مهرجان الربع الخالي الثاني.. طموحات بلا حدود

21 سبتمبر 2022
21 سبتمبر 2022

انطلقت النسخة الأولى من مهرجان الربع الخالي في ديسمبر الماضي بمنطقة الخذف بنيابة شصر التابعة لولاية ثمريت، وكانت متواضعة جدا رغم تعدد المؤسسات المشرفة عليها، وكنا في مقال قديم معنون باسم «مهرجان صحراء الربع الخالي.. يفتح أبواب السياحة الصحراوية» قد تمنينا لو كانت البداية قوية رغم كل ما يتوفر لها من عوامل القوة، والآن نجد أنفسنا نذكر بتسارع الوقت للنسخة الثانية لهذا المهرجان، فهناك قرابة ثلاثة أشهر تفصلنا عن موعده، وهناك حاجة بل حاجات ضرورية ليس لاستمراره فحسب، بل لجعل النسخة الثانية مختلفة تماما «شكلا وجوهرا» عن النسخة الأولى، والوقت متاحا الآن من منظورين - سيأتي ذكرهما لاحقا.

وما رصدناه في خريف 2022 الذي ودعناه مؤخرا، وما وثقناه ميدانيا في النسخة الأولى لمهرجان الربع الخالي، هي التي تقف وراء كتابة هذا المقال، ويلتقي الرصد والتوثيق في قضية واحدة، وهي أن هذه المهرجات قد أصحبت تشكل للشباب مصادر دخل ولو مؤقتة، وفرصا لتحسين دخول الكثير من أصحاب الدخول المحدودة، ومنها يتركز توجهنا نحو العمل المبكر على تطوير المهرجانات، وتعددها وفي فصولها المستحقة كفصلي الشتاء والخريف، كمتنفس مالي لشريحة كبيرة من الشباب في التحولات المالية الجديدة، وتقليص حجم الإنفاق الاجتماعي.

والمدهش أن فرص العمل التي تنتجها المهرجانات السياحية لم تقتصر على ساكنتها الاجتماعية، وإنما هي فرص مفتوحة لكل العمانيين، فمثلا المهرجان الأول للربع الخالي، لم يكن حكرا على الساكنة البدوية، وقد شهدنا على الواقع شبابا من مختلف ولايات البلاد، وهذا بدوره عامل من عوامل انصهار الديموغرافيا العمانية في الحقبة السياسية المتجددة، وهي تحتاج لمشاريع أخرى تعزيزية، لكن علينا أولا أن ننطلق من استغلال المهرجانات من حيث تطويرها وزيادة المنافع الاجتماعية منها.

كما كان إقبال الشباب الكبير على استغلال فرص العمل المؤقتة في خريف 2022 مدهشا كذلك رغم الرسوم المرتفعة، وبشكل غير متوقع عند البعض، ويشير ـ أي الإقبال ـ إلى أن خريف 2023 المقبل سيكون أكثر إقبالا بعد ما اكتشف الشباب حجم المنافع من مشاريع خريف 2022 التي كانت في أغلبها حكرا على الوافدين، لذلك فهم يحتاجون لحماية أكبر من النواحي القانونية والرقابية والدعم لتثبيت نجاحهم فيها. ليس هناك من خيارات كثيرة أمام هذا الجيل الذي يجد الكثير منه منتظرا الوظيفة، أو وظيفة بعائد مالي محدود.

وطبيعة الدافعية الجديدة عند الشباب قوية الآن، وينبغي أن تستوعب في إطار تطوير الفرص التي توفرها المهرجانات، وهنا تأتي قضايا تطوير المهرجانات وتعددها وتنوعها، وذلك بغية إيجاد قنوات قانونية مشجعة لمسار هذه الدافعية عند الشباب الذين خرجوا من مهرجان خريف ظفار 2022 باكتشاف ربحيتها وجاذبيتها، فأصبحت سيكولوجياتهم منفتحة ومبرمجة عليها وفق الحالات التي درسناها قبل كتابة هذا المقال، فقد كانت بين القلق والتردد من الفشل كونها تجربة أولى، لكنها الآن بعد تجربة خريف 2022 تحسب الشهور لمهرجان 2023.

وهنا يقع على عاتق المؤسسات المعنية بقطاع السياحية من المركزية واللامركزية أن تكون واعية بهذا الانفتاح، وبهذه الرهانات على السياحة، ودورها في التخفيف من وطأة الضرائب وتقليص الإنفاق الاجتماعي وقضية الباحثين عن عمل، وأن تعمل بخطط قصيرة الأجل على تعزيز مسار هذا الانفتاح، وتقوية جاذبيته عند الشباب، فهل هناك من يرصد مثل هذه المسارات، ويعمل على نجاحها أم هي تكون تحصيل حاصل التطورات الاقتصادية، ومبادرات الفاعلين التلقائية؟

وتساؤل المرحلة الآن يدور حول كيف ينبغي جعل السياحة الصحراوية خاصة والشتوية عامة منطقة جذب سياحي على مدار العام على غرار مهرجان خريف ظفار؟ ليس من فلسفة التدرج التي خضعت لها تجربة الخريف، وإنما من منظور إحداث التطور من فلسفة النقلة النوعية والكمية، وهذه الفلسفة الأخيرة تقتضيها التوجهات الاستراتيجية للبلاد سواء في مجال تنويع مصادر الدخل أو لمواجهة الضغوطات المالية على المجتمع، كما أن المقومات السياحية الصحراوية كبيرة، ويمكن صناعتها بوسائل متجددة، وهذه الصناعة حتمية كذلك لأنها قد أصبحت تقود مرحلة تغيير ذهنيات الجيل الجديد إلى مزيد من الواقعية، واستغلال ما يتوفر له من فرص وإمكانيات متاحة ـ كما أشرنا إليها سابقا ـ وهنا تتقاطع مجموعة أهداف استراتيجية في هذه المرحلة يستوجب الاهتمام بالسياحة بصورة استثنائية.

