نظام إسرائيلي في الشرق الأوسط

22 ديسمبر 2024
22 ديسمبر 2024

ترجمة: أحمد شافعي -

أفضل سبيل إلى فهم ما يجري في الشرق الأوسط اليوم هو اعتباره صراعا على نظام إقليمي جديد. منذ هجمة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، ظهرت ثلاث رؤى متنافسة للنظام ثم تعثرت: رؤية حماس، ورؤية حزب الله- إيران، والرؤية الأمريكية. حاولت حماس إشعال حرب عديدة الجبهات بهدف تدمير إسرائيل. واستهدفت إيران، ومعها وكيلها حزب الله، حرب انتقامية من شأنها أن تتسبب في انهيار إسرائيل، وترغم الولايات المتحدة على الخروج من المنطقة. وأملت الولايات المتحدة، الواقفة بحزم وراء إسرائيل، في استقرار إقليمي قائم على إمكانات سياسية جديدة للإسرائيليين والفلسطينيين، وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، ومعاهدة دفاع بين واشنطن والرياض.

ولم تثبت أي من هذه الرؤى قابليتها للتطبيق: إذ أساءت حماس وحزب الله وإيران تقدير قوة الجيش والمجتمع الإسرائيليين والتحالف الأمريكي الإسرائيلي. وغالت الولايات المتحدة في تقدير قدرتها على التأثير في نهج إسرائيل في حرب غزة، ولم تتصد بالقدر الكافي للتهديد الإقليمي الذي تشكله إيران.

وبفشل هذه الرؤى الثلاث ينفتح المجال أمام رؤية رابعة أكثر واقعية هي الرؤية الإسرائيلية. على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، بدأت إسرائيل فرض قوتها لإعادة صياغة الشرق الأوسط، فقضت على قدرات حماس العسكرية، واستهدفت رأس قيادة حزب الله -بتحطيمها نهجه العتيد في الردع- وأرغمت الجماعة القائمة في لبنان على قبول شروط وقف إطلاق النار التي طالما قاومتها، فعزلت بذلك حماس وحرمت إيران من أقدر وكلائها. كما نفذت إسرائيل ضربات نوعية داخل إيران. ويمكن أن نفهم جزئيًا الإطاحة المستغلة للظروف بنظام الأسد في سوريا على أيدي القوات المتمردة باعتبارها محاولة لاستغلال تقويض إسرائيل لقوة إيران الإقليمية. ونتيجة لذلك، فقدت إيران ممرها البري الممتد من حدودها إلى حدود إسرائيل، وهو الممر الذي خصصت إيران موارد كبيرة لإقامته على مدار العقود الأربعة الماضية.

تمثل هذه التطورات تحولًا دراماتيكيًا: فعلى مدى قرابة عام بعد هجمات السابع من أكتوبر كانت رؤية إسرائيل لمستقبل المنطقة غائمة. كانت تدافع عن نفسها، وتقاتل بالتبعية للحفاظ على الوضع القائم الذي لا سبيل إلى إعادته. وبرغم أن عملياتها كانت عدوانية، أحجمت إسرائيل عن تعطيل ديناميات الردع القائمة مع حزب الله وإيران. بل إنها ترددت في فرض نظام جديد في الوقت الذي كانت تعد فيه على المستوى الدولي تحريضية وفي الوقت الذي هددت فيه الانقسامات المجتمع الإسرائيلي داخليا.

تعيد إسرائيل الآن صياغة الشرق الأوسط من خلال عمليات عسكرية، لكنها سوف تستفيد من تأكيد نفسها على الصعيد السياسي أيضا. فلديها كل من الفرصة والمسؤولية لتوجيه مسار المنطقة باتجاه واقع جديد، أميل إلى السلام والاستدامة. وفي الوقت الراهن تفوق قدرة إسرائيل على فرض تغييرات إقليمية فرضًا عسكريًا جاهزيتها لصياغة وتنفيذ رؤية استراتيجية متماسكة، وليست لديها حتى الآن أفكار استراتيجية واضحة تجاري نجاحاتها العملياتية. ويجب أن تدفع إسرائيل إلى إطار سياسي يتوافق مع نجاحاتها الميدانية. وبوسع تحالف عربي إسرائيلي مدعوم من الولايات المتحدة أن يصد أخطار الراديكاليين الشيعة والسنة، ويوفر للفلسطينيين مستقبلا سياسيا واقعيا، ويؤمّن مصالح إسرائيل الأمنية، ويضمن رجوع الرهائن الإسرائيليين الباقين في غزة إلى الآن، ويحول دون وقوع هجمة أخرى على التراب الإسرائيلي.

