نتنياهو يعرِّض إسرائيل للخطر بتمكين اليمين المتطرف

07 ديسمبر 2022
07 ديسمبر 2022

ترجمة: قاسم مكي -

كان ذلك يوم الأربعاء 25 نوفمبر في الخليل بالضفة الغربية المحتلة، جاءت مجموعة أرثوذكسية يمينية من اليهود الإسرائيليين تدعى «أبناء أبراهام» لإظهار تضامنها مع عائلات فلسطينية محلية كانت الأكثر تعرضا لعنف المستوطنين الإسرائيليين وأنصارهم قبل أسبوع من ذلك اليوم.

في طريق عودة أفراد المجموعة إلى حافلتها حسبما حكى لي أحد الناشطين صادفوا بعض الجنود الإسرائيليين وهم يرقصون في الشارع مع جماعة من الزائرين المناصرين للاستيطان.

انتقد أحد الناشطين اليساريين الجنود على ذلك «العرض السياسي»، واندلعت مشادة وتعالت الأصوات، أخرج أحدهم هاتفا وبدأ في تصوير المشهد. هجم جندي على أحد الناشطين وألقاه أرضا ولكمه على خده بقوة تكفي لكسر العظم. في مشهد مصور آخر من تلك المواجهة وقف أحد الجنود أمام الكاميرا وأعلن في عجرفة أن ايتمار بن غفير رئيس حزب عوتسما يهوديت أو القوة اليهودية اليمينيَ المتطرف «سيفرض النظام هنا». وأضاف «كل شيء تفعلونه هنا (يا أيها اليساريون) انتهى».

سأله الناشط قائلا: «هل أنا أفعل أي شيء يخالف القانون؟»

رد بقوله «أنا من يقرر القانون، وأنت تخالف القانون».

كان الجندي إلى جانب القيام بمهامه يحتفل بنجاح بن غفير في انتخابات الشهر الماضي التي خاضها حزب القوة اليهودية ضمن تحالف يميني متطرف. فقد فاز الحزب بستة مقاعد في البرلمان الإسرائيلي الذي يتشكل من 120 عضوا. وربما كان ذلك الجندي قد شاهد أيضا أخبار الصباح. ففي ذلك اليوم توصل بن غفير إلى اتفاق بتشكيل ائتلاف مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء القادم الذي سبق له تولِّى رئاسة الوزارة.

بن غفير تلميذ السياسي العنصري والديماغوجي غير المأسوف عليه مائير كهانا سيتولى (بموجب الصفقة) الوزارة المسؤولة عن الشرطة التي تسمى الآن وزارة الأمن الوطني. وسيتم نقل عدة أجهزة من الوزارات الأخرى إلى وزارته. إحداها تختص بقانون التخطيط والبناء وأخرى مسؤولة عن حماية الحدائق وثالثة تنفذ قانون البيئة، إلى ذلك ستوضع وحدات شرطة الحدود تحت قيادة بن غفير بدلا عن الجيش، وهي قوة شبه عسكرية مسؤولة عن النظام العام ويجري نشرها في الضفة الغربية المحتلة.

لكن حادثة الخليل توضح أن المجيء بايتمار بن غفير إلى الحكم تترتب عنه مخاطر تتعدى كثيرا جدا سلطاته الرسمية. ربما دفع الانتشار السريع لفيديوهات الحادثة الجيش إلى التحرك بسرعة لاستعادة الانضباط العسكري. فكلا الجنديين تم إيقافهما من الخدمة، وحققت الشرطة العسكرية مع الجندي الذي اعتدى على الناشط فيما خضع الجندي الآخر الذي تحدث عن النظام الجديد لبن غفير لمحاكمة عسكرية بواسطة قائد اللواء وحوكم بالحبس لمدة 10 أيام في سجن عسكري.

