معرض مسقط الدولي للكتاب
الإعلان عن استئناف معرض مسقط الدولي للكتاب لدوراته التي توقفت بسبب جائحة كوفيد-١٩ خبر سار انتظره الكثيرون. ولا شك أن عقد الدورة السادسة والعشرين للمعرض خلال الفترة من ٢٣ فبراير إلى ٥ مارس من العام القادم سيلاقي ترحيبا كبيرا من المثقفين والقراء وكذلك من دور النشر والمهتمين به في عمان وفي الوطن العربي وخارجه، الأمر الذي يستدعي إخراج المعرض بحلة جديدة وأن تستقبل الجهات المعنية بصدر أرحب ما يراد أن يعرض فيه من كتب وإصدارات، لكي يناسب المرحلة و ينطلق منها إلى أفق أوسع.
خلال السنوات الأخيرة أصبح معرض مسقط الدولي للكتاب وما يصاحبه من أنشطة ثقافية واقتصادية بمثابة مهرجان كبير يؤمه الكثير من المثقفين والقراء وطلبة المدارس والجامعات. بل إنه صار لدى البعض من هؤلاء أشبه بالعين التي يرون بها نور العلم والرئة التي يتنفسون بها عبير الثقافة. وكنت قد ذكرتُ في مقال نشرته لي جريدة عمان في وقت سابق أن معرض مسقط الدولي للكتاب أصبح مؤسسة ثقافية هامة ترسَّخَ نشاطها على مدى أكثر من ربع قرن بسبب انعقاده المنتظم وبفضل المشاركة المتزايدة فيه، سواء من دور ومؤسسات النشر أو من زواره والمشاركين في نشاطاته. وقلت في ذلك المقال إنه يجب البناء على ما حققه المعرض من نجاح وعلى السمعة الطيبة والتميز الذي عُرفتْ به المؤسسات الثقافية الأخرى في عمان من أجل إطلاق عمل ثقافي جديد يسهم في إثراء الثقافة العربية وإزالة ما ران على أصالتها من تشويه وكسْرِ ما يعيق تقدمها من أغلال.
وبالإضافة إلى الجوانب العلمية والثقافية للمعرض فإن له أيضا آثار إيجابية على بعض القطاعات والأنشطة الاقتصادية، ومنها قطاعات السياحة والنقل والاتصالات. كما أن المعرض يتيح فرصا عددية ينتظرها بعض أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة لعرض أو بيع ما لديهم من منتجات أو خدمات على زوار المعرض والمشاركين فيه. لذلك فإن على الجهات المنظمة والراعية للمعرض تقديم التسهيلات اللازمة لإنجاحه وتطويره من أجل مشاركة المزيد من العارضين فيه ولاستقطاب أعداد أكبر من الزوار إليه من داخل عمان وخارجها. وفي سياق تطوير المعرض و توسيع أنشطته فقد يكون من المناسب إقامة بعض الأنشطة الثقافية المصاحبة له خارج مركز المعارض، وذلك من أجل التعريف ببعض الأماكن والمعالم التراثية والثقافية أو للترويج للسياحة في عمان ولتنشيط بعض الأعمال الاقتصادية.
تعتبر دُور ومؤسسات النشر الرديف أو التوأم لمعارض الكتب، فبقدر ما تكون جودة ما تنشره وتعرضه من إصدارات يكون نجاح المعارض وتطورها. كما أن نجاح المعارض وما تقدمه من تسهيلات أمر مهم لاستقطاب دور ومؤسسات النشر العالمية المعروفة. إلا أن المؤسف أن عمان وأكثر الدول العربية تفتقر إلى دُور نشر قوية وجادة على غرار دور النشر العالمية الكبرى التي تمحص وتدقق فيما يراد نشره، لاسيما من حيث أصالة موضوعات الأعمال والمؤلفات المراد نشرها وموثوقيتها العلمية، والحرص على حسن الإخراج الفني للكتاب وجودة طباعته. وتعود ندرة توفر دور ومؤسسات نشر بذلك المستوى العالي في أكثر الدول العربية إلى عدة أسباب من أهمها ضعف القدرات المالية لدور النشر الخاصة بسبب المنافسة الشديدة من وسائل النشر الحديثة، وكذلك بسبب كثرة القيود الرقابية أو طول فترة استخراج التصاريح والرخَص المطلوبة للنشر. إلا إنه في الجانب الآخر يوجد عدد كبير من المؤسسات التجارية التي تقدم نفسها كدور نشر، لكنها في الغالب لا تراعي قواعد النشر المعروفة ولا تحترم التعاقدات التي بينها وبين الكتّاب. وفي اعتقادي أن نشر ما يكتب في مجالات العلوم والثقافة والفنون هي من الخدمات العامة التي على الحكومات تقديمها للمجتمعات. وهي لا تختلف عن الخدمات الأخرى التي تلتزم الحكومات بتقديمها مثل خدمات الصحة والتعليم والإعلام والرعاية الاجتماعية. لذلك فإنه لا بد من جود مؤسسات عامة تساعد أو تشجع على نشر إنتاج العلماء والمثقفين والكتاب.