لا ينبغي أن تسعى إسرائيل إلى فرض رؤيتها لنظام إقليمي جديد منفردة. إذ يلزمها دعم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة وكذلك ألمانيا والمملكة المتحدة، حتى في الوقت الذي تمر فيه السياسة الخارجية الأمريكية بإعادة ترتيب في ظل الرئيس المنتخب دونالد ترامب. والوضع دقيق. لكن للمرة الأولى منذ هجمة السابع من أكتوبر، تسنح لإسرائيل فرصة كي تستغل اللحظة.

أفضل الخطط المطروحة

حينما أمر يحيى السنوار، زعيم حماس الراحل، بغزو إسرائيل في السابع من أكتوبر سنة 2023، فعل ذلك برؤية محسوبة للشرق الأوسط: في أعقاب هجمة حماس مباشرة، توقع هجومًا منسقًا من الميلشيات المدعومة من إيران في المنطقة من شأنه أن يلهم عرب إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية ببدء انتفاضة جديدة. وقد اعتمدت خطة السنوار على مشاركة من حزب الله ومن أعضاء آخرين في «محور المقاومة» المدعوم من إيران، بل ومن إيران نفسها، بما يفضي في نهاية المطاف إلى هزيمة عسكرية كاملة لإسرائيل.

ولكن السنوار ارتكب خطأ جسيمًا في تقدير الديناميات الإقليمية. في الثامن من أكتوبر، برغم أن حزب الله أعلن دعمه لحماس وبدأ قصف بلدات إسرائيلية، كانت أفعاله محدودة. وأطلقت ميلشيات شيعية من العراق وسوريا صواريخ ومسيّرات لتعطيل أنظمة الدفاع الجوية الإسرائيلية المتقدمة فلم تمثل هذه المحاولات تهديدًا ذا شأن لها. وانضم الحوثيون في اليمن إلى الهجوم باستهداف السفن في البحر الأحمر وأطلقوا الصواريخ على مدن إسرائيلية. وسهَّل بشار الأسد نقل الأسلحة الإيرانية إلى لبنان وإن لوحظ أنه أوقف الميلشيات الإيرانية عن مهاجمة إسرائيل من الأراضي السورية ولم يشرك الجيش السوري في الصراع، برغم مواجهته ضغوطا إيرانية للقيام بذلك. ولم يغزُ حزب الله أراضي إسرائيلية، مركِّزا بدلا من ذلك على تشتيت الجيش الإسرائيلي في الشمال لصرف انتباهه عن غزة. يضاف إلى ذلك إن الانتفاضة الفلسطينية التي رجاها السنوار لم تتحقق، وذلك جزئيا بسبب مسارعة الجيش الإسرائيلي إلى الانتشار الفعال في مناطق الضفة الغربية التي تشهد وجود حماس والجهاد الفلسطيني الإسلامي. وفي الوقت نفسه، استخدمت إسرائيل قوات كثيفة في غزة، فقتلت آلافا من مقاتلي حماس، وقتلت في النهاية السنوار نفسه.

أدى قرار إسرائيل الأولي بالانخراط في حرب مطولة إلى أن اجترأت إيران وحزب الله. إذ رأيا الصراع فرصة لتأكيد هيمنتهما الإقليمية. وخلافا لحماس التي كان هدفها هو تدمير إسرائيل مباشرة، سعت إيران سعيا أكثر تواضعا إلى تحسين موقفها الإقليمي. وسعت إيران ـ من خلال إدامة حرب انتقامية عديدة الجبهات مع إسرائيل ـ إلى زيادة الضغط على المجتمع الإسرائيلي وتعظيم تكلفة الحرب. ومع تركيز الولايات المتحدة في منافستها الاستراتيجية مع الصين وحرب أوكرانيا، توقعت إيران أن تمعن واشنطن في الانسحاب من المنطقة.

