خبراء: ارتفاع الريال العماني يعكس الأوضاع الجيدة للاقتصاد الوطني
تتبع غالبية دول مجلس التعاون الخليجي، ومن ضمنها سلطنة عمان، سياسة ربط عملاتها الوطنية بالدولار الأمريكي، وقد بدأ نظام الربط منذ سبعينات القرن الماضي وانضمت له تدريجيا على مدار العقود الماضية هذه الدول، وكان له العديد من الانعكاسات الإيجابية على اقتصاداتها، فقد ساهم في حماية العملات الوطنية من تبعات الأزمات العالمية بما في ذلك تقلبات أسواق الطاقة، وسمح للبنوك المركزية بتجميع مستويات جيدة من الاحتياطات النقدية بالعملات الاجنبية والتي تُستخدم في الدفاع عن استقرار العملة الوطنية خصوصا في أوقات الأزمات.
ونظرا لارتباط سعر صرف الريال العماني بالدولار، يقوم البنك المركزي العماني باتباع الاحتياطي الأمريكي الفيدرالي في حالة رفعه لأسعار الفائدة وهو النهج الذي يتم تبنيه منذ بداية هذا العام بهدف احتواء التضخم، وتجنب الوقوع في ركود اقتصادي، وقد شهد مؤشر سعر الصرف الفعلي للريال العُماني ارتفاعا بنسبة9.1 % ليسجل 113.5 في نهاية يونيو مقارنة بـ 104 في الفترة نفسها من عام 2021.
كما وفرت العوائد النفطية المقومة بالدولار والناتجة عن ارتفاع أسعار النفط سيولة جيدة تستطيع سلطنة عمان استخدامها في زيادة الإنفاق على مختلف المشروعات التنموية ودعم معدلات النمو.
وأوضح خبراء اقتصاديون في استطلاع لـ «عمان» أن ارتفاع مؤشر صرف الريال العماني يسهم في احتواء التضخم المستورد، نظرا لانخفاض قيمة المنتجات المستوردة من الدول الآسيوية والولايات المتحدة الامريكية، مما ينعكس إيجابا على تكلفة المشاريع التنموية الكبيرة، وعلى المستهلك المحلي على حد سواء.
وأكدوا على ضرورة تنويع مصادر جلب العملات الأجنبية، وبينما يعد النفط المصدر الأساسي حاليا فإن برامج التنويع الاقتصادي يمكن أن تسهم بقوة في زيادة وتعدد مصادر العملات الاجنبية خاصة من قطاعات مثل التصدير والسياحة.
وقالوا إن هناك تأثيرا لقوة العملات على الصادرات إذ تصبح المنتجات أكثر كلفة وهو ما يتطلب ضرورة تشجيع ودعم المنتجات العمانية للحفاظ على تنافسيتها في الأسواق الخارجية ، كما أن الترويج لسلطنة عمان كوجهة سياحية عالمية يعد مهما فيما يتعلق بزيادة جلب العملات الأجنبية من مصادر غير نفطية.
تشجيع المنتجات العمانية
وأوضحت شمسة الشيبانية، خبيرة اقتصادية أن ارتفاع سعر صرف الريال الفعلي يعكس الارتفاع الحاصل في قيمة الدولار الأمريكي نتيجة ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة الامريكية والذي سجل مستويات تاريخية هي الأعلى منذ الثمانينات.
وأكدت أن ارتفاع سعر صرف الريال العماني يوضح الحالة الصحية الجيدة للاقتصاد الوطني من ناحية الإنتاجية والتوظيف وغيرها، الأمر الذي يسهم في زيادة العوائد للمستثمرين الأجانب، خاصة في هذه الفترة التي تنعم فيها سلطنة عمان والدول الخليجية بالانتعاش الاقتصادي والنمو في القطاعات غير النفطية. مشيرة الى أن ارتفاع سعر صرف الريال العماني يسهم في تقليل التضخم المستورد، إذ تصبح المنتجات المستوردة أرخص من الصادرات وترتفع كلفة المنتجات المحلية.
وقالت إن سلطنة عمان حتى الآن تعتمد على المنتجات المستوردة، وتصدر النفط والغاز ومنتجات الصناعات التحويلية المقومة بالدولار مما يؤدي إلى ارتفاع الإيرادات النفطية وجلب العملات الاجنبية، وبينما يتيح وجود المنتجات المستوردة خيارات متعددة للمستهلك، لكن استدامة النمو الاقتصادي تتطلب تشجيع المنتج العماني للمحافظة على تنافسيته في الأسواق المحلية والخارجية تجنبا لحدوث أي خلل في الميزان التجاري. إضافة إلى ضرورة الاهتمام بالسياحة والترويج لها، لأن ارتفاع قيمة الريال العماني قد يشجع العمانيين على السفر للخارج مما يضغط على توازن ميزان المدفوعات، وفي الوقت نفسه يقلل ارتفاع الريال من فرص اختيار السياح الأجانب السلطنة كوجهة سياحية مفضلة لأنه ستتوفر لهم خيارات أكثر جاذبية بالنسبة لهم من كافة النواحي، ويفرض ذلك ضرورة اتباع سياسات تسهم في الحفاظ على تنافسية قطاع السياحة في سلطنة عمان حيث يعد من أهم مصادر جلب العملات الاجنبية.
