نهاية الدولة المنبوذة

16 سبتمبر 2023
16 سبتمبر 2023

ترجمة: أحمد شافعي -

عندما وصل كيم جونج أون إلى فلاديفوستوك على متن قطاره المدرع للقاء فلاديمير بوتين في أبريل 2019، كان في انتظاره استقبال صاخب. إذ قامت فرقة عسكرية روسية بالغناء لدى وصوله إلى المحطة وشرب الرئيس الروسي نخبه في عشاء احتفالي. بالنسبة للزعيم الكوري الشمالي، الذي توقفت اتصالاته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة قبل شهرين وعانى اقتصاده وطأة العقوبات الدولية، أتاح له ذلك الترحيب الفخم إظهار أن نظامه ليس معزولا تماما. في حين كان من الصعب رؤية فوائد ذلك لبوتين.

فقد كانت التجارة بين روسيا وكوريا الشمالية في حدها الأدنى، وروسيا صوتت لصالح فرض عقوبات صارمة على كوريا الشمالية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2017 بعد التجربة النووية السادسة التي أجرتها تلك الدولة الآسيوية. وباستثناء إظهار أن موسكو لا تزال تتمتع ببعض النفوذ في بيونج يانج وأن بوتين لاعب دبلوماسي جاد، لم يكن لدى كيم أي شيء يمكن أن يرغب فيه الزعيم الروسي حقا.

لكن بعد أربع سنوات، مع عودة كيم إلى أقصى الشرق الروسي، تغير العالم. فبعد الوباء الذي دفع كوريا الشمالية إلى إغلاق حدودها، مما تسبب في نقص مدمر في الغذاء في الدولة الفقيرة بالفعل، ومع سعي روسيا للحصول على إمدادات عسكرية لمواصلة حربها على أوكرانيا، يجد بوتين وكيم أن لديهما الآن الكثير مما يمكن أن يقدمه أحدهما للآخر. فموسكو تحتاج إلى الأسلحة، وتحديدا قذائف المدفعية والصواريخ المضادة للدبابات لتجديد ترسانتها المتضائلة. وتحتاج بيونج يانج إلى مساعدات غذائية، وإلى شريك يمنع فرض المزيد من العقوبات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومساعدة فنية في تطوير أنظمة أسلحة متقدمة، من قبيل الغواصات ذات القدرة النووية والأقمار الصناعية العسكرية.

نبَّه مسؤولون أمريكيون في الرابع من سبتمبر إلى أن الزعيمين يستعدان للاجتماع لمناقشة صفقة أسلحة، وتردد أن محادثات حول التعاون العسكري بين القوتين «تتقدم بنشاط». وسافر وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو إلى بيونج يانج في يوليو - وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 - حيث تجول في معرض للأسلحة مع كيم وأشاد بجيش البلد باعتباره «الأقوى» في العالم، بحسب ما نقلت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية.

من شأن إبرام صفقة أسلحة بين الدولتين أن تنتهك عقوبات الأمم المتحدة التي وافقت روسيا على فرضها على كوريا الشمالية، وقد حذر جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، في الخامس من سبتمبر من أن بيونج يانج سوف «تدفع الثمن» في حال مساعدتها لبوتين في حربه على أوكرانيا. ولكن من الصعب أن نتصور كيف يمكن إقناع كيم بعدم المضي قدما. وخاصة إذا كان واثقا من أن روسيا – وربما الصين - سوف تمنع أي إجراء آخر ضده في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

تعد كوريا الشمالية واحدة من أكثر الدول التي تخضع لعقوبات شديدة في العالم، وقد أمضى الرئيس الشاب معظم عقده الأول في السلطة باعتباره منبوذا دوليا. ومع ذلك فإن الدرس الذي تعلمه بلا شك هو أن السلوك السيئ يؤتي ثماره. فآلام العقوبات الدولية المفروضة حتى الآن شعر بها مواطنوه في المقام الأول، في حين لا يزال كيم ونخبة النظام يستمتعون في حياتهم بالرفاهية.