بدا رد إسرائيل الأولي على استراتيجية حزب الله وإيران متسما بالحذر. إذ أخلت إسرائيل المناطق الشمالية لإيجاد منطقة أمنية عازلة بدلا من غزو لبنان رأسا لمواجهة هجمات حزب الله الصاروخية، فسمحت فعليا لحزب الله بمواصلة ضرباته. فضلا عن ذلك، وبرغم دعم الولايات المتحدة علنا لإسرائيل، عجزت الحكومات الغربية إلى حد كبير عن فرض تكاليف ذات شأن على محور المقاومة المدعوم من إيران. وعجزت عن إيقاف ميليشيات الحوثيين في اليمن عن التدخل في المرور البحري بالبحر الأحمر، فتسبب ذلك العجز في اجتراء الجماعة على تصعيد هجماتها على إسرائيل. وحجّم الضغط الدولي قدرة إسرائيل على تحقيق هزيمة حاسمة على حماس وزاد من أمل السنوار في أن تعجز إسرائيل عن إدامة القتال طويلا. واجتمعت هذه العوامل فأدت إلى أن تصورت إيران وحلفاؤها أن إسرائيل قد تجد نفسها في نهاية المطاف معزولة، مستنزفة اقتصاديا، ومنهكة. وتأكدت هذه الفكرة حينما أطلقت إيران في أبريل هجمة غير مسبوقة على إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات من أراضيها مباشرة. واحتفى الزعماء الإيرانيون برد إسرائيل المحسوب، واستمرار الاضطراب السياسي داخل إسرائيل. وواصلت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اتباع سياسات أطالت أمد الحرب، وأجهدت الاقتصاد، وزادت الاستقطاب، وجعلت اليد العليا لأعداء إسرائيل.

في غضون ذلك، واصلت الولايات المتحدة استراتيجية في الشرق الأوسط قائمة على الاتفاقيات الإبراهيمية التي طبّعت العلاقات بين إسرائيل والبحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة. فبعد السابع من أكتوبر، ضغطت واشنطن على المملكة العربية السعودية لإنهاء المعاهدة الدفاعية المرتبطة بالتطبيع مع إسرائيل وجدَّدت تأكيد إيمانها بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حل الدولتين. وسعت إدارة بايدن إلى الاستفادة من الحرب في تكوين تحالف أقوى في الشرق الأوسط موال لأمريكا، ترسيخًا لنفوذ واشنطن وإيجادًا لمركز اقتصادي إقليمي أكثر تكاملا يربط أوروبا بمنطقة المحيطين الهندي والهادي في سياق منافستها مع الصين.

لكن الخطة الأمريكية فشلت في معالجة كافية لتهديد إيران المجترئة أو تخفيف مخاوف شركاء الولايات المتحدة الصغار. فرفضت المملكة العربية السعودية تطبيع العلاقات مع إسرائيل طالما استمرت الحرب في غزة، وبخاصة مع رفض إسرائيل الالتزام بحل الدولتين، وهي خطوة كان أعداء إسرائيل في المنطقة ليفسروها باعتبارها انتصارا لحماس. ومن جانبه اختار نتنياهو أن يرجئ إنهاء مرحلة الحرب المحتدمة، وينتظر نتيجة انتخابات الولايات المتحدة الرئاسية راجيا انتصار الجمهوريين. وكان يعتقد أن من شأن انتخاب ترامب أن يقلل مراقبة الولايات المتحدة لحملته على حماس. ومع خسارة الديمقراطيين في نوفمبر، أحاط الشك باستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وبرغم كل ما لواشنطن من سلطة ونفوذ، أثبتت رؤية أمريكية للنظام الإقليمي الجديد، مهما تبد عقلانية، عدم جدواها هي الأخرى ـ شأن رؤيتي حماس وحزب الله وإيران.

