No Image
العرب والعالم

العدو الإسرائيلي مستمر في خطة تفريغ شمال غزة.. والفلسطينيون متمسكون بالبقاء

20 أكتوبر 2024
20 أكتوبر 2024

تنام ذات (27) برفقة طفلتيها، حياة ذات الـ6 سنوات وإبتسام ذات الـ4 سنوات تحت درج المنزل منذ بداية العملية العسكرية على شمال قطاع غزة تقول: «منذ غروب الشمس أنزل برفقة طفلتيّ إلى أسفل المنزل المكون من طابقين بالتحديد تحت سلم المنزل، أحاول توفير بعض الماء والغذاء بجواري، أمكث طوال الليل بجوار بناتي، أشعر بالذعر والخوف الشديدين مع صوت كل قصف مجاور، اقرأ ما تيسر من آيات القرآن الكريم وأذكار المساء، ولا أجرؤ على مغادرة المكان قبل شروق الشمس، يحاول والدي الموجود جنوب قطاع غزة الاتصال بي طوال الوقت لكنني لا أستطيع الإجابة على الهاتف خوفًا من القصف، ليس لدي أمنية سوى أن تنتهي هذه الحرب ويعود لم الشمل للعائلة، اشتاق كثيرا لرؤية أمي وأبي وأهلي الموجودين منذ أكثر من عام جنوب قطاع غزة».

كانت تبكي بينما تتحدث، تنظر حولها والخوف يملأ صوتها الذي بدأ يرتجف «أمي اسمها كريمة أبو ركبة وأخواتي إسراء بسام أبو ركبة، مرح بسام أبو ركبة، وفاء بسام أبو ركبة مفقودات منذ عشرة أيام في سوق جباليا الرئيسي وتحديدا مقابل محلات الشريف، الناس حكوا لي أن جثتهم مرمية في الشارع لم يتوجه أي إسعاف أو دفاع مدني لانتشال الجثث، دخيلكم احكوا لطواقم الإسعاف والدفاع المدني والصليب الأحمر يروحوا بسرعة لهم»، هذا حال صباح ذات الثلاثين ربيعًا تناشد العالم أجمع سرعة التحرك من أجل إنقاذ عائلتها المحاصرة داخل معسكر جباليا الذي يتعرض لهجوم بري للمرة الخامسة من قبل دبابات وطائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب على غزة.

لم يكن حال الشاب عبدالرحمن وهو نازح من شمال قطاع غزة إلى منطقة دير البلح أفضل وهو يناشد الأهل والأصدقاء الموجودين بالشمال من أجل طمأنته على أهله وإخوانه بعد قطع الاتصال والقصف الشديد الذي تتعرض له منطقة الفالوجا شمال قطاع غزة، «كلمت أخي وأخبرني أنه كان نازحا إلى (بيت عمتي) ومعه والدي فحُوصرا من الآليات والجرافات التي تستخدم روبوتات متفجرة بالمنطقة وخصوصا على زاوية الشارع، وبعدها انسحبت الآليات والجرافات وقام أخي ووالدي بالهروب فورا من المكان باتجاه المدارس القريبة من بركة أبو راشد التي تبعد عن المكان ٢٠٠ متر وقبل وصولهما تم تفجير المربع بأكمله، «دخيلكم طمنوني إذا أهلي بخير وإلا لا، اسألوا عنهم بالمستشفى، يا رب يكونوا بخير».

استطرد عبدالرحمن قائلًا: «أنا قلق كثيرا على أهلي، من أول يوم لبدء العملية العسكرية في شمال غزة، قُطعت الاتصالات والإنترنت، بصعوبة أستطيع الحصول على معلومات عن أهلي لكن كل ما أعلمه أنهم بدون طعام ولا ماء منذ اليوم الأول للدخول البري، جيش الاحتلال يقوم كل يوم بوضع براميل متفجرة أو روبوتات بين المنازل والعمارات السكنية في المخيم ثم يتراجع وبعد ذلك يقوم بتفجيرها، حدث دمار أشبه بالزلازل في داخل المخيم حتى أصبحت المناطق الغربية لمخيم جباليا كالرماد لم تعد هناك حياة».

بالتأكيد أن ما يحدث في محافظة شمال غزة «جباليا، بيت لاهيا، بيت حانون» ليس اجتياحًا أو عملية عسكرية، بل أكبر عملية تطهير عرقي في العصر الحديث، حيث إن الجيش الإسرائيلي يقوم بنسف المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد بشكل متدرج وممنهج من أجل إجبار السكان المدنيين على الخروج، وما إن تخرج الآليات ليلا تقوم بزراعة البراميل المتفجرة وسط المنازل ثم تعاود الاختباء، لا قتال حقيقي ولا مواجهات، وفي غضون ذلك تمارس الولايات المتحدة الأمريكية أكبر عملية خداع لتمرير مخطط تدمير الشمال، حين تلفت الأنظار إلى أولوية الغذاء والتجويع، بينما أولى الأولويات وقف التطهير والإبادة، هذه أخبث عملية منذ بداية الحرب، قوة التدمير التي استقدمت إلى الشمال أبادت 400 إنسان ودمرت مئات المنازل وإن استمرت العملية على هذا النحو سيهدم ما تبقى من الشمال على رؤوس سكانه.

وفي هذا السياق ناشد الدكتور حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان المنظمات الدولية بضرورة درء الكارثة الإنسانية المحدقة بالمرضى؛ وناشد الجهات المعنية إجبار الاحتلال على إقامة ممر إنساني وإدخال الأدوية والوقود».

كما أكد أبو صفية أن هناك كارثة إنسانية حقيقية تواجه الأطفال حديثي الولادة في حضانة مستشفى كمال عدوان شمال القطاع التي تعاني من أزمة وقود ونقص أدوية نتيجة الحصار منذ 15 يومًا.

كما ناشد المجتمع الدولي والصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية فتح ممر إنساني باتجاه المنظومة الصحية في كمال عدوان والسماح بإدخال الوقود والمستلزمات والطعام.

وخلال حديثه عن الصعوبات التي تواجه الطواقم الطبية داخل المستشفى قال: «نحن نتحدث عن أكثر من 300 كادر طبي يعملون في مستشفى كمال عدوان، ونحن لا نستطيع توفير وجبة طعام واحدة لهم حتى يتمكنوا من تقديم الخدمات الطبية بشكل آمن، هناك أكثر من 450 شهيدًا في العملية العسكرية الإسرائيلية المستمرة على شمال القطاع منذ أسبوعين، بالإضافة إلى العديد من الإصابات التي تحتاج إلى عناية خاصة في ظل قطع الإمدادات الطبية والأدوية عن المستشفيات في شمال غزة».

في سياق متصل تحدث رئيس بلدية بيت لاهيا المهندس علاء العطار قائلًا: «الاحتلال يحاصر مناطق شمال غزة ويمنع دخول الغذاء والدواء بهدف دفع السكان للنزوح، شمال غزة أصبح غير لائق للحياة بسبب قصف الاحتلال للمستشفيات والمرافق الخدماتية، مناطق شمال غزة تتعرض لحصار مطبق ومنع لدخول الغذاء والدواء بهدف دفع السكان للنزوح، كما أن جيش الاحتلال يمنع دخول المياه الصالحة للشرب والسولار لشمال غزة، مما يزيد من معاناة السكان في ظل عدم توفر الوقود لتشغيل المستشفيات وسيارات الإسعاف ومحطات ضخ المياه شمال غزة، منذ أيام يعمد الاحتلال إلى استهداف مقاسم الاتصالات وآبار المياه في شمالي غزة».

إنَّ استمرار حصار الاحتلال الإسرائيلي لشمال قطاع غزة بشكل محكم لأكثر من أسبوعين على التوالي وسط عملية عسكرية واسعة تستهدف كلا من: مدينة جباليا، بيت لاهيا، بيت حانون بشكل عنيف ومكثف ومتواصل للقصف والقتل والتدمير والحصار والتجويع لأكثر من عشرة أيام على التوالي، يأتي هذا ضمن خطة الاحتلال الممنهجة لتهجير السكان المدنيين، والذي يبلغ عددهم في شمال قطاع غزة نحو 400 ألف مواطن، ودفعهم للنزوح القسري نحو جنوب القطاع، وهذا من خلال تصعيد وتيرة الحرب وفرض الحصار والتجويع بشكل كامل ومحكم.

إنَّ واقع حياة المدنيين المحاصرين في شمال قطاع غزة مأساوي بسبب استمرار الحرب وقد أدى ذلك إلى نقص حاد في الغذاء والمياه والدواء والوقود وجميع مستلزمات الحياة اليومية الأساسية، ولكن الفترة الحالية اشتدت الأزمة بشكل واضح وكبير نتيجة فرض الاحتلال الإسرائيلي الحصار الكامل على شمال القطاع ومنعه دخول أي مساعدات إغاثية وإنسانية وأي سلع غذائية، إضافة إلى الاجتياحات والاقتحامات لبعض المناطق في شمال قطاع غزة، وخصوصا مدينة جباليا ومخيمها والقيام باستهداف المواطنين العزل واعتقال العديد من المواطنين في ظروف غير إنسانية.

إنَّ عمليات القصف والقتل والاعتقالات والحصار والتجويع في شمال قطاع غزة كلها ممارسات لإجبار السكان للهروب والنزوح من جحيم الموت قصفًا أو جوعًا، وهذا هو الوجه الحقيقي للإبادة الجماعية، في ظل تطبيق الاحتلال الإسرائيلي لخطة «الجنرالات» وتفريغ شمال قطاع غزة وترحيل سكانه بشكل كامل.

من الضروري تحرك المجتمع الدولي من أجل الضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء حصار شمال قطاع غزة من جهة، والعمل بشكل فوري وسريع على مضاعفة وتكثيف الجهود من أجل إنهاء الحرب المستمرة والعدوان المتواصل على قطاع غزة.

كاتبة فلسطينية من غزة