هل تفضل الصين هاريس أم ترامب؟

11 أغسطس 2024
11 أغسطس 2024

وانج جيسي ـ هو ران ـ تشاو جيانوي

ترجمة ـ نهى مصطفى

على مدى الأسابيع القليلة الماضية، اجتذبت الاضطرابات التي شهدها موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية قدرًا هائلًا من الاهتمام العالمي. ففي شهر يوليو، كاد ترامب أن يُغتال وأعلن بايدن فجأة أنه لن يسعى لإعادة انتخابه. وقد قلبت هذه الأحداث السباق الرئاسي الأمريكي لكلا الحزبين، وخلقت المزيد من عدم اليقين بشأن الاتجاه القادم للولايات المتحدة.

ويرى المراقبون تباعدًا صارخًا بين استمرار السياسة الخارجية الدولية لبايدن في عهد الرئيسة المستقبلية كامالا هاريس وبين اتجاه أكثر انعزالية في عهد الرئيس المعاد انتخابه ترامب ونائبه في الترشح، جيه دي فانس.

تختلف النظرة إلى هذه الأمور في الصين، فمنذ ثماني سنوات، تبنّت إدارة ترامب الأولى سبلًا أكثر مواجهة للعلاقات مع بكين، وهو ما وجده العديد من المراقبين الصينيين محيرًا. فبدلا من التعامل مع الصين كشريك تجاري ومنافس في بعض الأحيان، بدأت الولايات المتحدة في وصفها بأنها «قوة رجعية»، ومنافس استراتيجي، وربما حتى تهديد مباشر. والأمر الأكثر إثارة للدهشة، على الرغم من التغييرات في النبرة، تعزيز إدارة بايدن لهذا التحول، بل وذهبت به إلى أبعد من ذلك في بعض القضايا. والواقع أن هناك إجماعًا بين الحزبين في واشنطن على ضرورة التعامل مع الصين الآن باعتبارها خصمًا رئيسيًّا، مع وجود عدد متزايد من المحللين الذين يزعمون أن هذا النهج يعود إلى الحرب الباردة.

بالنسبة للمراقبين الصينيين، فإن الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة يعكسان نهجًا عامًّا تجاه الصين نشأ في السنوات الأخيرة، وهو أسلوب متأثر بقوة المخاوف السياسية الأمريكية المحلية. والأمر الأكثر أهمية من وجهات نظر أي من الحزبين هو الاختلافات العديدة للتحليل الأمريكي للصين وما قد تعنيه في الممارسة العملية. ولا يتوقع أغلب المراقبين الصينيين حدوث تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية تجاه الصين، ولكنهم يحاولون فهم أي من تيارات التفكير الحالية في واشنطن قد تسيطر في نهاية المطاف.

تميل سياسات أي دولة في الخارج إلى عكس سياساتها الداخلية، ويبدو أن هذه الظاهرة صحيحة بشكل خاص في الولايات المتحدة، حيث يمكن للنقاشات الداخلية الكبرى أن تمتد بسهولة إلى الشؤون الخارجية، وأصبحت تؤدي دورًا خاصًّا في كيفية تعامل واشنطن مع الصين.

فشعار ترامب «أمريكا أولًا» وشعار بايدن «السياسة الخارجية للطبقة المتوسطة»، يوضحان العلاقة الوثيقة بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية في الولايات المتحدة.

بعد تولي ترامب منصبه، شكّل المناخ السياسي شديد الاستقطاب في الولايات المتحدة سياسته الخارجية، وخاصة تجاه الصين. كان نهج «أمريكا أولًا» إلى حد كبير استجابة لمخاوف الناخبين الأمريكيين بشأن العولمة والهجرة. ونتيجة لذلك، رفعت إدارة ترامب الحواجز التجارية، وقيّدت الهجرة، وقيّدت مشاركة الولايات المتحدة في المنظمات الدولية، مع إعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية للولايات المتحدة والأمن القومي.