عرش خاو

في سبتمبر، بدأت الرياح المسيطرة على الشرق الأوسط في التغير. بعد أحد عشر شهرا لم تحدد فيها حكومة إسرائيل أي أهداف في المسرح الشمالي، أضاف مجلس الوزراء الإسرائيلي رجوع سكان شمال إسرائيل الآمن لبيوتهم إلى أهداف الحرب الرسمية. كانت الحرب قد بدأت فعلا في التحول شمالا، باستفزاز من هجمة حزب الله الصاروخية في أواخر يوليو على ملعب كرة قدم في مرتفعات الجولان أدت إلى مقتل اثني عشر طفلا وإصابة أكثر من أربعين. وردا على ذلك اغتالت إسرائيل فؤاد شكر نائب زعيم حزب الله حسن نصر الله، واستهدفت هيكل قيادة حزب الله بعملية مهينة، حيث اشتعلت متفجرات مزروعة في أجهزة البيجر الخاصة بالمنظمة في وقت واحد فقتلت وشوهت العشرات من العناصر. ثم أطلقت إسرائيل سلسلة غارات جوية دمرت قرابة ثلاثة آلاف من الصواريخ وصواريخ كروز، وقتلت قيادة حزب الله ومنها نصر الله نفسه. واستردت تلك العمليات للجيش الإسرائيلي مكانته المفقودة.

وردًا على ذلك، شنت إيران هجمة مباشرة على إسرائيل في الأول من أكتوبر، فأطلقت مائة وواحدا وثمانين صاروخا بالستيا. فلم يتسبب ذلك الوابل من الذخيرة إلا في ضرر محدود بثلاثة مواقع إسرائيلية: مجمع الموساد في جليلوت وقاعدتين جويتين إسرائيليتين في الجنوب. وفي هذه المرة نظمت إسرائيل ردًا أكبر من رد أبريل، فنشرت مائة وخمسين طائرة لضرب عشرين هدفا مهما في إيران. وأظهرت الضربات تفاوت القدرات العسكرية لدى البلدين، إذ أطلقت إيران كثيرًا من الصواريخ فأدت إلى نتائج محدودة، أما الجيش الإسرائيلي فضرب بدقة أهدافًا رفيعة القيمة منها أنظمة إس-300 المضادة للطائرات ومنشآت بحوث أسلحة نووية في بارشين. وأظهرت الهجمة ضعف أقيَم مواقع الطاقة والمواقع النووية في إيران إذا ما اختار النظام الإيراني مزيدًا من التصعيد. ومنذ ذلك الحين وبرغم تهديدات متكررة، لم تطلق إيران أي ضربة مباشرة أخرى لإسرائيل.

في الرابع والعشرين من نوفمبر، وقعت إسرائيل ولبنان ـ بموافقة من إيران وحزب الله، اتفاقية وقف إطلاق نار، لم تزل سارية إلى حد كبير. وفي اليوم نفسه، بدأ المتمردون بدعم تركي عملية عسكرية ضد نظام الأسد. وفي أقل من أسبوعين، وصل المتمردون إلى دمشق وأعلنوا حكمًا جديدًا ـ بأقل قدر من المقاومة من جانب القوات السورية أو الروسية أو الإيرانية أو قوات حزب الله. وبدلا من ترسيخ هيمنة إيران، وجهت الحرب ضربة قوية لموقفها الإقليمي.

أدى وقف إطلاق النار في لبنان وتغير الوضع في سوريا إلى فراغ قيادي في الشرق الأوسط. وتمثل منجزات إسرائيل العسكرية فرصة لتشكيل تحالف جديد قادر على إعادة صياغة مستقبل المنطقة وطرح واقع بديل قائم على السلام والاستقرار والرخاء.

