الاقتصادية

الشركات الخاصة تقود ثورة في الطاقة الشمسية بإفريقيا

26 يوليو 2024
26 يوليو 2024

فقر الطاقة أحد أسباب الفقر في إفريقيا؛ ففي كل قارة من القارات الأخرى تحصل الأغلبية الساحقة من السكان على الكهرباء، وفي إفريقيا لا يتمكن 600 مليون نسمة أو حوالي 43% من إجمالي عدد السكان من إضاءة مساكنهم أو شحن هواتفهم بسهولة، حتى أولئك الذين لديهم - اسميَّا - إمداد كهربائي من الشبكة العامة لا يضمنون الحصول عليه بانتظام؛ فأكثر من ثلاثة أرباع الشركات الإفريقية تتعرض لانقطاعات التيار الكهربائي، وتذكر 40% من هذه الشركات أن الكهرباء هي العائق الرئيسي لأعمالها.

ولو كانت البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى تحصل على إمداد كهربائي مضمون مثل جنوب إفريقيا في الفترة من 1995 إلى 2007 لكان معدل النمو الحقيقي لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أعلى بنقطتين مئويتين (2%) أو أكثر من ضعف المعدل الفعلي، وفقا لإحدى الأوراق الأكاديمية. ومنذ ذلك التاريخ عانت جنوب إفريقيا أيضا من عدم انتظام إمداد الكهرباء، ومن المحتمل أن ما يسمى «تخفيف الأحمال» كان السبب الرئيسي لانكماش اقتصادها في أربعة أرباع العام من جملة الأرباع الثمانية الماضية.

لقد تعزز الاعتقاد أن الطاقة الشمسية هي الحل؛ فوفقا للرابطة الإفريقية لصناعة الطاقة الشمسية أضافت إفريقيا في العام الماضي سعة كهرو- ضوئية قياسية لتوليد الكهرباء (على الرغم من أنها تشكّل1% فقط من إجمالي السعة المضافة على نطاق العالم).

وعالميا فإن معظم مشروعات الطاقة الكهرو- ضوئية تتولى تنفيذها المرافق العامة لخدمات الكهرباء، لكن في إفريقيا فإن حوالي 65% من السعة التوليدية الجديدة التي أضيفت في العامين الماضيين نفذتها شركات كبيرة تعاقدت مباشرة مع المطوَّرين، وهذه الصفقات جزء من ثورة كهرباء موزَّعة (لامركزية) من شأنها تحقيق منافع ضخمة للاقتصادات الإفريقية، وقاعدة هذه الثورة هي جنوب إفريقيا؛ فقد شهد العام الماضي في جنوب إفريقيا عدد قياسي من انقطاعات الإمداد الكهربائي فرضتها شركة إسكوم الحكومية، والتي تتعطل محطاتها الكهربائية بانتظام أو تعمل بأقل من طاقتها التوليدية. ولحسن الحظ ففيما كان تخفيف الأحمال يبلغ الذروة انخفضت بشدة تكاليف أنظمة الطاقة الشمسية.

ففي الفترة بين 2019 و2023 تراجعت تكلفة ألواح الطاقة الشمسية بنسبة 15% بعد هبوطها بما يقرب من 90% في العشرية الثانية، وأما الآن فتبلغ تكلفة أنظمة تخزين البطاريات حوالي نصف تكلفتها قبل خمس سنوات. وعندما يشتري المستخدمون الصناعيون الكهرباء من مطوِّري المشروعات الخاصة يدفعون مقابل كل وحدة مبلغا يقل بحوالي 20% إلى 40% عن أرخص تعرِفة تفرضها شركة إسكوم، ففي العامين الماضيين ارتفعت سعة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في جنوب إفريقيا من 2.8 جيجاواط إلى 7.8 جيجاواط، حسب الرابطة الإفريقية لصناعة الطاقة الشمسية، وذلك بخلاف سعة الألواح الكهروضوئية المركبة فوق أسقف المنازل في الضواحي، وإجمالا، فإن سعة الطاقة الشمسية في جنوب إفريقيا يمكن أن تصل الآن إلى ما يساوي حوالي 20% تقريبا من سعة محطات كهرباء إسكوم التي تدار بالفحم الحجري (على الرغم من أن محطات إسكوم لديها القدرة على إنتاج الكهرباء على مدار اليوم). إن التوسع في الطاقة الشمسية سبب رئيسي لانخفاض تخفيف الأحمال في العام الحالي، فكثيرا ما يشير الأفارقة الآخرون إلى أن تخفيف الأحمال يمتد لفترات أطول كثيرا في بلدانهم مقارنة بجنوب إفريقيا.

