نتانياهو... وجرائم متواصلة تتحدى العالم!!

15 يوليو 2024
15 يوليو 2024

بالرغم من أن الرئيس الأمريكي بايدن اختار أن يعلن بنفسه يوم الجمعة الماضي 12 يوليو الجاري بشرى موافقة حماس وإسرائيل على اتفاق إطاري للتهدئة في الحرب في غزة والتمهيد لصفقة تبادل الرهائن الإسرائيليين وعدد من المعتقلين الفلسطينيين وسط تفاؤل متزايد بقرب الإعلان عن التوصل إلى اتفاق رسمي حوله أو تعهد حماس وإسرائيل بذلك وهو ما تحدث عنه، أيضا، وسطاء الصفقة الذين توافدوا إلى القاهرة والدوحة من أجل التوصل إلى اتفاق بدا وكأنه بات أقرب ما يكون إلى التوقيع عليه خاصة مع نجاح واشنطن وتل أبيب في التغلب على خلافاتهما أو معظمها بشأن توريد الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل وانتقاد نتانياهو للتلكؤ الأمريكي في هذا المجال علنا مما هدد بحدوث أزمة كبيرة بين الدولتين الصديقتين.

وبالرغم من تأكيد واشنطن على ثبات سياساتها المعروفة حيال إسرائيل وضمان تفوقها العسكري إلا أنه يبدو أن نتنياهو عاد سريعا إلى طبيعته المتقلبة والمتغيرة من أجل تحقيق ما يراه مصلحة له دون اعتبار لمصداقية أو احترام لثقة متبادلة أو لتعهد ما أو لمواثيق اعتاد العالم احترامها في التعامل بين الدول. وبالفعل لم تمض 24 ساعة على إعلان بايدن عن اتفاق حماس وإسرائيل عن اتفاق إطار للتهدئة في غزة بخطوطه العريضة المعروفة من قبل بوجه عام حتى تراجع نتانياهو عمّا تم الاتفاق عليه مع الوسطاء من قبل حيث عمد إلى إضافة شرط يعرقل إمكانية التوصل إلى اتفاق يمنع من خلاله عودة المسلحين الفلسطينيين إلى شمال غزة وهو ما أثار التشاؤم حول إمكانية التوصل إلى اتفاق كان قاب قوسين أو أدنى.. وبالفعل تحدثت مصادر إسرائيلية عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سعى إلى عرقلة التوصل إلى اتفاق للتهدئة لخدمة مصالحه السياسية، في حين رأى مسؤولون إسرائيليون آخرون أن نتنياهو يناور من أجل انتزاع تنازلات أخرى من حماس بعد ممارسة مزيد من الضغط العسكري عليها في رفح وغزة. وفي ظل الجدل الذي أثاره موقف نتنياهو المتقلب وعدم اليقين مما يمكن أن يؤول إليه مصير اتفاق التهدئة، فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يأتي:

أولا: بالرغم من أنه يبدو أن نتانياهو لا يتعامل مع الرئيس الأمريكي بايدن من موقع احترام كاف، وهو ما يتأثر بالضرورة بطبيعة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية من ناحية، وإدراك نتنياهو ازدياد الضغوط التي يتعرض لها بايدن مع كل يوم تقترب فيه الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم وللمشكلات التي يواجهها بايدن من ناحية ثانية بشأن ترشحه عن الحزب الديمقراطي والجدل المتواصل والمتزايد داخل الحزب وعلى الصعيد الأمريكي العام كذلك بهذا الشأن، وما يحظى به نتانياهو من علاقات جيدة داخل جماعات الضغط الأمريكية قد زاد من ثقة نتنياهو في التعامل مع بايدن من ناحية ثالثة، غير أن مما له معنى ودلالة أن نتنياهو لم يحتمل ضغطا طفيفا مارسه بايدن ضد إسرائيل داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وبتأجيل تسليم بعض شحنات الأسلحة الأمريكية من القنابل الثقيلة زنة 2000 رطل بمبرر ما تسببه من خسائر في صفوف المدنيين، بل واشتكى نتنياهو من ذلك علنا. وعلى أية حال فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد أن يوظف تعامله مع بايدن ليخدم حملته الانتخابية المحتملة ولكسب مزيد من التأييد داخل إسرائيل. ومن الواضح أن نتانياهو يعتقد أن كل مماطلة وتأجيل يزيد من الضغوط على بايدن التواق كثيرا إلى التوصل إلى الاتفاق مع حماس وكلما اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية يمكن أن يجعل بايدن أكثر استجابة لمطالب إسرائيل من الأسلحة والمعونات الأمريكية كذلك ولذا فإنه لا يكترث كثيرا في التعامل مع الرئيس بايدن وما قد يثير الخلاف معه. ومن هنا تحديدا لم يمانع نتانياهو في تنفيذ مذبحة المواصي في غزة يوم السبت الماضي الثالث عشر من يوليو عندما توفرت لديه معلومات استخبارية أكدت بأن محمد الضيف القائد العسكري لحماس في غزة ورافع سلامة القائد العسكري للواء خانيونس تم رصدهما فوق الأرض وبالتالي تم توجيه طائرات حربية إسرائيلية لقصف إحداثيات الموقع المرصود والذي دلت طبيعته على أنه تابع لحماس على حد زعم إسرائيل كما تم استخدام قنابل ثقيلة في القصف لضمان التدمير التام للنقاط المستهدفة، ولم تبلغ إسرائيل واشنطن بالعملية بشكل مسبق حسبما أعلن نتانياهو ذلك بنفسه بعد العملية ربما ثقة في نجاحها الذي لم يتأكد حيث أعلنت حماس أن محمد الضيف «بخير» وأن مزاعم اغتياله «كلام فارغ» بينما أعلنت إسرائيل أنها لم تتأكد من مصير محمد الضيف وقالت مصادر إسرائيلية أنه ربما أصيب إصابات خطرة ولكن تظل هذه محاولات لتبرير العملية الإسرائيلية الجبانة والتي كانت تأمل فيها التخلص من اثنين من كبار قادة حماس العسكريين في قطاع غزة وأحدهما مساعد كبير ليحيى السنوار وهو محمد الضيف الملقب بالرجل «ذي التسعة أرواح» لكثرة محاولات الاغتيال الإسرائيلية التي تعرض لها والتي نجاه الله منها ليواصل مهمته في المقاومة وندعو الله أن يمد في عمره وأن يوفقه في مهامه ضد مرتكبي الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين وفي تحد بشع للعالم ولكل القيم والمواثيق الإنسانية. وبالرغم من بشاعة العملية التي راح ضحيتها نحو مائة شهيد وحوالي ثلاثمائة جريح، عدد كبير منهم من الأطفال والنساء، لأن القصف استهدف منطقة المواصي المصنفة منطقة آمنة حسب الإسرائيليين ولكن مخطئ من يثق أو يصدق الإسرائيليين الذين يمارسون الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين دون وازع أو ضمير. وإذا كان بايدن وإدارته سيتفهمون كالعادة مبررات نتانياهو لجريمته النكراء، فإن مفاوضات التهدئة قد توقفت كما أعلنت حماس وقف مشاركتها في المفاوضات طالما تستهدف إسرائيل المدنيين الفلسطينيين وبالتالي توقفت مفاوضات الهدنة حسبما أراد وخطط نتنياهو، الذي وصفته حماس بأنه «غير مهتم بمفاوضات التهدئة» وقد جدد نتنياهو ما قال إنها أهداف يعمل على تحقيقها في النهاية وقد كررها رغم الفشل أكثر من تسعة أشهر ولم تنجح أيضا مجزرة خان يونس التي راح ضحيتها نحو أربعمائة شهيد وجريح فلسطيني السبت الماضي.

