No Image
إشراقات

فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

15 أغسطس 2024
15 أغسطس 2024

ما صحة حديث «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر ويكون الشهر كالجمعة و تكون الجمعة كاليوم و يكون اليوم كالساعة و تكون الساعة كاحتراق السعفة»؟

الذي أحفظه أن هذا الحديث صحيح عند أكثر المحققين ورد عند الإمام أحمد وعند طائفة من أصحاب السنن والمسانيد والجزء الأول منه ورد عند الإمام البخاري، وهو ما يتعلق بتقارب الزمان دون ذكر التفاصيل، أن السنة كالشهر والشهر كالجمعة أو كالأسبوع والجمعة كاليوم هذه لم ترد عند الإمام البخاري، لكن ورد أن من علامات الساعة عند الإمام البخاري الحديث من طريق أبي هريرة أيضا وورد من طريق أنس بن مالك تقارب الزمان.

أما معناه فقد اختلف في بيانه فمنهم من نظر إلى الجانب المادي في تقارب الزمان وهذا عند المتقدمين قالوا: أمرٌ سيحصل، وكأنهم يستشرفون ما سيحصل أن المسافات التي كانت تقطع في الأزمان الطويلة ستُختصر، ستُقطع المسافات في أزمنة أقل وهذا ما حصل في واقعنا اليوم، فالمسافات التي لعلها كانت تقطع في الشهور العديدة أصبحت تقطع في بضع ساعات هذا ما يتعلق بالجانب المادي، ومنهم من نظر إلى الجانب المعنوي ويقصدون من ذلك نزع البركة من الأوقات، وكأن هذه الأزمنة لا بركة فيها فلا تتسع لإتمام عمل يريده الإنسان فلا بركة له في وقته، وهو يلحظ ذلك في نفسه فكان ينجز عملا في وقت قصير، وهو اليوم غير قادر على إتمامه في مدة أطول من ذلك، ولا يعرف السبب، وهنا تجد أن الشكوى منه شكوى عامة فالكل يشتكي من ذلك أن الوقت لا يتسع، فنزعت البركة من الأوقات، ومنهم من نظر للحديث بما أنه ورد في ما يتعلق بعلامات الساعة أن المقصود هو تكاثر الفتن والشدائد والابتلاءات فيشتغل بها الإنسان ويدخل فيها فتصرفه عن إتمام أعمال العبادات والقربات والصالحات التي كان يأتيها، وهذا معنى حسن صحيح ذكره أيضا طائفة من أهل العلم.

والخلاصة أن كل هذه المعاني مقصودة صحيحة حتى في من كان وقته مباركا سيلحظ أن شأنه لم يكن كما كان، كما عبر ابن حجر الذي ذكر هذه القضية لأن من أهل العلم وأهل الديانة ممن كان وقتهم مباركا فينجزون، سيلحظون أنهم مع تقدم الزمان أنهم ما عادوا يستطيعون الإنجاز كما كانوا يفعلون هذا مفاد كلامه.

وإن لم يكن هذا المصطلح مستعملا عند من لا يعرف البركة ولكن الواقع يشهد به، أن لا سعة في الوقت لإتمام الأعمال والمهمات التي يقصدها هذا الإنسان حينما ينظر في من كان قبله سيجد أنهم تمكنوا رغم بساطة ما في أيديهم من وسائل أنهم تمكنوا من إتمام الكثير من الأعمال ومن الإتيان بكثير من المهمات، ومع تقادم الزمان فإن ذلك يصبح أضيق وأضعف.

