من سيتحكم في مستقبل الذكاء الاصطناعي؟

31 يوليو 2024
31 يوليو 2024

ترجمة: بدر بن خميس الظّفري -

من سيتحكم في مستقبل الذكاء الاصطناعي؟ هذا هو السؤال الذي يجب علينا الإجابة عليه بسرعة في هذا الوقت. إن التقدم السريع الذي يُحرز في مجال الذكاء الاصطناعي يعني أننا نواجه خيارًا إستراتيجيًا حول شكل العالم الذي سنعيش فيه: هل سيكون عالمًا تقوم فيه الولايات المتحدة والدول الحليفة بتطوير ذكاء اصطناعي عالمي ينشر فوائد التكنولوجيا وتفتح أبوابها للوصول إليه، أم عالما استبداديا، تستخدم فيه الدول أو الحركات التي لا تشاركنا قيمنا الذكاء الاصطناعي لتعزيز وتوسيع قوتها؟

لا يوجد خيار ثالث، وقد حان الوقت لتحديد المسار الذي يجب اتباعه. تمتلك الولايات المتحدة حاليًا الريادة في تطوير الذكاء الاصطناعي، لكن استمرار الريادة ليس مضمونًا على الإطلاق. إن الحكومات الاستبدادية في جميع أنحاء العالم على استعداد لإنفاق مبالغ هائلة من المال لِلّحاق بنا والتفوق علينا في نهاية المطاف. وقد حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن الدولة التي تفوز بسباق الذكاء الاصطناعي «سوف تصبح حاكمة العالم»، وقالت جمهورية الصين الشعبية إنها تهدف إلى أن تصبح الرائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030.

وستحتفظ مثل هذه الأنظمة الاستبدادية بقبضتها القوية على المنافع العلمية والصحية والتعليمية وغيرها من الفوائد المجتمعية للتكنولوجيا لتعزيز قوتها. وإذا تمكنت من أخذ زمام المبادرة في مجال الذكاء الاصطناعي، فسوف تجبر الشركات الأمريكية وشركات الدول الأخرى على مشاركة بيانات المستخدم الشخصيّة، والاستفادة من التكنولوجيا لتطوير طرق جديدة للتجسس أو إنشاء أسلحة إلكترونية من الجيل التالي لاستخدامها ضد بلدان أخرى.

لقد كتب الفصل الأول من الذكاء الاصطناعي بالفعل، فأنظمة مثل ChatGPT وCopilot وغيرها تعمل مساعدين محدودين، على سبيل المثال، عن طريق تسجيل زيارات المرضى حتى يتمكن الممرضون والأطباء من قضاء المزيد من الوقت مع المرضى، أو العمل كمساعدين أكثر تطورا في مجالات معينة، مثل إنشاء التعليمات البرمجية للبرامج الهندسية. وسيتبع ذلك قريبًا المزيدُ من التقدم، وسَيُؤْذِنُ بفترة حاسمة في قصة التاريخ البشري.

إذا أردنا أن نضمن أن مستقبل الذكاء الاصطناعي هو مستقبل مبني على إفادة أكبر عدد ممكن من الناس، فنحن بحاجة إلى تحالف عالمي بقيادة الولايات المتحدة من الدول ذات التفكير المتماثل وإستراتيجية جديدة مبتكرة لتحقيق ذلك. يحتاج القطاعان العام والتكنولوجي في الولايات المتحدة إلى تصحيح أربعة أمور كبرى لضمان إيجاد عالم تشكله رؤيةٌ ديمقراطيةٌ للذكاء الاصطناعي.

أولا، تحتاج شركات الذكاء الاصطناعي والصناعة الأمريكية إلى صياغة تدابير أمنية قوية لضمان احتفاظ تحالفنا بالريادة في النماذج الحالية والمستقبلية، وتمكين قطاعنا الخاص من الابتكار. ستشمل هذه التدابير ابتكارات الدفاع السيبراني وأمن مراكز البيانات، لمنع المتسللين من سرقة الملكية الفكرية الرئيسية مثل أوزان النماذج وبيانات تدريب الذكاء الاصطناعي. وسوف تستفيد العديد من هذه الدفاعات من قوة الذكاء الاصطناعي، مما يجعل من الأسهل والأسرع على المحللين البشريين تحديد المخاطر والرد على الهجمات. ويمكن لحكومة الولايات المتحدة والقطاع الخاص أن يتعاونا معًا لتطوير هذه التدابير الأمنية في أسرع وقت ممكن.

ثانيا، البنية التحتية هي الأهم عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي. إن التثبيت المبكر لكابلات الألياف الضوئية والخطوط المحورية وغيرها من أجزاء البنية التحتية للنطاق العريض هو ما سمح للولايات المتحدة بالبقاء لعقود من الزمن في مركز الثورة الرقمية، وبناء ريادتها الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي. ويتعين على صناع السياسات في الولايات المتحدة أن يعملوا مع القطاع الخاص لبناء قاعدة أكبر من البنية التحتية المادية، بدءا من من مراكز البيانات إلى محطات الطاقة، التي تدير أنظمة الذكاء الاصطناعي نفسها. إن الشراكات بين القطاعين العام والخاص لبناء هذه البنية التحتية المطلوبة سوف تزود الشركات الأمريكية بالقدرة الحاسوبية اللازمة لتوسيع القدرة على الوصول إلى الذكاء الاصطناعي وتوزيع منافعه المجتمعية بشكل أفضل.

