هل يقود اليمن الازدهار الإقليمي؟

12 أبريل 2023
12 أبريل 2023

عنوان المقال أعلاه استشرافي، وهو ينقل معطيات الواقع اليمني من: حرب إقليمية دخلت مؤخرا عامها التاسع، اقتتال داخلي بين أبناء شعبه من أجل تشطير وحدته الترابية، وفقر مدقع يحصد أرواح أبنائه، وتنافس إقليمي وعالمي على خيراته وموقعه الجيوسياسي إلى: بلد منتج للتنمية لكل شعبه، ومركز للاستقرار والأمن الإقليمي.. فهل تبدو هذه المعادلة صعبة؟ هي استشراف يخرج الآن من رحم الجهود الناضجة التي تسعى إلى وقف الحرب بصورة دائمة، وهي في طريقها للنجاح وإن تكتنفها بعض صعوبات اللحظة الأخيرة، حيث لم يعد التساؤل الآن يدور حول هل ستنجح هذه الجهود أم لا؟ وإنما ماذا بعد نجاحها؟ والتفكير الخليجي ينبغي أن ينصب على مرحلة السلام في الوقت الذي يعمل فيه على استكمال آخر تفاصيل اتفاق السلام، بل وحتى قبلها، لأن تحديات مرحلة السلام أكبر من تحديات الحرب، وأخطرها.

الآن بالذات، لا مجال في القضية اليمنية إلا التفاؤل بالسلام للأسباب التالية:

- إن إنهاء الحرب مصلحة خليجية ويمنية وإيرانية في آن واحد الآن، وقد نضجتها الآن كل الظروف الموضوعية الأساسية، وتدخل في مرحلة التحولات الدراماتيكية الإقليمية والدولية، لذلك سيكون اليمن جزءا أصيلا منها.

- اليمن سيكون مرتبطا بالشراكات الإقليمية خاصة الشراكة العمانية السعودية، والشراكة السعودية الإيرانية، وتقاطع بقية المصالح الخليجية معهما.

- لا يمكن لهذه الشراكات أن تتجاهل الموقع الجيوسياسي لليمن إذا ما أرادت التأثير على النظام العالمي الجديد.

فاليمن بحكم موقعه الاستراتيجي، وثرواته الضخمة المتعددة، سيجعل من دول مجلس التعاون الخليجي وإيران إضافة لليمن قطبا من الأقطاب الإقليمية المؤثرة على التوازنات العالمية التي تتأسس الآن على التعددية، فالذكاء السياسي الذي يتناغم الآن مع الحقبة الإقليمية الجديدة، يكمن في كيفية دمج اليمن في منظومة المصالح الاقتصادية الإقليمية الجديدة؟ من هنا كان عنوان مقالنا سالف الذكر، فضم اليمن ضمن الشراكات الإقليمية المشار إليها سابقا، سيكون ذلك كفيلا بإحداث النقلة التاريخية لليمن خاصة، وللمنطقة عامة، والشراكات متعددة الجنسيات هي كذلك تحتاجها الاستثنائية الجغرافية اليمنية، فجغرافيتها بوابة متسيدة على البوابة الجنوبية للشرق الأوسط، ويضاعف أهميتها إطلالتها المباشرة على باب المندب الذي يتحكم بالمنطقة المائية البحرية التي تفصل قارة آسيا شرقًا، وقارة أفريقيا غربًا، وتربط المحيط الهندي وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط، ويعزز اليمن سلطته على باب المندب من خلال انتشار جُزُره في مياهه الإقليمية على امتداد بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، إضافة إلى التداخل الوثيق بين باب المندب ومضيق هرمز، وهما طريقان لناقلات النفط الخليجي نحو أوروبا، فضلا عن اعتباره همزة وصل بين أفريقيا والخليج والجزيرة العربية.

وأمام دول مجلس التعاون الخليجي الست واليمن وإيران فرصة تاريخية لصناعة تحولات دراماتيكية جيوسياسية كبرى في مرحلة السلام في اليمن، حيث توصف طبيعة المرحلة الإقليمية الراهنة بأنها مرحلة راديكالية الأفكار المنتجة للتطورات الديناميكية، وهنا لا ينبغي أن تستثنى اليمن من هذه الصيرورة، ولن تستثنى أصلا، لذلك فالمفاهيم السابقة عن اليمن ينبغي بدورها أن تتطور بسرعة الشراكات الإقليمية التي تحدث حاليا، فالمفهوم بأن اليمن الضعيف المشتت والمتحارب في داخله أفضل لجيرانه ينبغي أن يكون من الأفكار التي تركتها التحولات الجيوسياسية في ماضي المنطقة الفاشل، لذلك فمرحلة السلام المقبلة تحتاج لأفكار غير تقليدية، ويمكن أن يشكل الفكر السياسي الذي يعيد صياغة مستقبل العلاقات العمانية السعودية نموذجا مثاليا لتطبيقه في الحالة اليمنية، بل في نطاق جغرافي أوسع كمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وسنعطي أنفسنا هنا مساحة زمنية حتى نرى نتائج القمم التي ستستضيفها في عام 2023، كالقمة العربية في مايو المقبل، والقمة العربية للتنمية حصريا وستعقد في موريتانيا، والقمة العربية الأفريقية التي ستعقد في وقت لاحق من العام نفسه.

