مقاربة لأحداث غزة من خلال القصص القرآني "روح الروح" يوقظ الضمير الإنساني ويجعله يفتش عن القرآن
سنة التدافع هي سنة كونية وضعها الخالق سبحانه وتعالى للإصلاح في الأرض وتعديل المسار، وهذا ما أوضحته الآية الكريمة في سورة الحج في قوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (39) (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (40) (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، ومن خلال مقاربة واقعية للأحداث الدائرة في غزة، واستقرائها استقراء قرآنيا من خلال أخبار الأمم والشعوب الذين ورد ذكرهم في كتاب الله، والسنن الإلهية في بقاء الأمم أو زوالها، وكيف يكتب الله النصر للمؤمنين، وكيف أن الأسباب لا تعمل بمعزل عن مسببها وهو الله عز وجل، لوجدنا أن الحالة الغزاوية تشترك مع الأوصاف والماجريات والوقائع التاريخية.
ولو تأملنا في خيار الشعب الفلسطيني في المقاومة والحرب التي يخوضها الآن لوجدنا أن هذا الشعب العظيم أيقن أنه لن يستطيع أن يحرر أي شبر من أرضه، إلا من خلال القوة والحرب، فقد جرب هذا الشعب جميع الخيارات المطروحة لأكثر من سبعين عاما، ووجد أن كل الخيارات لا جدوى منها، وعلم يقينا أن حمل السلاح ومقارعة المحتلين الغاصبين، بعد التوكل على الله والارتباط الوثيق به، هو العامل الكفيل بإرجاع الحقوق إلى أصحابها، وزوال دولة الاحتلال الصهيونية.
والغريب أن اليهود لم يتعلموا من التاريخ، وخصوصا تاريخهم مع أنبيائهم، وخاصة فيما يتعلق بالأمم التي قامت باستعبادهم وممارسة أشكال الظلم والطغيان عليهم، فهم لم يفهموا أن عاقبة الظلم والطغيان إنما هو الزوال والتدمير، ولو رجعنا إلى قصة طالوت وجالوت وكيف أن بني إسرائيل بعد أن شردوا وقتلوا وعذبوا طلبوا من نبيهم أن يختار الله لهم ملكا يجتمعون تحت لوائه ليقاتلوا أعداءهم الذين طغوا في تقتيل أبنائهم ونسائهم وإخراجهم من بيوتهم، وهذا هو الواقع اليوم الذي تمارسه إسرائيل على أبناء الشعب الفلسطيني من قتل وتعذيب وقصفهم في بيوتهم وإخراجهم منها وممارسة أشكال الظلم والطغيان من دهسهم بالجرافات للأطفال والنساء وهم داخل مخيماتهم، وقتل الأطفال الرضع الخدج داخل المستشفيات. فقد جاوزوا الحد في الطغيان والإبادة، فبعد 75 يوما من هذه الحرب الدائرة راح ضحيتها 20 ألف شهيد من الشعب الفلسطيني و50 ألف مصاب.
نجد القرآن الكريم يواسي المؤمنين بفقدهم أحبابهم وأهلهم ومن يعز عليهم في المعارك التي يخوضونها ضد أعدائهم من أهل الضلال والكفر، ويأمرهم أن لا يتخاذلوا ولا يهنوا في قتالهم، فقال تعالى في سورة النساء: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (104)، فالمؤمن يدرك أن عدوه يصاب بالفقد والألم أضعاف ما يجده المؤمن الصابر المحتسب، وعلاوة على ذلك فإن المؤمن يرجو من الله أن يتقبل أهله ومن يعز عليه شهداء عند الله، يدخلهم برحمته إلى النعيم المقيم في جنة عرضها السماوات والأرض، فكل أمر المجاهد المؤمن له خير، وهذا مصداق لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".
الترحيب بأقدار الله
المفارقة العجيبة التي تحدث الآن في غزة هي أنه بقدر البلاء العظيم الذي يتعرض له المدنيون من قتل همجي مروع يطال الأطفال والنساء والمرضى والشيوخ، إلا أن ردة فعل أهلهم من الأحياء صادمة للمجتمع البشري في بلوغها ذروة الصبر والتسليم والرضا بقضاء الله، بل والترحيب بهذه الأقدار في مشاهد صادمة أيقظت الضمير البشري العالمي، وجعلته يطرح التساؤلات الوجودية المتمثلة في مصدر هذه القوة الهائلة من الصبر والتسليم والطمأنينة، كيف لأم تحمل رضيعها المقتول بين يديها وهي تقف شامخة متماسكة تتلفظ بكلمة "الحمد لله"، ما هو مصدر هذا الإيمان العميق الغير مألوف في الثقافة البشرية المعاصرة، التي طغت عليها الرغبات المادية حتى أغفلت الجانب الإيماني والروحي؟
وفي مشهد آخر، نجد الجد خالد بعمامته التي يلبسها وبلحيته الطويلة يقبل حفيدته الشهيدة ويقبل عينيها ويصفها بقوله "روح الروح" في رباطة جأش وابتسامة غسلت من أدمغة الناس وعقولهم الصورة النمطية لهذه الهيئة الإسلامية التي جسدتها الدعاية الغربية والأمريكية في أفلامها وفي تكريسها بالصورة السلبية.