والأصل في البركة أنها تعني الخير الكثير المضاعف الذي لا ينقطع، فلأنه خير كثير لا ينقطع فهو متجدد ولذلك فحينما وصف الله تبارك وتعالى كتابه الكريم بأنه مبارك « كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ» فإن المقصود بأن الله عز وجل قد أودع فيه من الخير ما لا ينقطع، كل يأخذ منه فيجد فيه بغيته لا تنفذ خزائنه ومعانيه وما يحمله من وجوه، حينما وصف الله تبارك وتعالى الليلة التي أنزل فيها القرآن الكريم بأنها ليلة مباركة فهذا يدل على أن هذه الليلة قد أودع الله عز وجل فيها خيرا متجددا لا ينقطع، وحينما وصف أرض الأقصى بأنها أرض مباركة وأن ما حولها مبارك فهذا يعني أن خيرها وعطاءها لا ينقطعان، إذن حينما يوصف الوقت بالبركة فهذا يعني أن هذا الخير المضاعف الذي لا ينقطع ينزع منه مع تقادم الزمان شعر بذلك الإنسان أو لم يشعر.

وهو سيعمد حينما يجد أنه غير قادر على إتمام أعماله في هذا الوقت المتاح سيعمد إلى مثل هذه الحجة بأن يقول بأن الأعمال صارت كثيرة وأن الالتزامات صارت كثيرة حتى وإن كان الحال كذلك، فإن عموم الحال هو هذا المعنى أن الوقت لم يعد فيه بركة، و هذا لا يحصل دفعة واحدة و لا يحصل لكل الناس بدرجة واحدة هذا هو معنى الحديث.

ما هي المعيارية لمعرفة الفقير والمسكين لدفع الزكاة إذا كان علماء المسلمين مختلفين في مفهومين من هو الفقير ومن هو المسكين علما أن المفهومين مطاطان بناء على ظروف متغيرة؟

هذا من تضييق الواسع، فالشرع أتى بأوصاف لاستحقاق الزكاة، ولاستحقاق الكفارات تدور حول الفقر والمسكنة، والفقير هو الذي لا يجد ما يغنيه لا يجد ما يعوله في حياته، والمسكين هو الذي يمكن أن يكون عنده شيء ولكن مع ذلك لا يجد كفافا من عيش، فعند أكثر العلماء فالمسكين أحسن حالا من الفقير لأن الله تبارك وتعالى سمى أصحاب السفينة في سورة الكهف مساكين، قال تعالى: « أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ»، فمع وصفهم بأنهم مساكين دل على أن امتلاكهم للسفينة لم يكن مدِرّا لهم بما يكفيهم وبما يؤدي بهم إلى حد الكفاف فهم محتاجون.

يتفاوت الفقر والمسكنة من مجتمع إلى آخر، فإن بعض المجتمعات تكون المعيشة فيها غالية، فإذا نظر إلى الدخل فقط دون المغارم التي تكون في ذلك المجتمع ومستوى المعيشة فهذا ليس من الإنصاف، فهو وصف يتفاوت معناه من مجتمع إلى آخر بحسب مستوى المعيشة، ومستوى الغلاء والرخص في ذلك المجتمع عن غيره من المجتمعات، فمن المجتمعات والقرى والمدن ما يمكن أن تكون الحياة فيه سهلة يسيرة والقليل من المال يكفي الإنسان ويكفيه أن يعول أسرته، ولكن نفس ذلك القدر من المال الذي يدخل عليه أو الذي يكتسبه من مصدر رزقه لا يكفيه إن انتقل إلى مدينة في نفس الوطن، لأن المعيشة غالية ولا بد له من وسائل نقل ولا بد له من وسائل اتصالات وقد تكون الإيجارات مرتفعة والمواد التي يحتاج إليها غالية الثمن وهكذا، فمن حكمة الله تبارك وتعالى أن علق هذه الأحكام الشرعية على هذه الصفات، لأن أنظار الناس فيها يجب أن تقوم بالنظر في مستوى المعيشة وفي الدخل وفي المغارم الواجبة لتبين الفقير من غيره، وفي هذا سعة وتيسير، لو أن الأوصاف الشرعية جاءت ضابطة محددة جامعة مانعة لضاق الحال على الناس، والله تعالى أعلم.