وتعتمد حوالي نصف الشركات الإفريقية على مولدات الديزل؛ ففي نيجيريا تساوي سعتها التوليدية أربعة أضعاف الإمداد المضمون من الشبكة العامة، لكن التغيير جارٍ على قدم وساق. فما يقرب من ثلثي المناجم في إفريقيا جنوب الصحراء تنتج الكهرباء من الموارد المتجددة أو تشرع في ذلك، وفي نيجيريا تم التخلص التدريجي من دعومات البنزين في العام الماضي الأمر الذي سرَّع من التحول إلى الطاقة النظيفة. وفي استحواذ رمزي في عام 2022 اشترت شركة شل، وهي موجودة هناك منذ عام 1937، شركة ناشئة اسمها «داي ستار باور» كانت قد زودت العديد من مؤسسات الأعمال المحلية الكبيرة بأنظمة طاقة شمسية.

وخلال العقد الماضي ارتفع بسرعة عدد الشركات الناشئة التي تقدم أجهزة طاقة موزَّعة (أجهزة لتوليد الكهرباء لا مركزيا أو خارج الشبكة العامة من موارد الطاقة المتجددة لمختلف الاستخدامات المنزلية والتجارية والصناعية - المترجم) وتقدر دوائر صناعة الكهرباء أن أكثر من 400 مليون نسمة في إفريقيا يحصلون على الكهرباء من أنظمة طاقة شمسية منزلية. وبحسب هذه الدوائر، وفي الفترة بين 2016-2020 فقد تم تركيب عدد من الشبكات الصغيرة يزيد عددها عن عشرة أضعاف تلك التي أنشئت في السنوات الخمس السابقة لهذه الفترة، ومعظمها يستخدم الطاقة الشمسية في كينيا وتوظف شركات الطاقة الموزَّعة (اللامركزية) أكثر من ستة أضعاف موظفي أكبر مرفق لخدمات الكهرباء، وفي نيجيريا أوجدت هذه الشركات وظائف تماثل في عددها وظائف صناعة النفط والغاز؛«فالمستقبل لأنظمة الكهرباء الموزَّعة وهذا ما لم يستوعبه الناس تماما

بعد»، هذا ما يقوله ماثيو تيليارد المؤسس المشارك والمدير الشريك بشركة «كروس باوندري جروب» التي يتراوح زبائنها بين شركات كبيرة ومستهلكين لم يتم ربطهم حتى الآن بشبكات الكهرباء المركزية، ويضيف ماثيو قائلا: «ذلك سيحدث هنا في إفريقيا أولا». إن شركة «اجنايت» التي تنشط في 9 بلدان إفريقية لديها منتجات من بينها لوح «كهرو- ضوئي» أساسي يغذي ثلاثة مصابيح كهربائية وشاحن هاتف، هذا إلى جانب مضخات ري ومواقد وأجهزة توجيه للإنترنت وأنظمة صناعية تدار كلها بالطاقة الشمسية، ويستخدم الزبائن خدمة السداد عبر الهاتف لفتح عداد الكهرباء عند الحاجة (في وقت استخدامها)، ويقدر ياريف كوهين الرئيس التنفيذي لشركة اجنايت أن مبلغ الثلاث دولارات الذي ينفق بواسطة الزبائن أقل مما كانوا يدفعونه في السابق لشراء الكيروسين وعند أكشاك شحن الهاتف.

يشرح كوهين الكيفية التي صار بها الفلاحون أكثر إنتاجا لأنهم لم تعد تلزمهم العودة إلى البيت قبل حلول الظلام، وأيضا لتحسُّن درجات التلاميذ لأنهم يراجعون دروسهم تحت ضوء المصابيح الكهربائية، وكانت إحدى العائلات في رواندا معتادة على المبيت مع بقرتين تملكهما داخل المنزل خوفا من لصوص الأبقار، لكنهما الآن تبيتان في العراء بعد تركيب مصباح كهربائي خارجي، وصارت العائلة تنعم بنوم أكثر هدوءا، وفي أبريل دشن البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي مشروعا رائدا يهدف إلى التوسع في توفير الكهرباء في إفريقيا جنوب الصحراء لحوالي 300 مليون شخص إضافي بحلول عام 2030.

