هجوم عالمي على المرأة العاملة بالسياسة
ترجمة ـ نهى مصطفى
خلال هذا العام توجه ما يقرب من نصف سكان العالم إلى صناديق الانتخابات في بلدانهم، وتدعو النتائج إلى الكثير من التشاؤم، ففي العديد من الأماكن، تدفق الناخبون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أو إعادة انتخاب الشعبويين المستبدين، الذين حققوا انتصارات في كثير من البلدان، مثل الهند وإندونيسيا وروسيا. ويأتي هذا الفوز في أعقاب الانتصارات الشعبوية الأخرى في الأرجنتين وتركيا العام الماضي.
واليوم، أكثر من 70% من سكان العالم يعيشون تحت حكم استبدادي، وأقلية من حكومات العالم تعتبر ديمقراطية، وفقًا لأحدث تقرير سنوي صادر عن معهد V-Dem، وهو معهد للدراسات الديمقراطية، ولكن ما لا يكشفه التقرير هو أن أحد المكونات الأساسية لهذا الهجوم على الديمقراطية هو استهداف القيادات السياسية النسائية وحقوق المرأة من قبل المتطرفين اليمينيين والشعبويين المستبدين المنتخبين، الذين يمثلون انحدار الديمقراطية.
فعلى مدى ثلاثة عقود، كانت حصة المُشرعات من النساء في جميع أنحاء العالم في تزايد بفضل الحصص الإلزامية في العديد من البلدان، لكن معدل الزيادة توقف خلال العامين الماضيين، وهي إشارة وصفتها السفيرة الأمريكية المتجولة لقضايا المرأة العالمية، جيتا راو جوبتا، بأنها "مخيفة". تشغل النساء اليوم 27 % فقط من مقاعد الهيئات التشريعية في العالم، والعلامة الأكثر وضوحًا هي أن عدد النساء اللاتي يقدن الدول انخفض بشكل حاد في العام الماضي.
الواقع أن التراجع في التمثيل يمكن تفسيره جزئيًا بالتهديدات والعنف الذي تواجهه النساء العاملات بالسياسة عبر الإنترنت وخارجه. ووفقا للاتحاد البرلماني الدولي، وهي منظمة دولية للبرلمانات الوطنية، تلقت ما يقرب من نصف المُشرعات تهديدات عنيفة ومن المرجح أن يتم استهدافهن بسبب جنسهن أكثر من الرجال.
ومنذ بدأ "مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة"، الذي يتتبع الصراعات في أنحاء العالم، في جمع البيانات في عام 2019، وثق ارتفاعًا عالميًا في العنف الجسدي ضد النساء التي تعمل بالسياسة. وتشمل الحالات البارزة في الولايات المتحدة اقتحام منزل رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي والهجوم عليه، حيث كان المهاجم يسعى إلى استهدافها، ومحاولة اختطاف حاكمة ميشيجان جريتشن ويتمر في عام 2020.
وغالبا ما كان يتم احتضان مثل هذه الهجمات السيبرانية، لكنها لم تعد تقتصر على زوايا مجهولة من الإنترنت. فقد أصبحت الكراهية عبر الإنترنت سائدة، حيث يتبنى الساسة والشخصيات الإعلامية اليمينية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم بشكل متزايد وجهات نظر متطرفة.
تعد نسبة النساء المنتخبات في الحكومة هي أحد مقاييس صحة الديمقراطية، لأن النساء يشكلن نصف سكان العالم ويجب أن يتمتعن بالحقوق والتمثيل الكامل. لكن بعد عقود من التقدم التدريجي، انخفض عدد النساء اللاتي يشغلن منصب رئيس الدولة أو الحكومة في 195 دولة من 38 منصبا في عام 2023 إلى 27 اليوم.