يذكر بعض العلماء في أجوبتهم مصطلح أصول العقيدة مقابل فروع العقيدة، فما الفرق بينهما، وما هي الأمثلة التي يمكن أن نستأنس بها لمعرفة الموضوع؟

أولا هذا التقسيم في مسائل العقيدة و قضاياها إلى أصول و فروع هو ما جرى عليه عمل أكثر العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية حتى الذين اعترضوا على هذا التقسيم تشهد مصنفاتهم بأنهم يلجأون إليه في مواضع كثيرة، والأسس التي قسمت فيها قضايا العقيدة إلى قضايا أصول وقضايا فروع في الغالب تقوم حول أدلة هذه المسائل، فإذا كانت الأدلة قطعية فهذا يعني أن هذه المسألة ليست مما يحتمل الخلاف، وأن المخالف فيها مخطئ، فهذه مسألة أصلية من الأصول، وإذا كان الدليل غير قطعي ويمكن أن يحتمل وجوها من المعاني والتأويلات المقبولة القريبة لا نتحدث عن التأويلات البعيدة أو المتعذرة، فإذا كان يحتمل وجوهاً مقبولة من المعاني ولم يكن الدليل قطعياً ففي هذه الحالة هذه المسائل من مسائل الفروع، وقد يكون الدليل قطعيا من حيث الثبوت، ولكنه من حيث الدلالة يمكن أن يكون ظنيا فيمكن أن يحتمل وجوها من المعاني هذه تتردد بين أهل العلم، فمنهم من يجعلها من الأصول ومنهم من يجعلها من الفروع، بقدر التأويل هل هو تأويل قريب مقبول تسمح به أدلة أخرى وقرائن من ذات الدليل أو من غيره، أو أنه لا يحتمل هذا الوجه الذي أتى به من يرى الرأي المخالف، إذن لنفهم فيما يتعلق بهذا التقسيم في قضايا العقيدة أنه قائم على الأدلة من حيث القطعية أو عدم القطعية، لأن هناك تقسيما للأصول والفروع في عموم الشريعة أيضا، وهذا بعض العلماء يجادلون فيه، فحينما يقال بأن الأصول هي ما يتعلق بالجوانب الإيمانية النظرية، والفروع هو من بنى عليها، يعترض، لكن لا مشاحة في المصطلحات، والمقصود هو أن نعرف ما الذي يقصد به في ذلك العلم وفي ذلك الفن، والآن حديثنا فيما يتعلق بقضايا العقيدة.

الأصول تحقق اليقين لأن أدلتها قطعية، والفروع نقول بأنها في مرتبة الظن، وهناك أدلة متشابهة، هذه الأدلة لا بد أن ترد إلى الأدلة المحكمة، وهناك أدلة محكمة تتعلق بها فبذلك تصبح من قضايا الأصول.

ولمزيد من التوضيح لنأخذ ما ورد فيه السؤال قبل قليل في تقارب الزمان وقد قلت في الجواب أنه ورد في علامات الساعة، وعلامات الساعة على سبيل المثال، كثير منها لم ترد في أدلة قطعية ولذلك فعدت من مسائل الفروع، هي قضايا تتعلق بجانب إيماني غيبي ولكن أدلتها مما يمكن أن يختلف فيه تصحيحا وتضعيفا، ثم هذا المقبول من هذه الأدلة هو ظني، ثم إنه يحتمل وجوها، والبعض قد يغلب عليها أدلة أخرى من كتاب الله عز وجل أو من سنة الرسول صلى الله عليه وسلـم، وعلامات الساعة محل خلاف، على أن لا يكون تأويلها مفضيا إلى ما يناقض المحكمات، وما يناقض الأصول، على أن لا يكون الرأي الآخر مفضيا إلى ما يمكن أن يناقض التوحيد أو أن يناقض الأصول من العقيدة وفي هذا كفاية إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلم.