1536185
1536185
الاقتصادية

الثورة الصناعية الرابعة.. الطريق نحو التنويع الاقتصادي وتحسين دخل الفرد

09 نوفمبر 2020
09 نوفمبر 2020

تعتمد على الذكاء الاصطناعي والإنترنت المتحرك -

السلطنة تمتلك البنى الأساسية والمختبرات للاستفادة من تقنيات الثورة الجديدة -

كتبت: شمسة الريامية :-

تتميز الثورة الصناعية الرابعة التي نعيش تحولاتها اليوم باندماج مجموعة من التكنولوجيات الحديثة والمترابطة مثل إنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، وتحليل البيانات الكبيرة، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، التي ستعمل بدورها على إحداث تغيرات جذرية في أسواق العمل. إذ من المتوقع أن يشهد قطاع العمل تغيرات في المهن، كاختفاء بعضها، وظهور مهن جديدة تعتمد على تكنولوجيات هذه الثورة، إضافة إلى تزايد الطلب على القوى العاملة المعرفية القادرة على البحث والابتكار، وامتلاكها مهارات التجديد والإبداع والتعلم الفعال.

وتساهم تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في تطور الصناعات المصاحبة للقطاعات الاقتصادية الأساسية مثل قطاع الصحة، والنقل، والطاقة، والزراعة، والصناعة والتجارة من خلال تقليل التكاليف، وتوفير أدوات دقيقة. إضافة إلى قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على التعامل مع أسواق عالمية بدلا من الشركات المحلية.

وتمتلك السلطنة البنية الأساسية للاستفادة من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة من خلال وجود شبكة اتصال سريعة في جميع القرى والمحافظات، فضلا عن وجود مختبرات لإنترنت الأشياء وذلك لإكساب الشباب ورواد الأعمال مهارات التعامل مع التقنيات الرقمية الجديدة. ومن المتوقع أن تستفيد السلطنة من الذكاء الاصطناعي في إجراء العمليات الجراحية، واستخدام الطائرات بدون طيار إضافة إلى استخدام تقنية النانو في تصنيع مواد جيدة بأقل تكلفة.

 

وأوضحت د. زهرة بنت راشد الرواحية، مدير بناء القدرات الابتكارية بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أن الثورة الصناعية الرابعة ستؤدي إلى تغيير كبير في النظام الاقتصادي والاجتماعي ، حيث إنها أكثر شمولية من الثورات الصناعية السابقة، وتعتمد على الإنترنت المتحرك والذكاء الصناعي والتحول الآلي. كما تعمل على ظهور تقنيات عديدة مثل تقنية النانو، إذ إن اندماج هذه التقنيات سيجعل هذه الثورة مختلفة عن سابقاتها.

وأشارت الرواحية إلى أن تقنيات الثورة الصناعية الرابعة ستساهم في تطور الصناعات في مجالات الرعاية الصحية، والنقل، والطاقة، والزراعة، والتصنيع و التجارة. حيث يمكن لهذه التقنية توفير كفاءات متزايدة، وتقليص التكاليف، وتوفير أدوات ملائمة؛ مثل ظهور السيارات ذاتية القيادة التي تعمل على الحد من حوادث المرور؛ والمدن الذكية الموفرة للطاقة من خلال الاستفادة من إنترنت الأشياء.

وقالت الرواحية إن الثورة الصناعية الرابعة تساهم في تشكيل اقتصاد المشاركة، حيث أدى انتشار الاندماجات الاقتصادية، وصعود أهمية الابتكار والتطوير والمشروعات الناشئة Start Ups في الاقتصاد العالمي، إلى تغير ثوابت الاقتصاد العالمي؛ إذ لم تعد الملكية للأصول الثابتة المادية والبشرية مثل رأس المال، إذ بات بإمكان الأفراد تشغيل مشروعات كاملة دون امتلاك الأصول اعتمادًا على الأنماط غير التقليدية لاقتصاد المشاركة، بحيث يمكن للأفراد العاديين تنفيذ مشروعات ابتكارية دون امتلاك الأصول ذات التكلفة العالية، ومن الأمثلة النموذجية على هذا النوع من المشاركة؛ الخدمات عبر الإنترنت، مثل Uber وخدمة Didi الصينية ، التي تتيح للزبائن الحصول على خدمات سيارات الأجرة من القطاع الخاص.

وأكدت الرواحية أن هذه الثورة ستعمل على انخفاض حجم القوى العاملة المطلوبة للشركات الرقمية الناشئة، لأن لها تكاليف هامشية تميل أحيانا إلى الصفر بالإضافة إلى أن واقع العصر الرقمي هو أن العديد من الشركات الجديدة توفر «سلع المعلومات» مع انخفاض هائل في تكاليف التخزين والنقل والنسخ المتماثل، فعلى سبيل المثال، لم تتطلب الشركات مثل Instagram أو WhatsApp الكثير من التمويل للبدء.

الفرص والتحديات

ستحدث الثورة الصناعية الرابعة تغييرا كبيرا في الأنماط الاقتصادية في السنوات القادمة، أي ليس فقط في شكل الأنشطة الاقتصادية كالإنتاج و الاستهلاك، وإنما أيضًا تخفيض القوى العاملة بصورة شديدة، وإدخال الذكاء الصناعي في العملية الإنتاجية حيث سيحل الذكاء الصناعي محل الموظف العادي، ولكن في المقابل ستظهر مهن جديدة لم تكن موجودة من قبل.

وقالت الرواحية: على الرغم من أن للثورة الصناعية الرابعة آثارها الإيجابية في زيادة النمو الاقتصادي، وانخفاض تكاليف الإنتاج، وارتفاع جودة المنتجات، وزيادة الاستهلاك، فإن لها أيضًا آثارًا سلبية تتمثل في فقدان الإنسان لعدد كبير من الوظائف لصالح الذكاء الصناعي، وزيادة الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية، حيث تشير الأبحاث إلى أن معظم الزيادة في الناتج العالمي المتولدة عن هذه الثورة الصناعية سوف تستفيد منه الصين وأمريكا الشمالية وأوروبا وليس الدول النامية، كما أنها ستؤدى لتعميق عدم المساواة؛ حيث يستفيد منها أصحاب الأعمال، وليس الموظفين أصحاب الدخول المنخفضة المهددون أساسًا بفقد وظائفهم.

وأكدت الرواحية أن الثورة الصناعية الرابعة لديها القدرة على رفع مستويات الدخل العالمية، إذ تشير الإحصائيات أنه يمكن أن ينتج عن هذه الثورة تأثيرًا اقتصاديًا سنويًا يتراوح بين 220 إلى 625 مليار دولار في رابطة أمم جنوب شرق آسيا بحلول عام 2030. كما أنها توفر فرص كبيرة للأفراد الذين لديهم القدرة على الولوج للعالم الرقمي، فالتكنولوجيا الجديدة قد ساهمت بلا شك في خلق منتجات جديدة، وزيادة كفاءة الخدمات المقدمة من أجل رضا المستهلكين، و الذي انعكس على دخول مؤسسات الأعمال.

كما تساهم الثورة الصناعية الرابعة في تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة، إذ إن ظهور الأسواق الرقمية والخدمات عبر الإنترنت يُمكّن هذه الشركات من التداول بطرق مبتكرة، وربطها بالأسواق الإقليمية العملاقة بدلاً من الزبائن المحليين فقط. إضافة إلى أن تقنية blockchain ستحدث ثورة في المدفوعات والخدمات اللوجستية.

وتوقعت الرواحية أن تؤثر الثورة الصناعية الرابعة على الزراعة سيكون بشكل إيجابي، فعلى المدى القصير، أدى تأثير توصيل المزارعين بالإنترنت إلى تحسينات جيدة في إنتاجية المزارعين وربحيتهم واستدامتهم، كما تتيح الهواتف الذكية للمزارعين وصولاً أفضل إلى أسعار السوق ومعلومات الطقس ومعرفة التربة والبذور والأسمدة. كما يمكن للمزارعين الذين لا يستطيعون شراء المعدات الميكانيكية استئجارها بالساعة من مزارعين آخرين عن طريق الوصول إلى مواقع المشاركة عبر الإنترنت.

وفيما يتعلق بالرعاية الصحية، فإن الثورة الصناعية الرابعة ستجلب نماذج أعمال جديدة لتقديم الخدمات الصحية (مثل التطبيب عن بعد)، كما سيتمكن الأطباء من جمع وفهم البيانات الوراثية والبيئية والسلوكية الخاصة بمرضاهم، بما يساعد في تحديد الإجراءات الوقائية أو العلاج أو العلاجات المصممة بشكل متزايد لفرد أو مجتمع معين، بدلا من استخدام الأدوية التي تناسب الجميع؛ ولن يؤدي ذلك إلى تحسين العلاج الطبي فقط، بل سيؤدي أيضًا إلى خفض تكاليف توفير الخدمات الصحية عن طريق تقليل الأموال التي تنفق على الأدوية غير المناسبة.