تحالف الراغبين

لا بد أن تبني إسرائيل على انتصاراتها العسكرية بإيضاح أنها تسعى إلى رؤية استراتيجية متماسكة لتحالف إقليمي معتدل بين إسرائيل والدول العربية السنة بقيادة المملكة العربية السعودية. ولا بد أن تعالج التهديدات الأمنية الأساسية، وأبرزها إيران، وتمثل جبهة متحدة ضد محاولات تركيا وقطر لترسيخ نفوذ الإخوان المسلمين في العالم العربي، وهي مهمة ازدادت إلحاحًا بعد انهيار نظام الأسد. وأخيرًا لا بد أن يعرض التحالف على الفلسطينيين مستقبلًا سياسيًا مع تأمين إسرائيل من الهجمات الإرهابية في المستقبل.

إسرائيل الآن في وضع قوي لإحراز تقدم حقيقي يجعل هذه النتيجة مثمرة. لكن ليس بوسعها أن تفعل ذلك منفردة. فهي بحاجة إلى الولايات المتحدة في قيادة جهود معقدة وشراكة عربية في توفير الشرعية في الشرق الأوسط وتحويل رؤيتها إلى قوة إقليمية فعّالة. والخطوة الأولى: يجب أن تعقد إسرائيل قمة مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر والأردن والإمارات العربية المتحدة وأي جهات فاعلة تطمح إلى المساعدة في إعادة تشكيل الشرق الأوسط ومنها ممثلون للسلطة الفلسطينية، على أن تنعقد هذه القمة في عاصمة شرقأوسطية رائدة من قبيل الرياض. ويجب أن تتضمن أهداف هذه القمة إقامة تحالف أمريكي عربي إسرائيلي قائم على رؤية إقليمية مشتركة، ودفع عملية التطبيع قدما بين إسرائيل والسعودية (ومن المثالي أن تتضمن دولا أخرى من قبيل سلطنة عمان وإندونيسيا)، وإنشاء إطار أمني إقليمي جديد، ووضع خريطة طريق لغزة بدون حماس من خلال حملة للقضاء على الصبغة المتطرفة. ويجب أن تهدف الخطة أيضًا إلى زيادة بصمة دول الخليج في سوريا لتقليل نفوذ إيران والإخوان المسلمين في البلد.

لا بد أن تحتوي الرؤية الإقليمية أيضًا عنصرًا فلسطينيًا، بعد اتفاقية لوقف إطلاق النار في غزة تيسر رجوع جميع الرهائن الإسرائيليين. ولا بد أن تقيم القمة مستقبلًا سياسيًا للفلسطينيين متمايزًا عن المناهج السابقة التي تبنتها الدول العربية والولايات المتحدة وركزت على حل الدولتين. فبدلًا من هذه، ينبغي أن يؤكد التحالف انتقالًا مرنًا بعيد الأجل يبدي فيه الفلسطينيون حكما فعّالا ويعملون ناشطين على تقليص نفوذ الفصائل شديدة التطرف في المجتمع الفلسطيني.

فضلا عن ذلك، لا بد أن يوافق الزعماء العرب على أن إعادة غزة من خلال التحالف لن تتقدم إلا بعد نزع السلاح بالكامل من المنطقة، وعندها لا بد أن تلتزم إسرائيل بسحب الجيش. وقبلها، لا بد أن يحتفظ الجيش بالقدرة على إقامة منطقة أمنية عازلة داخل غزة بطول الحدود مع إسرائيل لمنع أي حشد عسكري محتمل من جانب حماس.

يجب أن تشرف الولايات المتحدة على انتقال خاضع جيدا للرقابة نحو حكم فعّال في غزة تتولاه لجنة فلسطينية عربية القيادة تعترف بإسرائيل دولةً يهودية وتقلص الإرهاب وتوقف دفع الرواتب «للإرهابيين» وتشجع القضاء على التطرف داخل المجتمع الفلسطيني وكذلك في المنتديات الدولية. ويجب أيضا أن تعمل مع مصر على وضع استراتيجية لتأمين الحدود بينها وبين غزة لمنع إعادة تسليح حماس.

يجب أن تتوافق هذه الشروط الإسرائيلية مع المصالح الأمريكية والعربية، وبخاصة مصالح دول الخليج الساعية إلى إنهاء الحرب في غزة وتفهم أن قيام دولة فلسطينية قادرة أمر غير واقعي في الوقت الراهن ولكنها تدرك أهمية إمداد الفلسطينيين بأفق سياسي لدفع الأهداف الإقليمية قدما، ومن هذه الأهداف مكافحة إيران، ومكافحة الإخوان المسلمين، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتكنولوجي مع إسرائيل.