فمسقط والرياض قد ودعتا مرحلة الهواجس -الحقيقية والمفتعلة- ودخلتا في اكتشاف مقوماتهما وإمكانياتهما المشتركة لمستقبل طموح جدا، وجوهر الفكر العماني السعودي ينطلق من المعادلة التالية: أن ديمومة الاستقرار والأمن الثنائي/ الإقليمي مرتبط بالازدهار المنتج له أصلا، وهذا الأخير -أي الازدهار- ينبغي أن تفتح له كل إمكانيات ومقومات الدول دون تحفظات تقليدية، وهذا يفسر انفتاح الجغرافيتين العمانية والسعودية، وقيام شراكات ترابطية مستدامة، وبإدارة مشتركة بين البلدين، مثل الإدارة المشتركة لتطوير المنطقة الاقتصادية بمحافظة الظاهرة العمانية، وتأسيس شركة عمانية سعودية لتولي إدارتها وتشغليها، كما تم فتح طريق بري يربط عبري العمانية بالأحساء السعودية لدواعي ديناميكية التواصل المباشر متعدد الأغراض وبالذات الاقتصادية والتجارية، كما تم الاتفاق على إقامة سكة حديد تربط الدقم العمانية بالعاصمة السعودية الرياض.. وذلك لحجم المشاريع العملاقة التي ستقام في منطقة الدقم الاقتصادية المطلة على بحر العرب الاستراتيجي.

هذه الرؤية بعيدة المدى تعني أن هناك تفاهما استراتيجيا بين البلدين، ويعني أنها تنقل علاقات البلدين إلى تطلعات المستقبل، ويعني أن بينهما رؤية مشتركة تجاه أمن واستقرار المنطقة وهو ما تجسد في اختيار الرياض مسقط شريكا استراتيجيا في المنطقة، ووسيطا محايدا للحوار، وكانت واشنطن قد اختارت مسقط عام 2015 أيضا وسيطا محايدا وموثوقا به للحوار مع إيران، من هنا ينبغي أن نربط الزيارة المشتركة للوفدَين العماني السعودي لصنعاء يوم الأحد الماضي، وقبلها الزيارات المكوكية العمانية لصنعاء، فمسقط قد أصبحت مركزا لالتقاء الأفكار الإقليمية الملهمة، ومصدرا للثقة السياسية من الكل.

وتنطلق تطبيقات الفكر العماني السعودي من تحويل المناطق الحدودية بين البلدين، إلى مناطق ذات نفع مشترك للبلدين، بحيث تكون بوابات للشراكة الثنائية، كالمنطقة الاقتصادية في محافظة الظاهرة العمانية، كما أشرنا إليها سابقا، والفكر نفسه قابل للتطبيق على الحالة اليمنية، فقيادة المناطق الحدودية للتنمية الداخلية في عموم اليمن سيجعلها مصدرا استراتيجيا لتصدير مشاريع السلام التنموية والاقتصادية، وتدار هذه المناطق وفق الطريقة العمانية اليمنية المشتركة لضمانة التطبيق في آجاله الزمنية ووفق مضامينه، دون أن تثار حساسية حول مفهوم السيادة التي تعد أكبر المعرقلات للتنمية والاستقرار والأمن بين الدول المتجاورة، وقد تم تضخيمها من أطراف دولية، لكنها الآن منشغلة بمشاكل داخلية وخارجية وجودية، وستكون في أفضل الأمور في موقف المباركة للخطوات الخليجية حتى لا تسحب من تحت أقدامها مصالحها التاريخية.

وفكرة المناطق الحدودية أولا، ينبغي أن تتزامن معها مسيرة إعادة إعمار اليمن بحيث يحس بها المواطن اليمني في لقمة عيشه وصحته وتعليمه.. وهذا الشعور ينبغي أن يكون مستهدفا في ذاته حتى يشعر المواطن البسيط بالفارق بين المرحلتين، ومن ثم كسبه لمرحلة السلام الجديدة، وللغرضين سالفي الذكر تشكل المنطقة الحرة بالمزيونة العمانية النافذة الخليجية لإعادة الإعمار، ولالتقاء المصالح الإقليمية كلها والتي تستهدف اليمن خاصة والقرن الأفريقي عامة، وهنا نقترح عقد لقاء خليجي عاجلا لبحث أفكار عاجلة ينبغي بلورتها في هذه المرحلة، مثل إحياء سريعا مشروع القطار الخليجي، ومده لليمن وجعل المنطقة الحرة بالمزيونة مستهدفه الأول، كما تحتم الحاجة نفسها إقامة طريق بري يربط منطقة الخرخير جنوب المملكة بمنطقة ميتن المزيونة بجنوب سلطنة عمان، وهما -أي الطريق والقطار- من مقومات مرحلة استدامة السلام في اليمن، وربط الاقتصاد اليمني الجديد بالاقتصاديات الخليجية بصورة مستدامة، ويشكل ميناء صلالة كذلك دعما لوجستيا مستداما للسلام لبعده عن مناطق التوترات في الخليج، ووقوعه على البحار المفتوحة، والقريب من الجغرافيا اليمنية.. للموضوع تتمة.