استقالت قيادات نسائية في فنلندا ونيذرلاند ونيوزيلندا وسلوفاكيا واسكتلندا أو اخترن عدم الترشح لإعادة الانتخاب، ووفقًا للاتحاد البرلماني الدولي، تغادر واحدة من كل ست برلمانيات حول العالم قبل انتهاء ولايتها. وهذا العام، قررت 14 عضوة في الكونجرس الأمريكي أيضًا عدم الترشح لإعادة الانتخاب، مما سجل رقمًا قياسيًا جديدًا للمُغادرات. وبحسب مركز المرأة الأمريكية والسياسة، انخفض عدد المرشحات المحتملات بنسبة 21% منذ عام 2022، عندما كان العدد الإجمالي 513. وتعد الإحصاءات العالمية بشأن معدلات الترشح غير مكتملة، لكن راو جوبتا ومسؤولين من حكومات أخرى أفادوا بأن النساء اللواتي يلتقون بهن في مختلف أنحاء العالم يتجنبن تولي المناصب السياسية بسبب هجمة التهديدات العنيفة والإساءة لهن عبر الإنترنت. وتُظهِر الدراسات أن النساء اللواتي يشغلن مناصب حكومية ومحلية أكثر عرضة للتعرض للإساءة بثلاث إلى أربع مرات من الرجال، وفي الولايات المتحدة، تزداد معدلات الإساءة والتهديدات ضد النساء كلما ارتفع المنصب.
في نيوزيلندا، تضاعفت التهديدات العنيفة بسرعة ضد رئيسة الوزراء السابقة، جاسيندا أرديرن، خلال فترة ولايتها. طاردها المتظاهرون وتعرضت للتهديد بالاغتيال والاغتصاب، كما تعرضت أسرتها للتهديد. خلال هذه الفترة، قامت جامعة أوكلاند بتتبع زيادة في معدلات الإساءة عبر الإنترنت والتهديدات ضد عضوات البرلمان، لكن أرديرن عانت أكثر من الإساءة بنحو 50 إلى 90 مرة مقارنة بالشخصيات البارزة الأخرى. فلا عجب أنها استقالت، على الرغم من شعبيتها الواسعة. وقالت في ذلك الوقت إنه "لم يتبق لديها ما يكفي من الوقود لاستكمال المسيرة".
ولكنها ليست المرأة الوحيدة من النساء القياديات اللواتي واجهن مستويات غير مسبوقة من التهديدات.
فقد استقالت نائبة رئيس الوزراء النيذرلاندية سيجريد كاج، تحت حماية الشرطة المشددة بسبب التهديدات بالقتل، بعد أن توسلت إليها بناتها علنًا للقيام بذلك خوفًا على حياتها. واستقالت سانا مارين، أصغر رئيسة وزراء في فنلندا وثالث امرأة تشغل هذا المنصب، بعد إعادة انتخابها، بعد انتشار مقطع فيديو لها وهي ترقص في حفل خاص. ووجدت دراسة أجراها حلف شمال الأطلسي لحكومتها أن غالبية الوزيرات تلقين عشرة أضعاف الهجمات عبر الإنترنت التي تلقاها الأعضاء الذكور.
وحتى في البلدان التقدمية في أوروبا، هناك رد فعل عنيف ضد النساء. وفي إشارة إلى هذه الأوقات الصعبة، فاز حزب اليمين المتطرف في نيذرلاند، بقيادة خيرت فيلدرز، بأكبر عدد من الأصوات في نوفمبر. ولم يعد فيلدرز منبوذًا، بل إنه يستعد الآن لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب رئيس الوزراء السابق مارك روته، الذي من المنتظر أن يصبح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي.
والغريب هو الدور الذي لعبته النساء في انحدار الديمقراطية والهجمات على النساء الأخريات، حيث يمكنهن أن يكن مستبدات وتحركهن القضايا أو المصالح المختلفة. فقد فازت رئيسة الوزراء البنجلاديشية الشيخة حسينة، التي سجنت منافستها في الانتخابات التمهيدية طوال فترة ولايتها وأجرت انتخابات مشكوك في صحتها، بفترة ولاية رابعة على التوالي في يناير.
كما تقود النساء بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي اكتسبت أرضية في أوروبا، حيث تفوز المرشحات المعاديات للهجرة والنازية الجديدة والمشككة في أوروبا بأصوات الناخبين. فاز حزب الجبهة الوطنية، وهو حزب فاشي جديد في فرنسا، بنسبة 31.5٪ من أصوات الاتحاد الأوروبي في أوائل يونيو، مما دفع رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدعوة إلى انتخابات وطنية مبكرة. وقد خففت مارين لوبان، زعيمة التجمع الوطني، من وجهات النظر الشعبوية الوطنية الأكثر تطرفًا التي تبناها والدها، الذي أسس الحزب، حتى أنها صوتت بالموافقة على التعديل الدستوري الأخير لتقنين الإجهاض. وفي إيطاليا تقود الحكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، التي يتمتع حزبها أيضًا بجذور فاشية.