السلطنة والثورة الصناعية الرابعة

إن السلطنة خطت خطوات جادة لتبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة من خلال توفير البنية التحتية الرقمية، التي تعد مُمكّناً أساسياً للدخول إلى الثورة الصناعية الرابعة، و ذلك لبناء أنشطة صناعية متطورة، ولجذب رواد الأعمال الرقميين، ولتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني. لذلك تعمل السلطنة على تطوير البنية التحتية الخاصة بـالاتصالات وتقنية المعلومات، وخاصة تقنيات النطاق العريض-من خلال الشركة العمانية للنطاق العريض- عالي السرعة لزيادة نسبة التغطية وتحسين جودة الاتصال. كما تقوم وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بجهود فعالة لتذليل الصعاب من خلال توفير بنية تحتية رقمية قوية ومسرعات للأعمال في مركز ساس التابع لهذه الوزارة. فضلا عن مشروع توفير الإنترنت السريع إلى المناطق النائية بالسلطنة التي لا تتوفر بها بنية تحتية قوية.

وبدأت العديد من القطاعات الاستفادة فعليا من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، كالقطاع النفطي وبالتحديد شركة تنمية نفط عمان التي تدار كافة عملياتها في الآبار النفطية عن بعد أي من مقر الشركة بمسقط.

وقد أثبتت حكومة السلطنة جاهزيتها للذكاء الاصطناعي للعام الحالي من خلال تقدمها 11 مركزا في المؤشر الذي أصدرته مؤسسة الاستشارات «أوكسفورد انسايتس»، حيث جاءت في المرتبة الـ48 عالميًا مقارنة بالمركز 59 في العام الماضي. ويقيس المؤشر مدى استعداد الحكومات لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات العامة لمواطنيها. ويستند المؤشر على 3 محاور رئيسية و33 مؤشرًا فرعيًّا أبرزها وجود استراتيجية قومية للذكاء الاصطناعي، والخدمات عبر الإنترنت، والقدرة على الابتكار، وقوانين حماية البيانات والخصوصية.

ومن المتوقع أن تستفيد السلطنة من تكنولوجيا هذه الثورة في استخدام طائرات بدون طيار نظرا لوجود الجو المشمس والمباني المسطحة، كما يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تنفيذ العمليات الجراحية بواسطة الروبوتات. إضافة إلى أن تقنية النانو ستمكن الشركات من تصنيع مواد وأجهزة متخصصة سهلة الاستخدام وبقيمة أقل من التصنيع التقليدي مثل صناعة زجاج غير قابل للخدش أو ذاتي التنظيف أو صناعة أجهزة خفيفة الوزن. أما في قطاع التعليم، فيمكن توظيف تقنية النانو في العملية التعليمية وخاصة في المناهج وطرق التدريس وبذلك ستتحول المدارس تدريجيا من البيئة المدرسية التقليدية إلى بيئة مختلفة لمواكبة متطلبات هذه الثورة.

وفيما يتعلق بتدريب الموظفين في كافة القطاعات على استخدام تقنيات الثروة الصناعية الرابعة، فإن وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات تعمل حاليا على تطوير برامج ومختبرات مركز ساس للثورة الصناعية الرابعة، لتلبية احتياجات القطاع اللوجستي في السلطنة، وتذليل الصعاب التي تواجه هذا القطاع، وتقديم الاستشارات التقنية التي تعتمد على تلك التقنيات. إضافة إلى إكساب الموظفين في مجموعة اسياد مهارات التعامل مع تقنيات الثورة في المركز المراد تأسيسه وتوفير بيئة تجريبية لخدمة القطاع اللوجستي.

وأوضحت الرواحية أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار تقوم في برامجها المختلفة على بناء القدرات الابتكارية للشباب، من خلال دعمهم للمشاركة في الفعاليات التقنية المختلفة على مستوى العالم، مثل فعالية الهاكاثون و هو حدث يجتمع فيه مبرمجو الكمبيوتر وغيرهم لتطوير البرمجيات، وذلك لتشجيع رواد الأعمال والخريجين على توليد الأفكار التقنية والابتكارية التي يمكنها التحول إلى شركات تقنية ناشئة. وتتبنى الوزارة أيضا برامج لتحويل مشاريع التخرج الطلابية في تقنيات الثورة الصناعية الرابعة إلى شركات رائدة في هذا المجال، والعمل على دعم حاضنات الأعمال لدعم نمو الشركات الناشئة في السلطنة.

وأشارت الرواحية إلى أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار تقوم بتوفير البنية التحتية الممكنة من مختبرات ذات تقنيات عالية كمختبر إنترنت الأشياء بجامعة السلطان قابوس، ومختبر إنترنت الجيل الخامس مع إنترنت الأشياء التابع لمجمع الابتكار مسقط، كبيئة تجريبية معتمدة لتجريب هذه التقنيات المتقدمة من قبل رواد الأعمال التقنيين قبل عرضها على الأسواق.