لكن إدارة بايدن أوضحت أيضًا أن قراراتها في السياسة الخارجية تهدف إلى التوافق مع مصالح الناخبين في الداخل وأن ازدهار الأمريكيين العاديين له أيضًا بعد دولي، وبالتالي، فإن السياسة الخارجية لبايدن تشترك في اعتبارات سياسية مماثلة لسياسة ترامب، حيث تهدف إلى إعادة التوازن بين السياسات الصناعية المحلية والقواعد الاقتصادية الدولية لتعزيز المصالح المحلية. بعض القضايا الأمريكية نفسها لها مكونات محلية وأجنبية، فالتدفق المستمر للمهاجرين ليس فقط القوة الدافعة وراء ازدهار الولايات المتحدة، بل يؤثر أيضًا على أمن حدودها وعلاقاتها مع العالم الخارجي.

وتعتمد السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأخيرة على الدور المتزايد الذي تؤديه الصين. ورغم أن الصراع المسلح بين روسيا وأوكرانيا وحرب إسرائيل ضد حماس في غزة يجتذبان قدرًا كبيرًا من الاهتمام، فإن الصين تظل على رأس الأولويات في الاستراتيجية العالمية المعلنة لواشنطن.

في هذه المرحلة الحرجة، يجدد العديد من الاستراتيجيين الأمريكيين دعواتهم إلى واشنطن لتسريع تحولها نحو آسيا، على سبيل المثال، يزعم محللا السياسة الخارجية روبرت بلاكويل وريتشارد فونتين في كتابهما الجديد «العقد الضائع» أن إدارات أوباما وترامب وبايدن فشلت جميعًا، بطرق مختلفة، في تطوير سياسات قوية ومتماسكة تجاه الصين وبقية آسيا. وأصبحت أهمية السياسة تجاه الصين واضحة بالفعل في السباق الرئاسي الأمريكي، حيث يتنافس كلا الحزبين على إنتاج أقوى خطاب حول التعامل بصرامة مع بكين وتقييد دورها العالمي.

إذا نظرنا إلى الأمر من بعيد، فسنجد أن الاستراتيجيين الأمريكيين في تعاملهم مع الصين يمكن تقسيمهم إلى ثلاث مدارس: يمكن أن نطلق على المدرسة الأولى اسم «المحاربين الجدد في الحرب الباردة». ويعتقد أفراد هذه المدرسة أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين هو لعبة محصلتها صفر وأن واشنطن وبكين منخرطتان في حرب باردة تتطلب تكتيكات أكثر عدوانية من جانب الولايات المتحدة. وكما زعم نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق مات بوتينجر وعضو الكونجرس الأمريكي السابق مايك جالاجر في مجلة Foreign Affairs، فإن المنافسة مع الصين «يجب أن تُربح، وليس أن تُدار». وفي طرح هذه الحجة، استعان الاثنان وآخرون بمثال الرئيس الأمريكي رونالد ريجان الذي وضع التهديد السوفييتي أولوية قصوى، من أجل السعي إلى تحقيق النصر في الحرب الباردة.

يمكن وصف المدرسة الثانية بأنها مدرسة «مديري المنافسة». وعلى النقيض من محاربي الحرب الباردة الجدد، يعتقد هذا المعسكر أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين ليس لعبة محصلتها صفر، وبالتالي، من الضروري أن تكون لدينا استراتيجية للتعايش مع الصين. يمكن تتبع الأصول الفكرية لهذا النهج إلى مقال كتبه كيرت كامبل وجيك سوليفان لمجلة Foreign Affairs في عام 2019، قبل انضمامهما إلى إدارة بايدن. وكما زعما، فإن المنافسة مع الصين «حالة يجب إدارتها وليست مشكلة يجب حلها». إلى جانب راش دوشي، الذي كان نائب المدير الأول لشؤون الصين وتايوان في مجلس الأمن القومي من عام 2021 إلى أوائل عام 2024، حيث اقترح أن أفضل سبيل لواشنطن تجاه الصين هو القيادة بالمنافسة، تليها عروض التعاون.

أما المعسكر الثالث، وقد نطلق عليه «المؤيدون للتكيف»، ورغم أنهم يشتركون مع المعسكرات الأخرى في كراهية النظام السياسي الصيني ونفوذه العالمي، فإنهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر قلقًا من نظرائهم من احتمال تحول المنافسة إلى مواجهة، وباعتبارهما من الشخصيات البارزة في هذا المعسكر، يعارض عالما العلاقات الدولية جيسيكا تشين فايس وجيمس شتاينبرج شن حربًا باردة مع الصين لأن الحروب الباردة خطيرة بطبيعتها. ويزعم فايس وشتاينبرج أن من مصلحة بكين وواشنطن الحد من خطر الحرب والتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل تغير المناخ والصحة العامة.