تعدد أنظمة سعر الصرف
وأشار علي بن حمدان الرئيسي، خبير اقتصادي إلى أن هناك ثلاثة أنظمة لسعر الصرف، وهي سعر الصرف الثابت، وسعر صرف شبه مرن، وسعر صرف مرن. موضحا أن سعر الصرف الثابت يعني الارتباط بعملة معينة من العملات المعروفة. وقال إن سعر صرف الريال العماني يرتبط بالدولار، مما يعني الالتزام بسعر صرف محدد، وبالتالي سعر صرف الريال رسميا يساوي 385.4 بيسة للدولار، وهذا هو السعر منذ عام 1986 عندما تم خفض الريال بنسبة 10 ٪. وهو سعر حافظت عليه سلطنة عمان خلال هذه الفترة الطويلة رغم التحديات الكبيرة التي واجهت الاقتصاد الوطني.
واضاف أن ارتفاع سعر مؤشر الريال العماني جاء نتيجة لرفع سعر الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي، الذي بدوره يسهم في الحفاظ على معدل تضخم منخفض، واستقرار نسبي للريال العماني. كما أنه يسهم في ارتفاع الإيرادات الحكومية الناتجة من النفط والغاز لأنها مقومة بالدولار.
وأوضح أن ارتباط سعر صرف الريال العماني بالدولار حقق الكثير من الفوائد لكن هذا الارتباط قد يعني أيضا التعرض لانكماش اقتصادي في حالة انخفاض الدولار، إضافة إلى أن الصادرات غير النفطية تصبح أسعارها مرتفعة بالنسبة للدول الأخرى غير المرتبطة بالدولار.
المحافظة على ميزان المدفوعات
وقال مرتضى بن محمد جواد الجمالاني، رئيس لجنة المال والتأمين في غرفة تجارة وصناعة عمان: تربط الدول الخليجية ماعدا الكويت عملاتها بالدولار الأمريكي منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي. بينما الدينار الكويتي يتبع سلة من العملات يُعتقد أن الدولار يهيمن عليها، فيما ترتبط عملات أخرى بالدولار وحده.
وأشار إلى أن المحافظة على سعر صرف الريال العماني يتطلب المحافظة على ميزان المدفوعات أيضا، لأنه يتعرض لضغوطات من حين إلى آخر بسبب تذبذب في سعر العملة. موضحا أن هناك علاقة عكسية بين التضخم وميزان المدفوعات، كما أن علاقة طردية بين سعر الصرف وميزان المدفوعات. داعيا البنوك العاملة في سلطنة عمان الى تقديم التسهيلات المصرفية لأصحاب المصانع والشركات المختلفة، إضافة إلى الترويج لسلطنة كوجهة سياحية الأمر الذي يسهم في جلب العملة الأجنبية واستقرار سعر الريال العماني على المدى الطويل. كما أن هناك صناعات ومصادر عديدة للعملات الاجنبية منها صناعة التأمين وإعادة التامين التي يجب تطويرها لتتحول الى رافد مهم للنمو الاقتصادي.
وأوضح الجمالاني أن ارتفاع سعر صرف الريال العماني يسهم في رفد الدولة بعوائد جيدة من قطاعي النفط والغاز التي هي أساسا مقومة بالدولار، لأن سلطنة عمان من الدول المصدرة للنفط والغاز ولمنتجات الصناعات التحويلية أيضا. كما يسهم في احتواء التضخم نظرا لانخفاض أغلب أسعار السلع المستوردة من أوروبا وآسيا والولايات المتحدة.
وأكد أن ارتفاع سعر صرف الريال يسهم في انخفاض تكاليف المشاريع الكبرى التي تعتمد في بنائها وتشغيلها على الواردات ، كما يؤدي إلى انتعاش أسهم بعض الشركات المرتبطة بهذه المشاريع، وارتفاع قيمة أصول وعوائد الشركات الأجنبية العاملة في سلطنة عمان التي قومت استثماراتها بالدولار، الأمر نفسه ينطبق على المستثمرين العمانيين الذين حولوا استثماراتهم إلى داخل السلطنة.
ومن جانب آخر، يؤدي ارتفاع سعر صرف الريال العماني إلى زيادة في أجور العمال الوافدين العاملين في سلطنة عمان تلقائيا، نظرا لارتفاع القيمة الشرائية لتحويلات هؤلاء العمال خاصة إذا كانت البلاد المحولة إليها تربط عملتها بالدولار، مما يقلل التكاليف على منشآت القطاع الخاص. كما سيستفيد منه العمانيون أثناء سفرهم خارج سلطنة عمان سواء للعمل أو بداعي الترفيه نظرا لانخفاض تكاليف السفر. وهذا ينطبق على الطلبة المبتعثين إلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى.
وأشار إلى أن زيادة حجم العائدات من صادرات النفط وارتفاع سعر صرف الريال العماني يسهمان في تقليل الضغط عن البنك المركزي العماني والمحافظة على سعر صرف الريال العماني. ورصد الجمالاني بعض السلبيات التي تنتج عن ارتفاع سعر الريال العماني وقد تؤثر في الاقتصاد الوطني، منها فقدان المنتجات الوطنية غير النفطية قدرتها التنافسية نظرا لارتفاع أسعارها، وارتفاع نسبة الاستهلاك في الناتج المحلي الإجمالي على حساب قطاع الصادرات. كما قد يؤدي إلى انخفاض نسبي في الاستثمارات الأجنبية الجديدة، إذ إن ارتفاع سعر صرف الريال العماني سيرفع مباشرة تكاليف الاستثمار في سلطنة عمان ويكون التأثير الأكبر على الشركات الأجنبية التي تدخل سوق السلطنة لأول مرة، مقارنة بالشركات الموجودة منذ زمن طويل لكن من ناحية أخرى تسهم قوة الريال في تشجيع المستثمرين العمانيين على تحويل استثماراتهم من الخارج وضخها في سلطنة عمان للاستفادة من قوة العملة الوطنية.