سيؤدي بناء هذه البنية التحتية أيضًا إلى توفير فرص عمل جديدة على مستوى البلاد. إننا نشهد ولادة وتطور تكنولوجيا أعتقد أنها بالغة الأهمية مثل الكهرباء أو الإنترنت. يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أساسًا لقاعدة صناعية جديدة سيكون من الحكمة أن تتبناها بلادنا.

ويتعين علينا أن نكمل بناء هذه المنظومة باستثمارات كبيرة في رأس المال البشري، فنحن، كـأُمـّة، بحاجة إلى رعاية وتطوير الجيل القادم من المبتكرين والباحثين والمهندسين في مجال الذكاء الاصطناعي، لأنهم هم قوتنا العظمى الحقيقية.

ثالثًا، يجب علينا تطوير سياسة دبلوماسية تجارية متماسكة للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الوضوح حول الكيفية التي تعتزم بها الولايات المتحدة تنفيذ ضوابط التصدير وقواعد الاستثمار الأجنبي من أجل البناء العالمي لأنظمة الذكاء الاصطناعي. ويعني ذلك أيضًا وضع قواعد لأنواع الرقائق وبيانات تدريب الذكاء الاصطناعي وغيرها من الشفرات، وبعضها حساس للغاية لدرجة أنه قد يحتاج إلى البقاء في الولايات المتحدة، التي يمكن تصدرها ووضعها في مراكز البيانات في البلدان المجاورة، فالعالم يتسابق لتوطين معلومات الذكاء الاصطناعي.

إن قيادتنا الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي، في الوقت الذي تتنافس فيه الدول في جميع أنحاء العالم من أجل زيادة الوصول إلى التكنولوجيا، سوف تجعل من السهل جلب المزيد من البلدان إلى هذا التحالف الجديد. إن التأكد من أن النماذج مفتوحة المصدر متاحة بسهولة للمطورين في تلك الدول سيعزز من تميّزنا. إن التحدي المتمثل في من سيقود الذكاء الاصطناعي لا يتعلق فقط بتصدير التكنولوجيا، بل يتعلق بتصدير القيم التي تدعمها التكنولوجيا.

رابعاً، نحتاج إلى التفكير بشكل خَلّاق في نماذج جديدة للعالم لوضع معايير لتطوير ونشر الذكاء الاصطناعي، مع التركيز بشكل خاص على السلامة وضمان دور لجنوب العالم والدول الأخرى التي تخلفت عن الركب تاريخياً. وكما هو الحال مع القضايا الأخرى ذات الأهمية العالمية، فإن هذا سوف يتطلب منا أن نتعامل مع الصين ونحافظ على الحوار المستمر.

لقد تحدثت في الماضي عن إنشاء شيء مشابه للوكالة الدولية للطاقة الذرية للذكاء الاصطناعي، ولكن هذا مجرد نموذج واحد مقترح. أحد الخيارات يتمثل في ربط شبكة معاهد سلامة الذكاء الاصطناعي التي تنشأُ في دولٍ مثل اليابان وبريطانيا، وإنشاء صندوق استثمار يمكن للدول الملتزمة بالبروتوكولات الديمقراطية للذكاء الاصطناعي الاستفادة منه لتوسيع قدراتها الحاسوبية المحلية.

والنموذج المحتمل الآخر هو مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة، التي أنشأتها حكومة الولايات المتحدة في عام 1998 بعد أقل من عقد من الزمان من إنشاء شبكة الويب العالمية، لتوحيد الكيفية التي تنتقل بها في العالم الرقمي. أصبحت مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة الآن منظمة غير ربحية مستقلة تضم ممثلين من جميع أنحاء العالم، ملتزمين بمهمتها الأساسية المتمثلة في زيادة الوصول إلى الإنترنت إلى الحد الأقصى من البشر، لدعم مجتمع عالمي مفتوح ومتصل وديمقراطي.

في حين أن تحديد الهيئة الصحيحة لصنع القرار أمر مهم، فإن خلاصة القول هي أن الذكاء الاصطناعي الديمقراطي يتفوق على الذكاء الاصطناعي الاستبدادي لأن نظامنا السياسي مَكّن الشركات الأمريكية ورجال الأعمال والأكاديميين من البحث والابتكار والبناء.

لن نتمكن من الحصول على ذكاء اصطناعي مصمم لزيادة منافع التكنولوجيا مع تقليل مخاطرها إلى الحد الأدنى ما لم نعمل على التأكد من سيادة الرؤية الديمقراطية للذكاء الاصطناعي. إذا أردنا عالمًا أكثر ديمقراطية، فإن التاريخ يخبرنا أن خيارنا الوحيد هو تطوير إستراتيجية الذكاء الاصطناعي التي ستساعد في إيجاد هذا العالم، وأن الدول والتقنيين الذين لديهم الريادة يتحملون مسؤولية اتخاذ هذا الاختيار الآن.

سام ألتمان هو المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة أوبِّنْ آيْ (OpenAI(.

عن واشنطن بوست