفسية، إلى مستويات مرتفعة وغير مسبوقة من الصدمات النفسية والضغوط النفسية لدى الرجال والنساء والأطفال وكبار السن، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة.

وبناءً على تقديرات انتشار الاضطرابات النفسية في بيئات النزاع والصراعات الذي اشارت له منظمة الصحة العالمية، يُقدَّر أن 22% في قطاع غزة سوف يعانون من اضطرابات نفسية، بما في ذلك 5% من السكان سيعانون من اعراض نفسية شديدة. وسوف يؤدي النزوح والعنف والحرمان وفقدان الأحباء والمنازل وسبل العيش إلى زيادة المخاطر على الصحة النفسية.

وبحسب تقرير وكالة الامم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فإن التعرض للتجارب المؤلمة في هذه الحرب هو أمر تجاوز التعريفات الطبية التقليدية لاضطراب ما بعد الصدمة، نظرا لعدم وجود "ما بعد" في سياق غزة. كما اشارت الى زيادة في أعراض الاكتئاب والتوتر والقلق والصدمات بين الأشخاص الذين يتلقون خدماتهم وخاصة بين الأطفال، كما إن اضطرابات النوم، والكوابيس، والخدر العاطفي، والعنف بكل اشكاله ليست سوى بعض من مظاهر الصدمة التي تعرضوا لها.

الواقع في قطاع غزة يشير الي ارتفاع نسبة المصابين بالضغوط والصدمات النفسية، فقد قدرت منظمة الصحة العالمية، بان 22% في قطاع غزة سوف يعانون من اضطرابات نفسية، بما في ذلك 5% من السكان سيعانون من اعراض نفسية شديدة. وسوف يؤدي النزوح والعنف والحرمان وفقدان الأحباء والمنازل وسبل العيش إلى زيادة المخاطر على الصحة النفسية.

كل هذه الظروف تستدعى دول واحرار العالم والمنظمات الدولية بضروة التدخل الفاعل والقيام بواجباتها الأخلاقية والقانونية لانهاء العدوان وحرب الإبادة الجماعية المأساوية ووقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي الاراضي الفلسطينية، ورفع العقوبات الجماعية والحصار، وضمان تدفق المستلزمات الطبية والمساعدات الإنسانية وضمان حرية عمل المنظمات الدولية لمنع تدهور الأوضاع الصحية والنفسية والاجتماعية والإنسانية في قطاع غزة، انفاذا لتدابير محكمة العدل الدولية وقرارات مجلس الأمن وتكريسا لحماية القانون الدولي ومنعا لمواصلة شريعة الغاب.