الشعبية المتزايدة للأحزاب السياسية اليمينية في أوروبا وأماكن أخرى تشكل تهديدًا للمرأة والديمقراطية، فالسياسيون الشعبويون يهاجمون صراحة النسوية والمساواة بين الجنسين أو يخفون مواقفهم الرجعية وراء خطاب استعادة "القيم الأسرية التقليدية". وبمجرد توليهم مناصبهم، عمل هؤلاء القادة على تقليص التمويل الحكومي والموارد التي تدعم المساواة بين الجنسين والمساواة في الحقوق. وفي المجر، جمع فيكتور أوربان بين السياسات المناهضة للهجرة والتدابير التي تلغي المساواة بين الجنسين، فقد حظر الدراسات الجنسانية في المدارس وفكك سلطة المساواة الحكومية. ويصف أوربان الأمومة بأنها الدور المركزي للمرأة وواجب وطني لإنقاذ الأمة من المهاجرين.
وحتى عندما أطاح الناخبون بالأحزاب اليمينية المتطرفة، كما حدث في بولندا في أكتوبر، فإن استمرار نفوذ الأحزاب كان سببًا في عرقلة محاولات استعادة الحقوق وعكس السياسات.
لقد أدى عاملان إلى تآكل الديمقراطية والهجوم الموازي على حقوق المرأة: هجرة التطرف اليميني إلى السياسة السائدة، والإنترنت غير المقيد، حيث تتنافس تأثيرات الواقع الافتراضي مع تأثيرات الحياة الواقعية. ومع انتقال التطرف اليميني إلى السياسة السائدة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، فإن عنصريته ومعاداته للسامية وكراهية الأجانب عادة ما تكون محور التغطية الإعلامية. وعادة ما يوصف المتطرفين بأنهم من النازيين الجدد والمتفوقين البيض وكارهي الإسلام دون الإشارة إلى الدور المركزي الذي تلعبه السيطرة على النساء وقمعهن والعنف ضدهن في وجهات نظرهم للعالم.
وخلف خطاب "القيم الأسرية التقليدية" للعديد من الأحزاب اليمينية توجد أجندة مؤيدة للإنجاب.
في فرنسا، يقع حزب الاسترداد على يمين الجبهة الوطنية، الذي تتزعمه لوبان. وكما يوحي الاسم، فإن مؤسسه، إريك زيمور، يتبنى نظرية الاستبدال ونظرية الإنجاب التي تبناها جان ماري لوبان (والذي وصف الإجهاض بأنه "إبادة جماعية مناهضة للفرنسيين") مع منصة مناهضة للنسوية تدعو النساء إلى إنتاج أغلبية جديدة من الفرنسيين البيض.
في الولايات المتحدة، كانت نظرية الاستبدال متداولة في الغالب في مجموعات منشقة وزوايا مظلمة من الإنترنت. لكن أصبح الخطاب المتطرف يتم توزيعه بشكل متزايد من قبل شخصيات في وسائل الإعلام والسياسة الأمريكية السائدة. قدم مذيع قناة فوكس نيوز السابق تاكر كارلسون نظرية الاستبدال العظيم، ونشر فكرة أن الحزب الديمقراطي سعى إلى استخدام المهاجرين والأشخاص الملونين لتخفيف القوة التصويتية للرجال البيض. قال كارلسون في عام 2021: "التغيير الديموجرافي هو مفتاح الطموحات السياسية للحزب الديمقراطي".
يتبنى الشعبويون، الذين يكسرون القواعد مثل ترامب وأوربان والرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، وجهات نظر معادية للنساء على أعلى المستويات. أصبحت النزعة الجنسية وكراهية النساء في الخطاب اليميني أكثر وضوحا بشكل مطرد. وعلى الرغم من أن بعض هؤلاء السياسيين ربما تبنوا وجهات نظر معادية للنساء بشكل انتهازي لزرع الانقسام وكسب الأتباع، إلا أنهم في كثير من الحالات يتناغمون مع آرائهم الجنسية.
تلعب التكنولوجيا دورًا في الهجوم المزدوج على الديمقراطية والنساء آخذ في النمو. فقد ربطت شبكة الإنترنت بين المتطرفين اليمينيين في شبكة عالمية تتواصل من خلال الرسائل عبر الإنترنت والتطبيقات مثل تيليجرام وديسكورد. والنساء هن المتلقيات لأغلب الهجمات القائمة على الجندر من خلال بنية إنترنت غير منظمة إلى حد كبير تعمل على نشر وتضخيم المحتوى البغيض من خلال خوارزميات مصممة لزيادة عدد النقرات والاحتفاظ باهتمام الناس.