بالإضافة إلى ذلك، فقد اكتشف أنه حتى حالة النبذ ليست أبدية. ربما كان دونالد ترامب قد هدد كيم بـ«النار والغضب» وهو رئيس في عام 2017، لكنهما بحلول العام التالي كانا يتصافحان في سنغافورة. وفي الوقت نفسه، كانت البرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية تتقدم بشكل مضطرد، موفرة للنظام نوعا من الأمن استعصى على والد كيم وجده، أول زعيمين للدولة.

وفي دراسة حول التطور النووي في كوريا الشمالية نشرت في وقت سابق من العام الحالي، وصف إدوارد هاول الباحث في جامعة أكسفورد سلوك النظام بأنه «جنوح استراتيجي». وخلص إلى أنه على الرغم من أن انتهاك بيونج يانج المتكرر للأعراف الدولية قد أدى أيضا إلى تكبد تكاليف، «فمن خلال نشر مجموعة متنوعة من السلوكيات المنحرفة بطريقة استراتيجية، لأكثر من 30 عاما، تمكنت كوريا الشمالية من جني ثمار مفيدة».

وسوف يؤدي تعزيز العلاقات مع بوتين إلى تسريع هذه العملية بالنسبة لكيم. وبالإضافة إلى إمكانية ضمان المساعدات الاقتصادية التي يحتاج إليها بشدة لتحقيق أهدافه العسكرية بعيدة المدى، فإن بوسع علاقة وثيقة مع موسكو أن تقلل أيضا من اعتماده على الصين، وهي الحليف الرسمي الوحيد لكوريا الشمالية ومصدر أكثر من 90% من تجارتها الخارجية.

فبرغم التأكيدات المتكررة بأن بكين وبيونج يانج قريبتان من بعضهما البعض «قرب الشفاه والأسنان»، فإن العلاقة بين البلدين كانت في الحقيقة متوترة في كثير من الأحيان. وقد انضمت الصين إلى روسيا في التصويت لصالح فرض عقوبات على كوريا الشمالية في عام 2017، ولم يلتق شي جين بينج بكيم خلال سنواته الخمس الأولى في الحكم. ولم يفعل ذلك إلا في مارس 2018 بعد أن أعلن ترامب أنه سيلتقي بالزعيم الكوري الشمالي. ولن يغيب عن فطنة شي أن كيم اختار القيام بأول زيارة خارجية له منذ بداية الوباء إلى روسيا، وليس إلى الصين، ولن يرغب في التنازل عن نفوذه في بيونج يانج لبوتين.

لقد أرسلت بكين مسؤولين رفيعي المستوى لحضور الاحتفالات بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس كوريا الشمالية في وقت سابق من هذا الشهر، وينبغي أن نتوقع المزيد من مظاهر التضامن مع تحسن العلاقات بين كيم وبوتين. وسوف يتسارع هذا الاتجاه الدافئ بشكل أكبر مع استعار التنافس بين بكين وواشنطن، والتغيرات الجيوسياسية في المنطقة. لقد اتفقت اليابان وكوريا الجنوبية ـ حليفتا الولايات المتحدة ـ خلال قمة في كامب ديفيد في أغسطس الماضي على تنحية مظالمهما التاريخية جانبا والعمل معا لمواجهة التهديد المتصور من الصين. وفي وقت سابق من شهر سبتمبر، ذكرت وكالة المخابرات الكورية الجنوبية أن موسكو اقترحت تدريبات بحرية ثلاثية بين روسيا والصين وكوريا الشمالية.

لقد وصل كيم جونج أون إلى السلطة قبل أكثر من عقد من الزمن واعدا بتطوير ترسانة كوريا الشمالية النووية واقتصادها. وفي معظم السنوات الماضية، كانت الأولوية للترسانة. ولكن مع انقسام المجتمع الدولي وضعف روسيا، فربما يرى الزعيم الكوري الشمالي الآن فرصة سانحة لتحقيق الوعدين.

كاتي ستالارد كبيرة محرري شؤون الصين والعالم في مجلة نيو ستيتسمان. وهي مؤلفة كتاب «الرقص على العظام: التاريخ والقوة في الصين وروسيا وكوريا الشمالية»، وهي زميلة عالمية غير مقيمة في مركز ويلسون في واشنطن.

عن نيوستيتسمان