هستيريا المنطاد خطِرة وغير مُبرَّرة

08 فبراير 2023
08 فبراير 2023

ترجمة - قاسم مكي -

إذن انتهت معركة المنطاد، وليس مفاجئا أن أمريكا انتصرت. ففي يوم السبت أسقطت طائرة أف 22 رابتور المنطادَ الذي كان في الأسبوع الماضي يعبُر الولايات المتحدة. طائرة أف 22 أحد أحدث أنظمة التسلح الأمريكية والمنطاد أحد أكثر أنظمة المراقبة الصينية بدائية.

الحادثة بِرُمَّتها تكدِّرني وتثير قلقي. عفوا. لم يكن قلقي بسبب منطاد التجسس. فانتهاك المجال الجوي للولايات المتحدة غير مقبول. لكن المنطاد لم يشكل أي خطر فِعلي. ومن المشكوك فيه أنه جمع أية معلومات استخبارية لا يمكن أن تحصل عليها أقمار التجسس الصناعية الصينية. ما يقلقني رد الفعل الهستيري من جانب أمريكيين عديدين على رحلة المنطاد.

زعم الرئيس السابق دونالد ترامب أن بايدن «سلَّم الآن المجالَ الجوي الأمريكي للصين». قال ترامب ذلك على الرغم من أن البنتاجون ذكر أن المناطيد الصينية عبرت المجال الجوي للولايات المتحدة ثلاث مرات على الأقل خلال فترة رئاسته هو نفسه.

وقال حاكم ولاية نيوهامشير الجمهوري الجديد كريس سنونو «الرئيس أخفق هذه المرة».

وكتب مضيف البرنامج الحواري مارك ليفين في تغريدة ساخطا «يا جو (بايدن) الرجل الشديد القوي. (ما فعلته) أقل مما يلزم وجاء متأخرا». وقال عنه أيضا: «لقد تم شراؤه وسُدِّدَ ثمنُه بواسطة الحكومة الصينية الشيوعية».

ما الذي يفترض أن يكون بايدن قد فعله؟ هل يجب عليه شخصيا أن يقفز إلى مقعد قيادة طائرة أف 22 ويقود الهجوم على المنطاد مثلما فعل الرئيس في الدور الذي لعبه الممثل بيل بولمان في فيلم «عيد الاستقلال؟» هل كان ينبغي عليه أن يوجه ضربة نووية ضد الصين ردا على ذلك؟

الجمهوريون ليست لديهم أية بدائل واضحة. لكن ذلك لم يوقف «شهقاتِهم». حاجج عضو مجلس الشيوخ الجمهوري ماركو روبيو بأن الصين أرسلت المنطاد لكي تُظهِر أن «الولايات المتحدة التي كانت دولة قوة كبرى في وقت ما اضمحلَّت وهي في تدهور وانحدار».

كان رد الفعل مبالغا فيه إلى حد أن بايدن اضطر إلى تأجيل رحلة وزير الخارجية انتوني بلينكن إلى الصين. وهذا شيء غاية في السوء؛ لأن الهستيريا التي ثارت حول منطاد التجسس تؤكد الحاجة إلى إقامة خطوط اتصال أفضل مع بكين لمنع التوترات الأمريكية الصينية من الخروج عن حد السيطرة.

مع ذلك جاء هوس المنطاد بعد أيام قليلة فقط من إرسال الجنرال مايكل مينِهان قائد قيادة الحركة الجوية بالقوات الجوية الأمريكية مذكرة إلى مرؤوسيه يتنبأ فيها بنشوب الحرب مع الصين خلال عامين. جاء في المذكرة «أملي أن أكون مخطئا. إحساسي يقول لي إننا سنتقاتل في عام 2025».

وعلى نحو يبدو شبيها بتصرفات الجنرالات المعتوهين في فيلم ستانلي كوبريك الساخر عن الحرب الباردة «دكتور سترينجلوف» نصح مينِهان جنوده الذين يتولون تشغيل وصيانة طائرات النقل بإطلاق مشط رصاص بنادقهم على «شاخص الرماية على مبعدة 7 أمتار مع التصويب على الرأس». (يقصد أن على جنوده الذين هم أفراد خدمات جوية للقوات المقاتلة وليسوا جنود اشتباك قتالي بالتدرب على القتال الشرس الذي لا رأفة فيه استعدادا للحرب القادمة التي يتخيلها مع الصين- المترجم).