وإذا كانت الظروف المالية والإدارية لا تسمح في الوقت الحاضر بأن تقوم الحكومة بنشر كلما ما يكتب من أعمال جادة أو تقديم دعم مالي مباشر أو غير مباشر لها فإن أهم ما ينبغي أن يتم في هذا المجال هو تخفيف القيود الرقابية غير الضرورية، سواء عند طلب الموافقة على الطباعة والنشر في الداخل أو عند طلب المشاركة في المعرض بكتب منشورة في الخارج. ولتشجيع اقتناء الكتب من أجل القراءة، فإنه من المفيد إعفاء مبيعات دور النشر والمكتبات من ضريبة القيمة المضافة، وتخفيض الرسوم التي تتقاضاها الجهات المنظمة للمعارض ودور العرض، والاتفاق مع الفنادق على تقديم أسعار مخفضة للمشاركين في المعرض. وحول تخفيف القيود الرقابية والتعجيل بإصدار التراخيص للكتب والمؤلفات المراد نشرها، فليس المقصود هنا الدعوة للسماح بنشر ما يتعارض مع قيم المجتمع أو يخدش الحياء، وإنما المقصود تسهيل نشر الأعمال والإصدارات الرصينة والجادة، لاسيما تلك المتعلقة بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتضمن وجهات نظر جادة ومدعومة بالوثائق والمستندات ولا تخرج عن السياق العام للقيَم والمبادئ الراسخة للمجتمع، وكذلك الكتب والمؤلفات المتعلقة بجوانب وأحداث وشخصيات أصبحت جزء من التاريخ الذي هو ملك لصانعيه ولا تجوز مصادرته أو التصرف فيه. وفي كل الأحوال فإن أكثر ما يكتب في تلك الجوانب هي وجهات نظر قابلة للنقاش، ونشرها يقع في إطار حرية الرأي التي هي مكفولة بموجب النظام الأساسي للدولة، وهو أمر أكد عليه كذلك صاحب الجلالة السلطان المعظم حفظه الله في أكثر من خطاب لجلالته. كما أن سياق الزمن ومقتضيات الحال تستدعي أو تفرض التعدد في الآراء والتنوع في الأفكار. وبالإضافة إلى ذلك فإن عدم السماح بنشر أو عرض الكتب أصبح أمر غير عملي في هذا العصر الذي يتيح وسائل عديدة وسريعة للنشر، ومن الصعب السيطرة عليها أو التحكم فيما تنشره. وما لا تتم الموافقة على نشره في بلد ما سيجد طريقه إليها بوسائل أخرى، من أهمها النشر عبر شبكة الإنترنت، وهي وسيلة أصبحت متاحة للجميع و بدون قيود كبيرة عليها.
وعلاوة على ذلك فإن التباطؤ في إعطاء الموافقة على الكتب والمؤلفات المراد نشرها، يدفع بالكتاب والمؤلفين إلى التعاقد مع دور نشر خارج البلاد، الأمر الذي يحرم دور ومؤسسات النشر والمطابع المحلية من فرص أعمال وإيرادات مالية يمكن أن تساعدها على البقاء والاستمرار في وقت تشتد فيه المنافسة لها من الخارج ومن وسائل النشر غير التقليدية. ومعلوم أن نشاط الطباعة والنشر من النشاطات الاقتصادية التي تحتاج إلى تجديد مستمر وإلى استخدام تقانة حديثة. وهذا النوع من النشاط الاقتصادي يساعد على إيجاد بعض فرص العمل التي تناسب العمانيين، لاسيما ذوي المؤهلات الجامعية في مجالات مثل الهندسة الإلكترونية أو التصميم والإخراج الطباعي، وهو ما يعني إمكانية تعمين الوظائف في هذا القطاع والتقليل من الاعتماد على العمالة الأجنبية في تلك المجالات.
• باحث في الاقتصاد السياسي و قضايا التنمية