هل حانت ساعة الحرب الإقليمية في الشرق الأوسط؟

31 يوليو 2024
31 يوليو 2024

شخص واحد في الشرق الأوسط أدرك اليوم أن الخروج من ورطته الكبرى «فشله في ملف حرب غزة» لا بد أن تدفع ثمنه المنطقة كلها بحرب إقليمية تعفي ذلك الشخص من مسؤوليته عن الآثار الخطيرة التي ستترتب لا محالة على فشله ذاك.

ففيما يحاول العالم اليوم، وعلى رأسه الولايات المتحدة وحتى إيران (التي طالما هددت بإزالة إسرائيل من الوجود) تجنب تلك الحرب الإقليمية الكبرى؛ وحده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يسعى إلى إشعال تلك الحرب، لأنه أدرك أن التناقضات الكبرى التي تورط فيها هي بمثابة شرك لا يمكن الإفلات منه إلا بالمزيد من توريط المنطقة العربية والشرق الأوسط في جحيم حرب إقليمية كبرى.

فالتفجير الذي شهدته ضاحية بيروت الجنوبية بمحاولة اغتيال أحد كبار قادة حزب الله، أمس الأول، ثم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والشخص الأول فيها، إسماعيل هنية بإيران أمس، يؤكد تماما وصول تداعيات عملية طوفان الأقصى إلى تخوم الحرب الإقليمية التي طالما ذكرنا أنها أحد احتمالين حصريين لنتائج تلك العملية، لاسيما في ظل رفض الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل للاحتمال الثاني (قيام دولة فلسطينية كاملة الصلاحيات).

اليوم، بدا الجنون السياسي لنتانياهو أكثر وضوحا، لاسيما بعد زيارته الأخيرة للولايات المتحدة وخطابه، سيئ السمعة، أمام الكونجرس الأمريكي.

بكل تأكيد ثمة حقائق بدت أكثر من واضحة لنتانياهو نتيجة زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، لاسيما بعد اجتماعه بكل من الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته المرشحة للانتخابات كمالا هاريس، كما أن اجتماع نتانياهو بالرئيس السابق دونالد ترامب، وطلب الأخير منه وقف الحرب واستعادة الأسرى ضمن الصفقة التي أعدتها المبادرة الأخيرة للرئيس بايدن ووافقت حماس عليها، كل ذلك شكل ضغوطا كبيرةً على نتانياهو للسير في الاتجاه الذي لا يريده، وما يريده نتانياهو أصبح ثمنه مكلفا جدا وهو ثمن يضمن له، وحده، الخروج من مأزقه السياسي الشخصي لكنه سيورط المنطقة كلها في حرب إقليمية لا يريدها أحد سوى نتانياهو والوزراء المتطرفين في حكومته.

الزمن يضغط على نتانياهو، وبالرغم من أنه كان يناور إلى حين موعد الانتخابات الأمريكية أملا بفوز ترامب، إلا أن مطلب ترامب الواضح من نتانياهو بوقف الحرب فورا يبدو قد عزز لدى الأخير ضرورة التصرف خلال الشهور التي تسبق موعد الانتخابات الأمريكية، نحو ذلك الخيار «الشمسوني» الأخير ؛ الحرب الإقليمية التي أصبحت ديناميكيتاها أكثر نضوجا في المنطقة منذ عملية طوفان الأقصى.

هناك لاعبون دوليون يرقبون الوضع في الشرق الأوسط ويراهنون على وقوع تلك الحرب لتشابك ملفاتها في الأجندة الأمريكية بملفات عالمية أخرى كالحرب الروسية الأوكرانية، أملا بحدوث سيناريو جديد يورط أمريكا، ويكون خبرا سعيدا لبوتين.

بوتين الذي حذر الرئيس الأسد في موسكو قبل أيام ونصحه بالابتعاد عن دمشق والإقامة في اللاذقية، ربما كان يومي بمؤشرات محتملة لحرب إقليمية قادمة.

السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل ستتمكن الضغوط الدولية الكبرى لأمريكا والاتحاد الأوروبي على إسرائيل للحيلولة دون وقوع الحرب الإقليمية المرتقبة؟

تبدو كل الاحتمالات مفتوحة للإجابة على هذا السؤال، لكن الاحتمال الأرجح هو سيناريو الحرب الإقليمية، إذا ما استصحبنا أمرين أساسيين في هذا الصدد هما؛ عجز نتانياهو ومعه المركز الأمني العسكري الإسرائيلي عن الوصول إلى سقف حماية أمنية لإسرائيل يضمن استحالة تجديد عملية طوفان الأقصى، (وهو ما لم يتمكن نتانياهو من تحقيقه حتى الآن رغم الموت والدمار الهائل الذي أحدثه في غزة)، والتوترات الملتهبة للجبهات السبع في الشرق الأوسط (التي ذكر نتانياهو في خطابه أمام الكونجرس أنه يحارب ضدها) إن احتمالات الخروج عن قواعد اللعبة والخطوط الحمراء بين كل من إسرائيل وحزب الله وبقية الجبهات اليوم أصبحت احتمالات واردة بقوة، لاسيما إذا ما تورط في الخفاء لاعبون دوليون للدفع بذلك الاتجاه.

لقد كشفت تداعيات عملية طوفان الأقصى عن حقائق لم يكن لكثيرين أن يقتنعوا بها، فيما نحن نرى اليوم جنون نتانياهو يبدو أكثر تفلتا من أي جنون آخر في الشرق الأوسط. ومن هذه الحقائق، أنه لم يتضح لكثيرين سوى اليوم: أن قناع المزايدة بشعار الدفاع عن فلسطين أصبح ممزقا ومهترئا - كما لم يكن في يوم من الأيام - أمام التناقضات التي فجرتها هذه الحرب.

محمد جميل أحمد كاتب من السودان