ويجب أن تهدف القمة إلى تسريع إنشاء بنية دفاع إقليمية دائمة. فلا بد لقوات خاصة بقيادة القيادة المركزية الأمريكية، والجيش الإسرائيلي، وجيوش البحرين ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تتولى الدفاع الجوي والصاروخي، وتأمين الملاحة البحرية، ومكافحة إرهاب المتطرفين الشيعة والسنة، وتعزز تبادل المعلومات الاستخباراتية. ولا بد أن تعمل إسرائيل والولايات المتحدة خاصة عملًا جادًا لتوفيق استراتيجياتهما منعا لإيران من امتلاك أسلحة نووية. وتزداد أهمية إقامة ردع مضمون لأن إضعاف شبكة وكلاء إيران يزيد من جاذبية خيار التسلح النووي.

وبالمثل

من مصلحة كل من إسرائيل وشركائها الإقليميين أن تبقى إدارة ترامب القادمة ملتزمة تجاه الشرق الأوسط وعازمة على استعمال القوة لضمان أمن حلفائها وردع الخصوم المشتركين. وقد يواجه هذا الالتزام بالدفاع عن المنطقة معارضة من فصائل داخل الإدارة تناصر تقليل التورط الأمريكي الدولي. ولقد أشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة لن تتدخل في سوريا وألمح إلى رغبة في إكمال سحب القوات الأمريكية من سوريا في الوقت الذي ضعف فيه موقفا روسيا وإيران.

لقد بدا أن الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر قد أثبت أن سيطرة إسرائيل على مسار منطقتها أقل كثيرا مما كانت تتصور. وعلى مدى قرابة عام، أشارت حرب إسرائيل التالية في غزة إلى المثل. وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، أعادت إسرائيل تأكيد قدرتها على تشكيل السياسة والأمن في الشرق الأوسط. ولكن دونما قيادة شجاعة، قد تتبدد فرصة إسرائيل. فتطلعات المتطرفين في ائتلاف نتنياهو إلى ضم أجزاء من غزة والضفة الغربية، أو فرض حكم عسكري في غزة، أو اتباع أجندة محلية استقطابية تضعف المؤسسات الديمقراطية من شأنها أن تعيق هذا التقدم بشدة.

إن حكومة إسرائيلية تتقدم بهذه الرؤية المقترحة سوف تحظى بدعم غالبية مواطنيها ومن المرجح أن تعزز مكانة إسرائيل الإقليمية. وبالعكس، من شأن حكومة لا تكبح جماح خطابها وأفعالها المتطرفة ألا تؤدي إلا إلى تمهيد الطريق لصراع إقليمي موسع بلا نهاية واقعية - وتخدم مصالح النظام الإيراني.

لقد أدرك السنوار وقادة إيران أن الحرب قادرة على إعادة ترتيب الشرق الأوسط. ولا يجب أن ترضى إسرائيل بأقل من ذلك. لكن عليها أن تستخدم قوتها بسرعة وحكمة. ولا يمكن أن تستفيد من نجاح إسرائيل العسكري ضد إيران في تحقيق شرق أوسط أكثر استقرارًا وسلامًا وازدهارًا والاستفادة من الفرص التي ستظهر في أعقاب الحرب إلا رؤية للمنطقة تعالج تهديدات إيران، وتعزز التكامل الإقليمي، وتؤسس أفقًا سياسيًا للفلسطينيين، بدعم من خطة منسقة تدعمها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

عاموس يادلين مؤسس ورئيس منظمة MIND Israel. وهو لواء متقاعد في سلاح الجو الإسرائيلي وشغل منصب رئيس مخابرات الدفاع الإسرائيلية من عام 2006 إلى عام 2010.

أفنير جولوف نائب رئيس منظمة MIND Israel. عمل من عام 2018 إلى عام 2023 مديرا في مجلس الأمن القومي في إسرائيل

خدمة فورين أفيرز