ولنبدأ فورا بالاستعداد لمهرجان الربع الخالي الثاني، فهناك أولويات ينبغي العمل عليها من الآن حتى لا تجد الجهات الحكومية نفسها تحت ضغط الوقت، وتنتج لنا نسخة متواضعة مكررة كالنسخة الأولى، ويمكننا أن نحصر هذه الأولويات في إطارين زمنيين هما:

الإطار العاجل، المحدد بثلاثة أشهر، وفيه الأولويات التالية:

- سفلتة طريق ترابي طوله أكثر من 20 كيلومترا من نيابة شصر إلى منطقة الخذف مركز المهرجان.

- إقامة مركز المهرجان في مكان صلب، أي غير ترابي كما حدث في النسخة الأولى، وهناك خيار مكاني قريب منه يتوفر فيه هذا الشرط.

- تفعيل الأنشطة السابقة، وإدخال أنشطة جديدة ذات تنافسية إقليمية كمسابقة الرماية، شريطة أن تتناسب مع السياحة الصحراوية في فصلها الشتوي، وتكون جاذبة للزائرين من بقية ولايات ظفار خاصة، والسلطنة عامة.

- تعدد وتنوع مراكز التخييم الفردية والجماعية، وحل مشكلة التراب الذي تتطاير به السيارات، وهذا يحتاج لدعم استثمارات الشباب.

- تهيئة بعض المواقع السياحية الصحراوية، وإقامة بنية تحتية ومرافق سياحية حولها، كرملة جديلة التي هي أعلى كثيب رملي في العالم حيث يصل ارتفاعها إلى 455 مترا فوق مستوى سطح البحر، وبعض العيون الأساسية التي تتواجد في الصحراء.

- تشجيع الشباب على استغلال فرص العمل في السياحة الصحراوية، ومنح شباب الساكنة الاجتماعية الصحراوية بعض الامتيازات التشجيعية لدواعٍ كثيرة، شريطة أن تكون هذه المنافع متعاظمة، وتصنع التفاؤل في مستقبلها.

الإطاران القصير وفوقه، وفيه الأولويات الآتية:

-إقامة هيئة اقتصادية خالصة بالصحراء مستقلة على غرار الدقم «مقترح سابق»، تدير الصحراء زراعيا وسياحيا بعد أن أصبحت الصحراء «النجد» ذات توجهات وطنية استراتيجية في مجالي الأمن الغذائي والسياحة المستدامة.

- تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على إقامة فنادق من ثلاثة وأربعة نجوم في الصحراء، وربطها بحركة الفنادق في صلالة.

تلكم مجرد مقترحات سريعة ضمن الطموحات غير المحدودة لاستغلال مقومات صحراء الربع الخالي سياحيا، أما زراعيا فقد تناولناها في عدة مقالات، وأصبحت تحظى الآن باهتمامات حكومية نتمنى الإسراع في بلورتها، وهذا النوع من التحولات قد أصبحت واجبة، لأنها تقترن بالتحولات المالية الحكومية المعقدة منذ يناير عام 2020، وهنا يأتي الاقتران لاستغلال مقومات البلاد السياحية والزراعية على امتداد ترابنا الوطني، ودون هذا الاقتران سيظهر الحمل ثقيلا على المجتمع، ولن تنفع معه حماية الأكثر تضررا، لأن مفهوم هذا الضرر سيتوسع طولا وعرضا.

وعندما نسأل أي شاب قد اقتحم فرص العمل المؤقتة في خريف 2022، يقولون لنا بتعبير مختلف، لكنه بمعنى واحد «لقد تأخرنا كثيرا في اقتحام غمار هذه التجربة، وتركناها للوفدين « لذلك من الأهمية الوطنية أن تكون مثل هذه القضايا الاقتصادية الاجتماعية محط اهتمامات مستقلة لذاتها، وإذا لم تحظَ بذلك، فإننا ينبغي أن نعيد النظر في إدارتنا لمثل هذه التطورات التي لا ينبغي أن تحصل تلقائيا، إنما تصنع بخطط مدروسة، وتكون مستوعبة للانفتاح في حقبة الضرائب، لأن السياحة الصحراوية فعلا تفتح أبوابا جديدة لدخل الدولة وللمواطنين معا، وهنا لا بد أن نطرح فوق طاولة الجهات الحكومية المركزية واللامركزية المعنية بقطاع السياحة التساؤل التالي، كيف نجعل السياحة الصحراوية على غرار مهرجاني ظفار ومسقط ؟ ويظل هاجسنا العاجل قائما ونكرره في صيغة التساؤل التالي، هل سيتم تحقيق الأولويات العاجلة لمهرجان الربع الثاني المقبل في الوقت المناسب - وهي وقتها الآن - أم ستترك حتى للحظات الزمنية الضاغطة، عندها سيكون العمل سريعا ومتوترا، ومن علينا توقع نتائجه من معطياته، بمعنى أن تواضع النسخة الأولى للمهرجان قد تتكرر في النسخة الثانية.