تظهر استطلاعات الرأي المتعاقبة التي يرجع تاريخها إلى عام 2016 أن نحو 80% من البرلمانيات يتعرضن لهجمات على أساس الجندر، وأكثر من 40% يتعرضن للتهديد بالاغتصاب أو القتل أو الهجمات العنيفة، و25% يتعرضن لاعتداءات جسدية. وفي اجتماع عقد مؤخرا على هامش لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة، جلس المسؤولون التنفيذيون في شركة مايكروسوفت في حالة ذهول بينما وصفت البرلمانيات من إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية التهديدات الشرسة التي تصل إلى بريدهن الإلكتروني عدة مرات في الساعة. قرأت لوسيا نيكلسونوفا، نائبة رئيس البرلمان السلوفاكي السابقة وعضو البرلمان الأوروبي الحالي، تغريدة طويلة وعنيفة من شخص تعهد بإسكاتها بالتهديد باغتصابها وتشويهها وقتلها. واستشهدت سيلفانا كوتش-ميرين، مؤسسة مجموعة القيادات السياسية النسائية، وهي المجموعة التي عقدت الحدث، بدراسة وجدت أن معدلات التغريدات البغيضة والمسيئة يمكن أن تصل في المتوسط إلى 2000 تغريدة في الساعة.
الواضح هو أن تطرف سياسات اليمين وقوة التكنولوجيا السامة يعززان ويعجلان بالتحيز الجنسي الراسخ بدلا من القضاء عليه. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الأجيال الأصغر سنًا من الرجال أقل دعما للنسوية من كبار السن. ووجد استطلاع أجرته شركة إيبسوس للمشاركين في 31 دولة أن 60% من الرجال من الجيل زد يعتقدون أن المساواة بين الجنسين تميز ضدهم، مقارنة بنحو 43% من الرجال من جيل طفرة المواليد. وتتحد هذه المواقف الجنسية المتزايدة تجاه النساء مع الحواجز البنيوية التي لا تزال النساء في السياسة يواجهنها، بما في ذلك الافتقار إلى رعاية الأطفال والإجازات العائلية، وفجوات الأجور، والوصول إلى المناصب القيادية في الحزب. ويكشف أحدث مسح للقيم العالمية عن بنية تحتية محبطة من التحيز المستمر العنيد الذي ظل دون تغيير على مدى العقد الماضي.
ويعتقد نصف الذين شملهم الاستطلاع (رجال ونساء) أن الرجال، لمجرد كونهم رجالا، يشكلون قادة أفضل. وبفارق أكبر كثيرًا، يعتقد عامة الناس أن النساء أقل استعدادا لاتخاذ قرارات الحياة أو الموت التي يتعين على رؤساء الحكومات اتخاذها وهم يديرون الأمن القومي والسياسة الخارجية.
يعتبر هذا التحيز ضد القيادات النسائية خاطئا، حيث أظهرت العديد منهن قيادة سليمة وشجاعة بشكل غير عادي أثناء التعامل مع الأزمات. فقد نجحت رئيسة تايوان تساي إنج ون، التي تولت منصبها لفترتين، في مواجهة العدوان، مؤكدة على استقلال تايوان دون إثارة استياء القادة الصينيين بشكل كبير. وفي إستونيا، ساعدت رئيسة الوزراء كاجا كالاس في حشد أوروبا في وقت غير مسبوق من التهديد. ودافعت رئيسات جورجيا وكوسوفو ومولدوفا بجرأة عن بلدانهن ضد العدوان والترهيب من قبل روسيا.
وعلى الرغم من أن الدول الكبيرة تقود الطفرة الاستبدادية، إلا أنه يمكن تعلم الكثير من الدول الثماني عشرة التي تتجه نحو الديمقراطية، وفقًا لتحليل V-Dem، وهي دول صغيرة في الغالب، وكثير منها تقوده نساء، حيث استعادت هذه الدول الحكم الرشيد وقللت من الاستقطاب الذي ينهش العديد من البلدان.
•ليندا روبنسون زميلة بارزة في شؤون المرأة والسياسة الخارجية في مجلس العلاقات الخارجية.
•الترجمة عن موقع Foreign Affairs