ثانيا: إنه إذا كان كثيرون على امتداد العالم باتوا متيقنين من همجية إسرائيل وانتهاكها الدائم للقانون والشرعية الدولية، فإن مجزرة المواصي هذا الأسبوع تؤكد في الواقع أن نتانياهو لن يتورع عن استخدام القنابل الثقيلة والتي أوقف بايدن تسليمها لإسرائيل حتى الآن على الأقل حماية للمدنيين الفلسطينيين، فإن بشاعة مجزرة المواصي تؤكد في الواقع أن نتانياهو سيواصل مجازره ضد الفلسطينيين طالما وجد في ذلك ما يحقق أهدافه السياسية، وأن ذلك هو في الواقع نموذج أو بروفة لما سيمارسه في المستقبل حتى بعد التوقيع على اتفاق وتهدئة في غزة من ناحية، وأن سياسة المماطلة وقضم الوقت هو ما سيتبعه نتانياهو لابتزاز بايدن وإدارته مستغلا ضعفه وإصراره على الترشح المستميت للرئاسة الأمريكية من ناحية ثانية، ولا يهم ما يمكن أن تؤول إليه الأمور خاصة وأن الرصاصة التي استهدفت المرشح الجمهوري دونالد ترامب في التجمع الانتخابي له في بنسلفانيا السبت الماضي وجرحت أذنه اليمنى سوف تقلب الحملة الانتخابية على الأرجح وهنا تحديدا يثور التساؤل حول من يقف وراء محاولة الاغتيال هذه ولماذا كانت بهذه الدرجة من الخطورة والحرفية في التصويب الاثنين من ناحية، ولماذا جاءت قبل يومين فقط من المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي بدأ أمس والذي سيرشح ترامب للرئاسة والذي حضره ترامب وحاول القيام بدور الضحية المستهدف والذي دعا أنصاره إلى القتال، والأكثر من ذلك لماذا تم قتل مرتكب الحادث وهو ما يحمل بعض ملامح جريمة اغتيال الرئيس الأمريكي السبق جون كيندي حيث تم قتل اوزوالد الذي قام بإطلاق الرصاص عليه في دالاس في نوفمبر عام 1963 خارج مسرح الجريمة ومن موقع مرتفع تم منه إطلاق النار على الرئيس جون كيندي، وبرغم أن جاكلين زوجته كانت إلى جواره في السيارة الرئاسية إلا أنها لم تصب بسوء. على أية حال فإن هناك ما سيتم الكشف عنه في المستقبل بعد أن بدأت التحقيقات بالفعل في الحادث، ومن جانب آخر ماذا يعني أن حملة بايدن سعت إلى إزالة إعلاناتها الانتخابية الرئاسية من الشوارع بعد وقوع الحادث الذي خلط الأوراق وهو ما ستكشف عنه الأيام والأسابيع القادمة أما مفاوضات التهدئة في غزة وحتى ترشيح بايدن فإن مصيرهما إلى مجهول حتى تتضح أبعاد ما يجري!!