هذه المشاهد اجتاحت كل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والإعلام التقليدي، وانتشرت مثل النار في الهشيم، مما جعلت المجتمعات الغربية وخاصة فئة الشباب منهم يبحثون عن مصدر تلك القوة الإيمانية، التي أوصلتهم إلى هذه الطمأنينة، في عالم يبحث عما يمكن أن ينتشله من القلق النفسي وعوالم الاكتئاب، فيلجأ إلى العقاقير والمهدئات على الرغم من أنه يمتلك كل وسائل الراحة والظروف المعيشية المناسبة.
فأصبح الناس يتهافتون لشراء نسخ القرآن الكريم المترجمة، ويقرؤنه بشغف وبتمعن، وانتشرت الكثير من مقاطع الفيديو عن رواد في مواقع التواصل الاجتماعي يتحدثون عن تجربتهم في قراءة القرآن وفي المضامين العميقة التي يحتويها حتى أنهم أخذوا يتحدثون بشغف عن الأمور المتعلقة بحقوق المرأة في الإسلام ويوافقون على الرؤية القرآنية وكأنهم يكتشفون معاني جديدة وأطروحات منطقية متوافقة مع الفطرة البشرية والمشتركات الأخلاقية، بل وتجاوزت بعض الأفكار لتتحدث عن اهتمامات هؤلاء الشباب المتعلقة مثلا بالجانب العلمي المتمثل في أنه كيف خاطب الله في القرآن النحلة على أنها أنثى، وكيف أن القرآن قبل 1400 عام عرف أن النحلات العاملات هي أنثى، على الرغم من عدم تطور العلوم في تلك الفترة للكشف عن هذه التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالجنس النوعي للحشرات، في طرح يتناسب مع الفئة الشابة المتعلمة.
وفي نظرة تأملية عابرة لو قامت الأمة الإسلامية بالدعوة إلى الله من خلال الوسائل التقليدية للدعوة، -على الرغم من أهميتها- إلا أنه لا يحصل لها هذا القبول العالمي وخاصة في فئة يغلب عليها الاهتمام بالأمور المادية مثل فئة الشباب، ولكن ما يحدث هو ثمرة من ثمار الصبر، وهو ثمرة كذلك لثمار تجسيد الجانب الإيماني في مشاهد واقعية أثمرت هذا القبول العجيب، وهذا هو مصداق قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في قوله: " ليَبْلغنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهارُ، ولا يترك اللهُ بيت مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله الله هذا الدين، بعِزِّ عزيز أو بذُلِّ ذليل، عزا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلا يُذل الله به الكفر"، فالمجاهدون في غزة قاموا بالدعوة إلى الله من خلال الصبر.
مقاربة غزة بطالوت وجالوت
والقرآن الكريم يسرد لنا القصص ويضرب لنا الأمثال لنعيها ونفهما، بالسياقات التاريخية والأحداث الدائرة ونستطيع من خلالها أن نستقرئ الواقع ونستشرف المستقبل، فقد طلب بنو إسرائيل من بعد موسى أن يقاتلوا في سبيل الله من بعد إخراجهم من ديارهم وأبنائهم،
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)، فالرسول يعلم الطبيعة البشرية في ميلها للدعة والراحة وعدم طلبها للمشقة خاصة إذا كانت تلك الأمم تخلت عن تعاليم دينها وأصبح قتالها لا يمثل جانبا عقديا، فقال لهم نبيهم أخاف أن يكتب عليكم القتال فلا تستجيبوا لهذا الأمر، فأجابوه بالسبب المادي الذي يدفعهم للقتال وهو أنهم أخرجوا من ديارهم وأبنائهم، فلما جاءهم الأمر من عند الله بالقتال تولوا إلا فئة قليلة منهم.
فالقتال يحتاج إلى عقيدة ثابتة راسخة، وهذا ما نجده في مقاتلي غزة، من إيمانهم بقضيتهم العادلة، واتصالهم الوثيق بالله تعالى من خلال طاعته والتزامهم أوامره واجتنابهم لنواهيه وحفظهم لكتابه، وغايتهم الأسمى هو تخليص المسجد الأقصى من أيدي الغاصبين المحتلين، وتخليص سائر الأرض الفلسطينية من الوجود الصهيوني.