على مينٍهان وأي أحد آخر يعتقد أن الحرب وشيكة (مثل رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب ميكل ماكول) السيطرة على عواطفهم والهدوء.

وقد قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز في الأسبوع الماضي: إن الزعيم الصيني شي جينبينج أمر قواته العسكرية بالاستعداد لغزو تايوان بحلول عام 2027. لكن «ذلك لا يعني أنه قرر القيام بغزو في عام 2027 أو في أي عام آخر».

في الواقع ذكر بيرنز أن الحرب الروسية الأوكرانية قد تجعل شي يتمهل قبل أن يشن هجوما خاصا به ومحفوفا بالمخاطر.

الحرب مع الصين يمكن تجنبها ويجب تجنبها. لكننا نجعلها أكثر احتمالا بافتراض حتميَّتها أو إطلاق العنان لمخاوف مبالغ فيها من القوة الصينية.

نوع الرُّهاب (الخوف المرضي) المعادي للصين الذي نشاهده اليوم يذكرني بالأيام المبكرة للحرب الباردة. وقتها كان هنالك إحساس بأن الولايات المتحدة تخسر الصراع الدولي مع الشيوعيين وأن الحرب العالمية الثالثة قد تكون قريبة.

كانت تلك عقلية خطرة ومدمرة قادت إلى حملات اضطهاد تحت راية مطاردة الشيوعيين داخل الولايات المتحدة وإلى تدخلات عسكرية فاشلة ومكلفة مثل التدخل الأمريكي في فيتنام. وكادت أن تقود إلى نهاية نووية للعالم أثناء أزمة الصواريخ الكوبية.

في الحقيقة لم يكن الاتحاد السوفييتي أبدا قويا أو طائشا مثلما تخيل العديدون ولا الصين هي الآن كذلك. فالرئيس شي يقود بلدا يشيخ سكانه ويتباطأ اقتصاده ولديه قلة من الأصدقاء. وذلك يساعد على تفسير السبب الذي دعاه مؤخرا إلى محاولة تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا.

وفي حين أن عدد سكان الولايات المتحدة أقل من سكان الصين، إلا أنها فعليا أقوى بكل مقاييس القوة الخشنة أو الناعمة. في الواقع وجد معهد «لوي» الأسترالي في تقريره السنوي عن توازن القوى في آسيا أن الولايات المتحدة لا تزال في المركز الأول وتتقدم على الصين. ويوضح مؤشر المعهد أن الولايات المتحدة تقود الآخرين في «الموارد المستقبلية والمرونة والشبكات الدفاعية والنفوذ الثقافي والقدرة العسكرية».

إلى ذلك شهد الأسبوع الماضي تذكيرا آخر بإحدى ميزاتنا الرئيسية (فنحن لدينا عدد من الحلفاء أكبر بكثير مما لدى الصين) عندما وافقت الفلبين على استخدام الولايات المتحدة أربع قواعد عسكرية إضافية.

أي من تلك الميزات لا تبطلها قدرة الصين على إطلاق منطاد فوق أجواء الولايات المتحدة. في الواقع ليس واضحا أن الصين حققت أي شيء بخلاف تخويف الأمريكيين من التهديد الذي تشكله.

القلق الصِّحِّي من النفوذ المتنامي للصين مبرَّر. لكن الرهاب وإثارة الهلع ليسا كذلك.

لا تزال الولايات المتحدة القوة رقم واحد في العالم ويمكن أن نظل كذلك طالما لم نرتكب خطأ فادحا يقود إلى حرب كارثية وغير ضرورية مع القوة رقم اثنين التي ربما بلغ صعودها سلفا ذروته (التي لا ذروة له بعدها).

ماكس بوت كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست وزميل أول دراسات الأمن القومي بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ومؤلف كتاب تحت عنوان «الطريق التي لم تُسلَك- إدوارد لاندسيل والمأساة الأمريكية في فيتنام».

ترجمة خاصة لـ «$»