ويتوقع البنك الدولي وفقا للسيناريو الأقل تكلفة أن يحصل حوالي نصف هؤلاء على الكهرباء من خارج الشبكة العامة وعبر أنظمة الكهرباء اللامركزية، لكن وبما أن معدات الطاقة الشمسية لا تزال باهظة التكلفة لبعض أفقر الناس في العالم، فإن البنك والمانحين يخططون إلى دعم التكاليف المبدئية لهذه المعدات عبر برامج تدفع أموالا لشركات أنظمة الطاقة المتجددة اللامركزية التي تتولى تركيبها في المناطق الريفية النائية. وهذا الرهان إلى جانب تأكيد الحكومات لسياساتها (بشأن تحويل أرباحها الشركات إلى الخارج وخططها المستقبلية حول الشبكات العامة) يمكن أن يجتذب المزيد من الاستثمارات الخاصة، لكن هنالك حدود لما يمكن عمله بتجنب مرافق الكهرباء العامة القديمة. ويقدر البنك الدولي أن الطريقة الأقل تكلفة لتوفير الكهرباء إلى النصف الآخر من الـ300 مليون الذين يستهدفهم في مشروعه الرائد هي التوسع في الشبكات الموجودة أصلا. فالعديد من مرافق الكهرباء لها هياكل أحادية جرى تفكيكها منذ فترة طويلة في أجزاء العالم الأخرى، ومصطلح «هياكل أحادية» يعني بلغة أهل الاختصاص أنها تسيطر على توليد ونقل وتوزيع الكهرباء. وفي الواقع تواجه هذه المرافق في معظمها الإفلاس؛ فأكثر من نصفها في إفريقيا جنوب الصحراء لا يمكنه تغطية النفقات التشغيلية؛ ويعود ذلك جزئيا إلى إصرار الحكومات على وضع تعرفة استهلاك تقل عن تكلفة الإمداد.

إن انتشار الطاقة الشمسية قد يجعل الأمور أسوأ على هذه المرافق؛ فبعض المحللين يشيرون إلى أن شركة اسكوم ربما تدخل في «دوامة احتضار» مع تخلي زبائنها عن شبكة الكهرباء العامة. وربما قد تكون هناك مرافق أخرى أكثر هشاشة؛ فهيئة كينيا للكهرباء تحصل على 54% من إيراداتها من حوالي 700 كيان تقريبا أو أقل من 0.01% من العدد الإجمالي لزبائنها.

توجد قلة من المرافق التي تواكب التحولات، فنامبيا وهي واحدة من أكثر البلدان المشمسة يسَّرت للشركات الخاصة في العام الماضي بيع الكهرباء لشبكات إقليمية، لأنها تتصور أن دورها المستقبلي كمنصة لشراء وبيع الكهرباء وليس توليدها وتوزيعها. لكن بلدانا أخرى تقاوم التغيير، فالسنغال وموزمبيق وتنزانيا على سبيل المثال - حتى الآن - تحاصر الشركات بالإجراءات البيروقراطية، وفي المقابل تأمل بلدان أخرى في أن تدفع «الجغرافيا السياسية للطاقة الشمسية» القوية الخارجية التي تسعى وراء النفوذ في إفريقيا إلى تشييد محطات طاقة شمسية لا تستطيع مرافقها المفلسة تشييدها، بحسب أحد قدامى المختصين في هذا المجال؛ ففي مايو أعلنت دولة مالي التي استقبلت جنود مجموعة فاجنر الروسية في العام الماضي أن شركة فرعية تابعة لمجموعة الطاقة الروسية العملاقة «روساتوم» ستشيد أكبر محطة طاقة شمسية في غرب إفريقيا. ومن الصعب تصور أي مستثمر تجاري «محض» يسعى إلى مثل هذا المشروع.

هذا جانب واحد لافت في ثورة الطاقة الشمسية في إفريقيا؛ لكن القارة في معظمها تخوض تجربة أكثر خفاء ولكنها مهمة في التوليد التجاري واللامركزي للكهرباء من الطاقة الشمسية، هذا التوجه يمكنه إحداث تحول في الاقتصادات الإفريقية وتقديم دروس لباقي العالم.