ملفات حرب غزة
فيما تشتبك ملفات حرب غزة، إقليميًا ودوليًا، على نحو معقد يومًا بعد يوم، يتبين لإسرائيل إلى أي مدى باتت اليوم في ورطة وجودية حقيقية.
يوميًا تتداعى مفاعيل حرب غزة؛ في الإدارة الأمريكية، وعلاقات موظفي هذه الإدارة برئيسهم احتجاجًا على موقفه الذي أصبح حَرجًا جراء تورطه مع إسرائيل، في حرب أدرك حتى هو أن مسار مطاوعة نتانياهو فيها، إنما هو مزلق خطير لمستقبله السياسي لاسيما مع بداية سنة الانتخابات الأمريكية الحاسمة، وفي ظل اكتساح ترامب لأولوية ترشيح الحزب الجمهوري بعد أن بات واضحًا أنه يتقدم بفارق كبير أمام كل من المرشحين الجمهوريين؛ دي سانتس، ونيكي هايلي.
وفيما تحصد روسيا الثمار العظيمة لملفات حرب غزة، في حربها مع أوكرانيا، بما يزيد من تناقض الأوضاع في موقف كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على ما كان عليه حالهما من دعم مطلق لأوكرانيا منذ انطلاق الحرب، يبدو مصير هذه الحرب الروسية الأوكرانية أنها لم تعد شبحا يخيم على سماء أوروبا فحسب، بل إن بعض زعماء العالم يستعدون لاحتمال شن روسيا حربًا عالمية ثالثة، بحسب وثائق مسربة وهذا الخطر تتزايد احتمالاته مع حرب إسرائيل على غزة، بحيث أصبحت ملفات حرب غزة الدولية تثير أكثر فأكثر شهية الصين للمناورة مجددًا بملفها النائم مع الولايات المتحدة؛ «تايوان».
ويومًا بعد يوم تتباعد أجندة إسرائيل عن أجندة الولايات المتحدة نتيجة لتورط الأولى فيما لم تكن تحسب له حسابًا من مفاجآت غير سارة لم تحصد فيها إسرائيل سوى الثمار المرة من حرب السابع من أكتوبر 2023
وتتباعد أكثر أجندة نتانياهو السياسية الخاصة، ورعبه من أهوال اليوم الثاني لنهاية حرب غزة، حتى عن الأجندة العامة للسياسة في إسرائيل، وهو موقف قد يدفع بنتانياهو وطاقمه اليميني المتطرف في الحكومة إلى خيارات خطيرة، بدأت نذرها تلوح بتهديدات جنرال إسرائيلي للبنان بحرب فورية، وهو ما ظلت تخشاه كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين جعلا من لبنان مزارًا دبلوماسيًا عبر رحلات مكوكية لمسؤولين كبار أمريكيين وأوروبيين في سبيل تهدئة الجبهة الشمالية لإسرائيل.
ومع انسحاب فرقة عسكرية من الجيش الإسرائيلي من غزة، تحسبا لانفجار الأوضاع في الضفة الغربية تدخل إسرائيل في مواجهة كابوس حقيقي لجبهات ثلاث داخل حدودها. بل أصبحت ملفات حرب غزة تفعل فعلها حتى في توترات العلاقات الإيرانية العراقية عبر القصف الإيراني لأربيل العراقية بصواريخ بالستية مثلت شرخًا كبيرًا له ما بعده في علاقات البلدين، وكانت حجة إيران في تلك الضربة أنها استهدفت موقعا لـ«مقرات تجسس» تابعة لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد).
ومع ارتداد هجمات الحوثيين على السفن التجارية بمضيق باب المندب، عليهم في الداخل اليمني عبر الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية واستهدافها لزوارق حوثية ومعسكرات ومخازن في اليمن، ستبدأ جولات أكثر سخونةً للحوثيين في مضيق باب المندب ضد السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية.
هكذا تتوسع ملفات حرب غزة إقليميًا ودوليًا لتضع العالم أجمع أمام قضية ظلت باستمرار قضية ضمير عالمي، لكن دون أن يكترث العالم لانفجار التناقضات التي يمكن أن تنجم عن تفاقم القضية.
جر إسرائيل لحزب الله نحو حرب أهلية معها واستعدادها لخوض حرب مدمرة على لبنان من أجل إبعاد الحزب عن حدودها الشمالية في الجنوب بات اليوم في ضوء نتائج عمليات طوفان الأقصى مسألة حياة أو موت، وهو في تقديرنا ما سيعجل بانفجار ملف جنوب لبنان، وهو بطبيعة الحال ملف حال انفجاره سيضع إيران أمام حرج كبير حيال امتحان شعاراتها في المزايدة بقضية فلسطين.
من الواضح أنه حتى حال انخراط حزب الله في حرب شاملة مع إسرائيل قد لا يمنع ذلك من تفاقم الملفات الأمنية لحرب غزة أمام إسرائيل، على نحو عام، وأمام حكومة نتانياهو على نحو خاص، ما سيعني لتلك الحكومة مزيدا من القدرة على توريط جهات خارجية كالولايات المتحدة بحثا عن مخرج من مأزق طوفان الأقصى.
كل الاحتمالات مفتوحة أمام نتانياهو فيما هو مرعوب من سيناريو اليوم الثاني للحرب في إسرائيل، وفي سبيل النجاة من استحقاقات ذلك السيناريو وتأجيله، قد تكون نجاة نتانياهو في توريط الولايات المتحدة معه أكثر في ملفات حرب غزة المتفجرة حول العالم.