انتقد بن غفير على الفور وبشدة قيادة الجيش ووصف العقوبة بأنها «تتخطى خطا أحمرا» وتكشف عن إخفاق في الوقوف إلى جانب الجنود، ردد تقريعَه أعضاء عديدون في الكنيست من حزب ليكود الذي يقوده نتنياهو بمن فيهم الوزيرة السابقة ميري ريجيف التي من المرجح أن تعود إلى الوزارة، وذُكِر أن قائد اللواء تلقي تهديدات هاتفية وهوجم في وسائل التواصل الاجتماعي.

تحولت حادثة الخليل بسرعة فائقة إلى صراع مفتوح بين اليمين الراديكالي الذي تمكَّن في السلطة مؤخرا والقيادة العسكرية الإسرائيلية.

قال لي ميخائيل مانيكين الناشط في جماعة أبناء أبراهام والضابط العسكري سابقا: «أنا ضد الاحتلال، لكني أدرك أهمية الجيش المهني»، وحذر من خطورة تشجيع ما أسماه السلوك «الفوضوي» وسط الجنود.

السلطات الرسمية التي وُعِدَ بن غفير بالحصول عليها تجعل الأمور أسوأ.

تعليقا على هذه الوعود بما في ذلك نقل سلطة الإشراف على وحدات شرطة الحدود أوضح بيني جانتس وزير الدفاع في الحكومة المنتهية ولايتها وكان مصيبا في قوله أن ذلك يعني «إيجاد جيش خاص لبن غفير» في الضفة الغربية.

بن غفير لديه قدرة هائلة على إشعال الحريق في الأراضي المحتلة، وأيضا في إسرائيل. لقد شكلت جهود خفض المعدل المرتفع للجريمة في المجتمع العربي داخل إسرائيل أولوية قصوى لكل من القادة العرب والحكومة المنتهية ولايتها. فثابت أبو راس المدير التنفيذي المشارك لمبادرات أبراهام وهي منظمة غير حكومية تدعم التعايش العربي اليهودي في إسرائيل يقول إن الوزير المسؤول عن الشرطة ونائبه في الحكومة المنتهية ولايتها اجتهدا لبناء الثقة مع المجتمع العربي بالضبط لمعالجة تلك القضية. لكنه قال لي إن بن غفير «يحرض ضد العرب» وأنه يتعامل مع قضية الجريمة المدنية كصراع قومي. في هذه الحال ستختفي الثقة.

السلطات الإضافية التي طالب بها بن غفير وحصل عليها تشير إلى نواياه بإشعال الحريق. فكلها تتعلق بالأرض.

في رسالة لي بالبريد الإلكتروني كتبت عفرات كوهين بار الرئيس المشارك لجماعة «بِمْكُوم – مخططون من أجل حقوق التخطيط» أن مناطق العرب عموما والسكان البدو في صحراء النجف خصوصا عانت لسنوات من التفرقة في مجال تخطيط الأراضي. فالمواطنون العرب ليس لديهم خيار سوي تشييد مساكنهم بدون أذونات بناء.

وتقول إن هدم المنازل «باسم التطبيق الحرفي للقانون» تسبب في معاناة لسنوات. ومن المرجح أن يقود «منح سلطات موسعة لعنصري وقومي» إلى دمار أعظم.

نتنياهو ليس غبيا، هو يدرك أن تقويض الانضباط العسكري يعرِّض الدولة نفسها للخطر، وهو يعلم أن بن غفير مهووس بإشعال الحرائق. لكن نتنياهو يستميت للعودة إلى الحكم واستخدام السلطة لإنهاء القضية الجنائية التي يمكن أن تضعه في السجن. في سبيل ذلك هو مستعد لتسليم مهووسِ الحرائقِ أعوادَ الثقاب والبنزين.

جيرشوم جورينبرج مؤرخ ومؤلف عدة كتب أحدثها تحت عنوان «حرب الظلال: مفككو الشفرات والجواسيس والصراع السري لطرد النازيين من الشرق الأوسط».

ترجمة خاصة لـ «$» عن واشنطن بوست