محادثات وقف إطلاق النار المهددة بالفشل

21 أغسطس 2024
ترجمة: أحمد شافعي
21 أغسطس 2024

جولة أخرى من محادثات وقف إطلاق النار والرهائن، أجريت هذه المرة في الدوحة، وانتهت هي الأخرى بالإحباط والخيبة. ويرجع القدر الأكثر من أسباب هذا إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لا يحتمل أن يقبل أي اتفاق يمكن أن تطرحه حماس باعتباره انتصارا، ولذلك فقد غلَّل أيدي الوسطاء الإسرائيليين بشروط تبدو مستحيلة القبول من قبل حماس.

بعيدا عن جوهر أي اتفاق محتمل بين الجانبين ثمة عصارة عاطفية من جراء العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية، أي إن المعركة على الكرامة والشرف الوطنيين. لقد ألقت إسرائيل على غزة كميات هائلة من المتفجرات منذ السابع من أكتوبر بسبب المذلة التي شعر بها الإسرائيليون جميعا وخاصة القادة الإسرائيليين والجيش؛ لذلك فإن الحرب الجارية منذ أكثر من عشرة أشهر إنما أكثرها حرب ثأرية من الجانبين، ولكن لها مع ذلك عواقب استراتيجية كبيرة لإسرائيل وحماس والشعب الفلسطيني وبلاد المنطقة والقوى الكبرى في العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

سوف ترى حماس أي اتفاقية مع إسرائيل تنهي حرب غزة وتفضي إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع وتطلق سراح سجناء فلسطينيين باعتبارها انتصارا لهم واستسلاما من إسرائيل، وسوف تقدمها على هذا النحو؛ ولذلك لن يوافق المفاوضون الإسرائيليون على انسحاب كامل، ويطالبون بحضور عسكري إسرائيلي بعيد المدى بمحاذاة حدود غزة ومصر، وبآلية أمنية من شأنها أن تضمن ألا يستطيع مقاتلو حماس وغيرهم من العسكريين الانتقال من جنوب غزة إلى الشمال. إضافة إلى ذلك يطالب نتنياهو بحق الفيتو على السجناء الفلسطينيين الذين سوف يتم إطلاق سراحهم في الصفقة، وأن يتم ترحيل المحكوم عليهم بالسجن مدى الحياة إلى خارج فلسطين مدى الحياة. وهذه الشروط الإضافية غير مقبولة من قبل حماس.

يصعب أيضا أن نتخيل أن يبرم نتنياهو أي اتفاقية مع حماس قبل قتل زعماء حماس الأساسيين في غزة، وبخاصة يحيى السنوار، فعندما يعثر الجيش الإسرائيلي على السنوار ويقتله، يُحتمل أن يكون رهائن إسرائيليون محيطين به وقد يكون ذلك في مخبأ مفخخ بالمتفجرات، ويُحتمل أن ينشب صراع حتى الموت قد يؤدي إلى مصرع جنود ورهائن إسرائيليين وكذلك زعماء وجنود من حماس. وهناك مخاطرة أيضا بأن يقوم مقاتلو حماس بقتل مزيد من الرهائن الإسرائيليين عند قتل زعيمهم.

بالنسبة لأغلب الإسرائيليين، ما من نصر دون رجوع بقية الرهائن الإسرائيليين في غزة، غير أن هذه المفاوضات توضح أن نتانياهو وضع هدفه المستحيل، وهو النصر الكامل مقدما على عودة الرهائن آمنين. وقد لا يكون كثير منهم أحياء إلى الآن، إما لمقتلهم على أيدي حماس أو بسبب قنابل إسرائيلية. وثمة احتمال بألا يتم العثور على بعض هذه الجثامين وإعادتها. ولقد تركزت الروح الإسرائيلية تاريخيا على مبدأ عدم ترك أحد وراءهم. وقد ذهل العالم حينما قامت إسرائيل في عام 2011 بإطلاق سراح ألف وسبعة وعشرين سجينا فلسطينيا (كان ثلاثمائة منهم يقضون أحكاما بالسجن المؤبد لارتكابهم هجمات عنيفة) في مقابل جندي إسرائيلي واحد. في ذلك الوقت، ناصر 80% من الإسرائيليين تلك الصفقة وصوّت ستة وعشرون من أعضاء حكومة نتنياهو تأييدا لها، ولم يعارض غير ثلاثة. ويبدو أن هذه الروح قد تحطّمت الآن، وليس بوسع أحد أن يتهم نتانياهو بعدم الرغبة في إعادة الرهائن، لكن يبدو واضحا للغاية أن الأمر لا يمثل أولوية قصوى لديه. ويعتقد أغلب المعلقين الإسرائيليين أن انتصار نتانياهو الكامل غايته الكبرى إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة من أجل بقائه في السلطة. وتشهد استطلاعات الرأي على تقدم بطيء يحققه رئيس الوزراء في ظل أن قاعدته - التي نبذته إلى حد كبير بعد هجمة حماس - قد بدأت في الرجوع إليه.

تعتمد فرص نجاح المفاوضات بين إسرائيل وحماس على مقدار النفوذ الذي لا يمانع الوسطاء من ممارسته على الجانبين مع استئناف المحادثات الجديدة الأسبوع المقبل. فالولايات المتحدة لها سلطة كبيرة على إسرائيل، سواء من خلال الغطاء السياسي الذي توفره الولايات المتحدة لإسرائيل في الأمم المتحدة أو من خلال القدرة على وقف تدفق القنابل إلى إسرائيل. وبوسع الولايات المتحدة أن تقول إنها ستحمي إسرائيل إذا تعرضت لهجوم من جانب إيران أو حزب الله، ولكنها لن تزود إسرائيل بالقنابل لإسقاطها على غزة. ولكل من مصر وقطر نفوذ كبير على حماس؛ إذ يتخذ بعض من قيادة حماس مقرا لهم في الدوحة، في حين يمثل معبر رفح شريان حياة لقطاع غزة. وتشير التقارير إلى وجود مائة وستين ألف فلسطيني فروا من أهوال الحرب في غزة وتجاوزوا مدة إقامتهم المسموحة في مصر، وهذه نقطة أخرى من نقاط النفوذ على حماس، أو على الشعب الفلسطيني.

في هذه المرحلة، وبعد مرور أكثر من عشرة أشهر على بدء الحرب التي أسفرت عن مقتل أكثر من أربعين ألف شخص في غزة وأكثر من ألف وستمائة إسرائيلي، لا بد أن تنتهي هذه الحرب، وما من حل عسكري لهذا الصراع ولم يكن من حل عسكري له قط، إذ لابد من مسار جديد لنهاية تفاوضية للصراع الأكبر، ولكن هذا المسار يبدأ بإنهاء هذه الحرب، وانسحاب إسرائيل من غزة، وعودة الرهائن الإسرائيليين إلى ديارهم، وإنشاء حدود آمنة بين غزة ومصر، وقوة دولية بقيادة عربية في غزة لفترة محدودة من الزمن، وإقامة انتخابات جديدة في فلسطين، وانتخابات جديدة في إسرائيل، ثم عملية سلام إقليمية تحقق حل الدولتين، مع إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة فلسطين حرة وديمقراطية، وتحقيق الحرية والسلام والأمن للجميع.