محددات المزاج العام
عندما نتابع يوميا ما يُنشر في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ونستمع للأحاديث العامة يتردد مصطلح المزاج العام أو الجو العام، وأصبح عادة ذكر المصطلح حتى في الأحاديث الجانبية بين شخصين أو جماعة، ربما بهدف إقناع الطرف الآخر بأهمية الموضوع محل النقاش أو ليبرر لنفسه هدف الخوض في الحديث عن موضوع معيّن دون الإلمام بحيثياته؛ لذلك يقع المرء في دائرة الشك في مصداقية حديثه أو تبريره إذا لم يعط تفاصيل دقيقة واكتفى بذكر آراء واهية غير مقنعة ولا مثبتة على أرض الواقع، وهنا أستحضر عبارة لأكثم بن صيفي عندما قال «آفة الرأي الهوى»، وهي توصيف دقيق للبعض عندما يريد أن يثبت ما يقول بالإشارة إلى المزاج العام والجو العام وتتبين لاحقا أنها آراء واهية أو حدس يراد به باطل، حتى وإن كان بحسن النية إلا أن البعض ينتهزها فرصة لبث السلبية أو التقليل من جهد معيّن.
ولم يكتف البعض بالآراء التي يبثها بل يسارع إلى حشد أكبر عدد من المتابعين والمستمعين إليه؛ ليحفّزهم على اتباع آرائه والترويج لها رغم إدراكه بخطورتها إذا انتشرت بين الناس، حيث يقول الفيلسوف اليوناني ابيكتيتوس «ليست الأشياء هي التي تكدّر الناس وإنما الآراء التي يكونونها عن هذه الأشياء».
إن عدم الفهم التام والصحيح لبعض الأمور يمثّل عقبة كبرى وباستمرار عدم فهمها أو تفسيرها بطريقة خاطئة من قبل البعض تبني آراءً سلبية وتكوّن عاطفة سلبية، مما توهم هذه الآراء بأن المزاج العام غير راض عن القرارات المتخذة أو السياسات المتبعة للتعامل مع حالة معينة محدودة الوقت والآثر، ورغم الفهم المحدود لدى البعض عن المزاج العام، فإن تكوّنه يتطلب مدخلات عديدة وقياسه صعب لما يتطلب من معايير دقيقة لأنه يمثّل صدى للحالة النفسية للشخص ويتأثر بالظروف المحيطة لا سيما الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأرى أن عوامل مثل صناعة الشائعات وتضليل الرأي العام والإيحاء بوجود رأي عام محدد ربما يكون مدخلا فاعلا لتكوين مزاج عام غير حقيقي. من المهم أن نشير في المقال إلى أن اندماج وسائل التواصل الاجتماعي في الحياة اليومية الاجتماعية، ساعدت على توحيد المزاج العام مجتمعيا؛ لدورها في حشد أكبر عدد من الأشخاص في مكان واحد والاشتغال على اتجاه معيّن للمزاج العام، لذلك تحريك أصوات العامة بإثارة الجوانب النفسية والاجتماعية سيكون لها تأثير كبير على سيكولوجيتهم ومن المهم دراسة هذه الجوانب لقياس حقيقة المزاج العام من عدمه مع عدم الإغفال عن الجوانب غير المرئية في البشر مثل الحدس والمشاعر التي تجعلهم يشاركون في المزاج العام وإن كانت يصفها البعض بأنها حسابات غير عقلانية في تحديد المزاج العام.
وهنا ينبغي تركيز الجهود العلمية على قراءة المزاج العام جيدا بالاستفادة من استطلاعات الرأي العام بأسلوب موضوعي ومنهجيات دقيقة؛ بهدف فهم المزاج العام عموما وما يصبو إليه، ولا أميل إلى تحليل المزاج العام بالاعتماد على النظريات والفرضيات والمقولات المتداولة ولكن بأسلوب فلسفي تحليلي يحوي أسئلة ونقاشات مستفيضة وواقعية لتحليل المزاج العام عبر الاستفادة من المسلمات والنظريات التي يستند إليها العلم؛ وذلك لتكوين صورة عامة عن المزاج العام بدلا من الآراء الشخصية التي أظن أنها تتأثر إلى حد ما بالمزاج العام.
في الفترة الماضية تابعت تأثير المزاج العام الذي ينتهج أسلوب السؤال عن انعكاسات الجهود الاقتصادية الإيجابية على الحياة اليومية الاجتماعية، ورغم وضوح تحسّن الوضع المالي والتصنيف الائتماني لسلطنة عُمان خلال فترة وجيزة، فإن المزاج العام لم يستطع أن يتغلب على السلبية التي يفتعلها البعض للتقليل من أهمية المنجزات التي تحققت خلال 4 سنوات فقط منذ بدء النهضة المتجددة التي يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله وأبقاه، وإن كنا على يقين بأن ما تحقق لم يكن في مخيّلة أشد المتفائلين بالتحسن المالي والاقتصادي الذي تشهده سلطنة عُمان، في غضون أسبوع واحد أعلن جهاز الاستثمار العُماني عن شراكة استثمارية مع شركة «أكس أيه آي» الأمريكية المختصة في تقنيات الذكاء الاصطناعي الذي تتنافس الدول الأخرى على استثماراته وتوطين تقنياته، واستطاعت المالية العامة للدولة التغلب على التحديات التي عانت منها لسنوات طويلة بفضل الإجراءات المالية العاجلة وتطوير الهيكل العام للميزانية العامة للدولة، مما أسهم في توفير كلفة الاقتراض وتعظيم الإيرادات المالية، مع الموازنة بين متطلبات برامج الحماية الاجتماعية والالتزامات الواجب سدادها في الموعد المحدد، وقيام وكالة فيتش للتصنيف الائتماني بتغيير النظرة المستقبلية لسلطنة عُمان من مستقرة إلى إيجابية، إضافة إلى الخبر الأهم والأجمل المتمثل باستحواذ سلطنة عُمان على حصة في منجمي «كاتوكا»، و«لويلي» في جمهورية أنجولا، هذه الأخبار الإيجابية جميعها أثّرت على المزاج العام وحوّلت السلبية التي يروّج لها البعض إلى اطمئنان وارتياح ساعدا على ارتفاع سقف التفاؤل بمستقبل اقتصادي مشرق لعُمان، فاليوم نعيش ثمار الجهود التي بُذلت خلال السنوات الماضية بقيادة جلالة السلطان المعظم -حفظه الله، والمأمول أن يتحسّن المزاج العام ليكون أكثر إيجابية بعيدا عن الآراء الواهية التي تثبت عدم حقيقة وجود رأي عام محدد.
حفظ الله عُمان وقائدها وشعبها.