وعلى الرغم من هذا التنوع في الآراء، فإن المدارس الثلاث تتفق على أن الصين تشكل تحديًا كبيرًا للولايات المتحدة. كما تتفق على أن السياسة الأمريكية تجاه الصين تحتاج إلى أسس ثنائية الحزبية لتحقيق النجاح. ومع ذلك، يبدو أنه لا يوجد رأي سائد في واشنطن بشأن الطريقة الأفضل أو أي جانب من جوانب التحدي -السياسي أو العسكري أو الاقتصادي أو الحوكمة العالمية- هو الأكثر خطورة. وبالنسبة لبكين، فإن هذا النقاش غير المستقر يعني أنه من المهم أن نفهم كيف تؤثر هذه الأساليب المختلفة على السياسات الأمريكية، وعلى وجه التحديد، كيف قد تشكل الإدارة الأمريكية القادمة.

قد يميل الأمريكيون إلى التساؤل عما إذا كانت الصين تفضّل إدارة هاريس أو إدارة ترامب الثانية -أو ما إذا كانت تفضل الديمقراطيين أم الجمهوريين. في عام 1972، أخبر الرئيس ماو تسي تونج الرئيس ريتشارد نيكسون أنه يحب اليمين السياسي في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية. ورغم أن ماو لم يقدم سببًا لهذا التفضيل، فمن المرجح أنه رأى أن نيكسون وغيره من الزعماء الغربيين ذوي الميول اليمينية يولون اهتمامًا أكبر للمصالح الاقتصادية والأمنية لبلدانهم، في حين كان الساسة على اليسار يميلون إلى تأسيس سياساتهم على الأيديولوجية والقيم السياسية.

ولكن من الصعب الحكم على ما إذا كان الديمقراطيون أو الجمهوريون هم من قدموا إسهامًا أكبر في العلاقات الأمريكية الصينية. على سبيل المثال، على الرغم من أن نيكسون، الجمهوري، كان أول من كسر الجليد مع الصين، فإن الرئيس جيمي كارتر، الديمقراطي، هو الذي قرر إقامة علاقات دبلوماسية مع بكين. ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، كان هناك سبعة رؤساء ديمقراطيين وسبعة رؤساء جمهوريين في الولايات المتحدة، وحدثت اختراقات وأزمات كبرى في العلاقات الثنائية في عهد كل منهما.

وينطبق الشك نفسه على التقييمات الصينية للحزبين اليوم، فعندما تولى ترامب منصبه في 2017، كان اهتمامه الأول بالصين هو العجز التجاري الهائل للولايات المتحدة، وللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، تم التعامل مع العجز، فضلًا عن التفوق التكنولوجي للصين، باعتباره قضية أمن قومي.

في إطار هذه السياسة، بدأت إدارة ترامب بفرض تعريفات عقابية على الواردات الصينية، ثم وسّعت حملتها لتشمل زيادة التدقيق والقيود على الاستثمارات الصينية، وتشديد ضوابط تصدير التكنولوجيا العالية، وإجراءات مستهدفة ضد شركات صينية محددة ذات وجود كبير في الخارج، مثل هواوي. وفيما يتصل بقضايا الأمن، قدمت إدارة ترامب لتايوان ضمانات أمنية خاصة وقللت من أهمية سياسة «الصين الواحدة» القائمة منذ فترة طويلة؛ وضخت موارد جديدة في الرباعية (مجموعة أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة) في محاولة لتحقيق التوازن الجماعي مع الصين؛ وكثفت الأنشطة العسكرية الأمريكية في غرب المحيط الهادئ لتحدي المطالبات الإقليمية للصين.

وفي عام 2020، وفي خضم عام انتخابي معقد في الولايات المتحدة، أدى انتشار جائحة كوفيد-19 إلى تسريع تدهور العلاقات بين واشنطن وبكين. ألقت إدارة ترامب باللوم في أزمة الصحة العامة على الحكومة الصينية، وعلّقت معظم الحوارات الثنائية، وتبنّت موقفًا عدائيًّا تجاه الصين نفسها. في يوليو 2020، أمرت الحكومة الأمريكية حتى القنصلية العامة الصينية في هيوستن بإغلاق أبوابها، متهمة إياها بأنها «مركز للتجسس وسرقة الملكية الفكرية».

