محور الشر يغزو أوروبا

25 نوفمبر 2024
25 نوفمبر 2024

ترجمة: أحمد شافعي

باتت الحرب الروسية الأوكرانية ساحة قتال لا من أجل السيطرة على الأرض وحسب وإنما هي ساحة قتال على مستقبل الإنسانية. وتجتذب هذه الساحة جهات فاعلة من أنحاء العالم لتنخرط في صراع شديد المخاطر من أجل إعادة صياغة توازن القوى العالمي. ويستمر «محور الشر» الجديد في التصعيد، إذ ينضم إلى القتال جنود من كوريا الشمالية، فاضحين سياسة «إدارة التصعيد» التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.

في الوقت نفسه، يبدو العالم الغربي مترددا. إذ تصارع أوكرانيا، وهي أقل عددا وعتادا، من أجل التشبث بالخط الأخير في مواجهة موجات من القوات الروسية والكورية الشمالية. وفي ظل استمرار صناع السياسة الديمقراطيين في الافتقار إلى الإحساس بالعجلة في مساعدة أوكرانيا، يظل السؤال الملح هو هذا: هل ستمتلك قوى الديمقراطية إرادة الانتصار والسيادة، أم ستنجح القوى الاستبدادية في تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ؟

إن قوات كوريا الشمالية تقاتل الآن من أجل روسيا على أرض أوروبية. وتسعى روسيا سعيا حثيثا إلى زيادة تعزيزات حربها من أجل استعادة الأجزاء الخاضعة حاليا لسيطرة أوكرانيا في منطقة كورسك أوبلاست. وفي الوقت نفسه، تستثمر كوريا الشمالية اللحظة لتأمين دعم روسيا لها في طموحاتها الأوسع نطاقا من أجل زعزعة استقرار شرق آسيا.

لقد حشد الروس والكوريون الشماليون معا خمسين ألف جندي لهجومهم المضاد على الجيش الأوكراني في كورسك. وتحتاج روسيا بشدة إلى المزيد من الأفراد. فقد قدَّر مسؤولو الدفاع الأميركيون أن القوات الروسية اعتبارا من أكتوبر 2024 تكبدت أكثر من ستمائة ألف ضحية من القتلى ومن الجرحى.

وخلال شهر أكتوبر، بلغ متوسط عدد الضحايا في روسيا ألفا وخمسمائة ضحية في اليوم، وهو معدل غير قابل للدوام. ويسعى فلاديمير بوتن إلى تجنب جهود التعبئة واسعة النطاق من أجل منع الاضطرابات داخل المجتمع الروسي والحفاظ على الدعم الشعبي للحرب.

غير أن روسيا تمتلك المال، والكثير من المال، من عائداتها من النفط والغاز التي فشل الغرب في استهدافها بالقدر الكافي. وهذه الوسادة المالية تتيح لروسيا أن تدعم جهودها الحربية على الرغم من نقص الأفراد لديها. وعلى العكس من ذلك، تنعم كوريا الشمالية بوفرة من الأفراد ولكنها في حاجة ماسة إلى عملات أجنبية. ومن المرجح أن تسعى كوريا الشمالية إلى استغلال احتياج روسيا الماس في استجلاب التكنولوجيا الحساسة اللازمة لتعزيز برامجها النووية والصاروخية، وهو الأمر الذي يزيد من تهديدها للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.

وعلاوة على ذلك، ترى كوريا الشمالية، شأن الصين، دعمها لروسيا وسيلة لاستنزاف الموارد الغربية. والغرب الضعيف مفرط التوسع يتماشى تماما مع طموحات كوريا الشمالية في شبه الجزيرة الكورية. وفي حال تخلي الغرب عن أوكرانيا، فسوف يؤدي ذلك إلى إضعاف مركزه بشكل كبير وتشجيع أعدائه.

ولقد واصل المستشار الألماني أولاف شولتز إضعاف المركز الغربي إذ كسر أخيرا العزلة الدبلوماسية المفروضة على روسيا بمكالمة هاتفية. فمنح لفلاديمير بوتن انتصارا رمزيا بحديثه الهاتفي معه، حتى لو كان الهدف من المكالمة هو محاولة الدفع إلى المفاوضات. ويعكس رد فعل الغرب الصامت على انضمام القوات الكورية الشمالية إلى الهجوم في كورسك موقفا انهزاميا تجاه أوكرانيا. ومن المرجح أن يفهم القادة الغربيون أن روسيا لن توافق على وقف لإطلاق النار بينما تحتفظ أوكرانيا بالسيطرة على كورسك. ومن وجهة نظرهم، قد يكون السماح لروسيا باستعادة كورسك تمهيدا لطريق الخروج السريع من دعم أوكرانيا تماما.

في حين رفعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أخيرا القيود المفروضة على استخدام القوات الأوكرانية للصواريخ بعيدة المدى داخل روسيا، فإن هذا القرار يأتي بعد سنوات من الوقت الذي كان ينبغي اتخاذه فيه، كما أنه يقتصر على منطقة كورسك. من المرجح أن يكون الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قدَّر أن السماح لأوكرانيا بضرب القوات الكورية الشمالية والروسية في كورسك لن يعد في نظر موسكو استفزازا مفرطا، وخاصة مع استعداد إدارة رئاسية أمريكية جديدة لتولي السلطة، ويحتمل أن تقلص هذه الإدارة الجديدة الدعم لأوكرانيا.

كان يمكن أن يكون أفضل رادع هو تزويد أوكرانيا بكل الأسلحة التي تحتاج إليها في بداية الحرب دونما فرض قيود على استخدامها. فقد كان هذا النهج ليضمن عدم حصول جنود كوريا الشمالية على فرصة الانضمام إلى الصراع بعد سنوات. وكان يمكن أن يكون ثاني أفضل الخيارات هو رفع جميع القيود فورا وتزويد أوكرانيا بقدرات محسنة بعيدة المدى فور ظهور تقارير عن دعم جنود من كوريا الشمالية لروسيا. فقد كان من شأن هذا أن يكون أفضل موقف لردع كوريا الشمالية عن الانخراط بشكل أكبر في الحرب.

أما النهج الانهزامي الذي تبناه زعماء من أمثال شولتز فلن يؤدي إلا إلى تمهيد الطريق لصراعات أكبر كثيرا في المستقبل، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقوية محور الشر. وفي حال استمرار الغرب في الوقوف مكتوف الأيدي بينما القوات الروسية والكورية الشمالية تشن حربا على أوكرانيا دونما زيادة كبيرة في دعم كييف، فسوف تكون النتيجة فوضى أكبر وتآكلا متسارعا للنظام الدولي الذي حافظ على السلام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية - لا في أوروبا وشرق آسيا فقط، وإنما في جميع أنحاء الكوكب. فأوكرانيا الآن هي التي تعمل على حماية العالم الغربي بدمائها. وهي واقفة في ذلك بمفردها، وتزداد يوما بعد يوم وقوفا بمفردها.

ديفيد كيريشينكو صحفي مستقل وزميل باحث مشارك في جمعية هنري جاكسون، وهي مؤسسة بحثية مقرها لندن.

ذي ناشونال إنتريست