وقد اختار الله طالوت ملكا، يقاتل بنو إسرائيل تحت لوائه ليخلصهم من بطش جالوت وظلمه، ولكن بعض بني إسرائيل اعترضوا على نبيهم ولم يقتنعوا باختيار طالوت من قبل الله ليقودهم في هذه الحرب وذلك من خلال نظرتهم إلى معايير مادية بحتة تتعلق أنه لم يؤت سعة من المال، فنظرتهم تعتمد على السبب المادي وذلك لتشربهم بهذا الجانب وبعدهم عن منهج الله، ولكن بيّن لهم نبيهم أن الله اختاره وزاده علما وجسما، فجعل هذه الزيادة هي الأنسب في القيادة، فقد كانت الحروب تعتمد على التخطيط الحربي الذي يتمثل في العلم، وفي القدرة الجسمية التي كانت عاملا مهما في الحروب القديمة، ولذلك كان طالوت رجلا جسيما، فقال تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (247) (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (248).
وقد كان الأمر في بني إسرائيل أن لهم ملكا للقتال ونبيا يأتيهم بخبر السماء، وكان الملك طالوت من المؤمنين المخلصين الذين اختارهم الله لقيادة بني إسرائيل، فلما ذهب بالجنود أراد أن يستند في قوة جيشه على إيمانهم بالله تعالى واتباع أوامره، ولم يعتمد في جيشه على الكثرة، فقطع بهم الصحراء حتى نفد منهم الماء، حتى وصلوا إلى النهر، قال تعالى:( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (249)، فقام جزء من هذا الجيش وشرب من هذا النهر بكميات كبيرة بل وملؤوا أنياتهم التي يحملون فيها الماء، ولذلك خرجوا عن الجيش، وبقي مع الملك طالوت عليه السلام فريقان فريق لم يشرب من هذا النهر إطلاقا، وفريق شرب غرفة بيده، فلما جاوزوا النهر، فالذين شربوا غرفة بيدهم، قالوا لا طاقة اليوم بجالوت وجنوده، وأما الذين لم يشربوا من النهر إطلاقا، فهم الذين وصفهم الله بأنهم المؤمنون حقا، الذين يؤمنون بلقاء الله، قالوا كم من جماعة قليلة غلبت جيوشا كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين، فطالوت يريد أن يقاتل معه فقط من يمتثل أوامر الله بحذافيرها، لأجل أن يكتب الله لهم النصر المبين، فأصبح عدد جيش طالوت كما يقول أصحاب السير 313 مقاتلا فقط، أمام جيش جرار للظالم جالوت وجنوده.
فالأسباب لا تشتغل بمعزل عن مسببها، فالنصر بيد الله، ولو رجعنا إلى حاضرنا اليوم نجد أن جيش الاحتلال حاصر غزة حصارا شديدا في غذائها ومائها ودوائها، ولكن صبروا رغم قلة عددهم وتكالبت الدول العظمى عليهم في دعمها للكيان الغاصب، ولذلك أثابهم الله بالنصر المبين، فبعد 75 يوما من القتال، نجد أن هذا الكيان الغاصب لم يحقق أي هدف من أهدافه المعلنة لهذه الحرب، فهو أعلن أن هدفه الأول القضاء على حركة حماس، والهدف الثاني هو تحرير الرهائن الإسرائيليين المأسورين في قبضة المقاومة، ولم يحققوا أي هدف من هذين الهدفين.
وفي تكملة القصة القرآنية نجد أن الله يقرر سنته الكونية في التدافع، فيجب على المظلوم أن يدفع الظالم ويرده عن ظلمه، وسيعينه الله على ذلك، لأجل الإصلاح في الأرض، ولو ترك الأمر للظلمة دون ردع لفسدت الأرض فقال تعالى: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (250) (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (251).
وفي قصة أصحاب الأخدود التي ذكرها الله في سورة البروج، في تلك المحرقة التي حصلت للمؤمنين والتي قام بها الملك الحميري ذو نواس في اليمن، فقد قذف المؤمنين في الأخدود في القصة المذكورة، وفي ثنايا القصة نجد أن امرأة عز عليها وخافت أن تلقى في النار هي ورضيعها، ولكن الله أجرى معجزة تثبيتية، فأنطق الله ذلك الرضيع فقال: " اصبري يا أماه فأنتِ على حق"، فهذه القصة تبين أن كل المؤمنين قتلوا، ولم يتراجعوا، لأنهم على الحق، وهم يعلمون مصيرهم الأخروي الذي وعدهم الله به، فلا بأس أن يموت المؤمن على الشهادة لتحيا فكرة الإيمان، وحتى ينتصر الحق، ويتم تطهير المقدسات من اليهود الغاصبين وأعوانهم من المشركين.