عزز بايدن التوجه العدائي بشكل عام لسياسات حقبة ترامب من خلال طرق أكثر منهجية وتعددية الأطراف، والذي أطلقت عليه إدارته اسم «الاستثمار والتوافق والتنافس». وفي أول خطاب له عن السياسة الخارجية، في فبراير 2021، وصف بايدن الصين بأنها «المنافس الأكثر جدية» للولايات المتحدة وتعهد «بمواجهة مباشرة» التحديات التي تشكلها على «ازدهار الولايات المتحدة وأمنها وقيمها الديمقراطية».

على الرغم من المنافسة الشرسة التي خاضتها إدارة بايدن مع الصين، فقد حافظت على قنوات اتصال رفيعة المستوى منتظمة واستمرت في استكشاف مجالات التعاون. عقد بايدن اجتماعات مباشرة مع الرئيس الصيني شي جين بينج في بالي بإندونيسيا في نوفمبر 2022، وفي سان فرانسيسكو في نوفمبر 2023، حيث تعهد الزعيمان بالحفاظ على علاقة ثنائية مستقرة وصحية.

لا يتصور الاستراتيجيون الصينيون أن السياسة الأمريكية تجاه الصين قد تتغير على مدى العقد المقبل. وحسب استطلاعات الرأي العام الأمريكية والإجماع الحزبي بشأن الصين في واشنطن، فإنهم يفترضون أن أي شخص سيتم انتخابه في نوفمبر 2024 سوف يستمر في إعطاء الأولوية للمنافسة الاستراتيجية وحتى الاحتواء في أسلوب واشنطن تجاه بكين، مع تراجع التعاون والتبادلات إلى المرتبة الثانية.

من المؤكد أن إدارة ترامب الجديدة ستسعى إلى اتباع سياسة تجارية أكثر عدوانية تجاه الصين. وقد اقترح ترامب بالفعل فرض تعريفة جمركية بنسبة 60% على جميع السلع المصنّعة في الصين، فضلًا عن إلغاء وضع العلاقات التجارية الطبيعية الدائمة للصين، والذي منحها شروطًا تجارية مواتية غير تمييزية وسمح لها بالوصول إلى السوق منذ عام 2000.

ولكن نظرًا لميل ترامب إلى عقد الصفقات، فقد يقرر السعي إلى إبرام اتفاقيات ثنائية مع بكين بشأن السلع الاستهلاكية والطاقة والتكنولوجيا. وقد يحاول أيضا استخدام قضية تايوان كورقة مساومة لكسب النفوذ في مجالات أخرى، مثل عرض كبح جماح تصرفات تايوان الاستفزازية مقابل تنازل بكين عن التجارة. ولكن من غير المرجح إلى حد كبير أن توافق الصين على مثل هذه الصفقة، وقد يعارضها مستشارو ترامب في السياسة الخارجية أيضا.

من جانبها، من المرجح أن تعمل إدارة هاريس، على افتراض أنها احتفظت بقدر كبير من سبل بايدن، على تكثيف المنافسة الاستراتيجية مع بكين وتعزيز جهود بايدن لبناء تحالف من الدول الغربية والآسيوية لموازنة الصين. وبالمقارنة مع السياسات التعسفية والمتقلبة لترامب، من المرجح أن تظل هذه الاستراتيجيات أكثر تنظيمًا ويمكن التنبؤ بها.

ومن منظور صيني، من المرجح أن تكون سياسات إدارة ترامب الجديدة وإدارة هاريس تجاه الصين متسقة استراتيجيًّا. كرئيسين، سيقدم كلا المرشحين تحديات وعيوبًا للصين، ولا يبدو من المرجح أن يرغب أي منهما في صراع عسكري كبير أو قطع جميع الاتصالات الاقتصادية والمجتمعية. لذلك، من غير المرجح أن يكون لدى بكين تفضيل واضح، علاوة على ذلك، لدى الصين رغبة قوية للحفاظ على علاقة مستقرة مع الولايات المتحدة وتجنب المواجهة أو الاضطرابات الكبرى.

وانج جيسي باحث صيني في العلاقات الدولية والأكاديمية، ويشغل حاليا منصب رئيس معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية بجامعة بكين.

هو ران باحث مشارك في معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية بجامعة بكين

تشاو جيانوي باحث مشارك في معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية بجامعة بكين.

الترجمة عن موقع Foreign Affairs