ماذا لو استمرت أزمة أوكرانيا للأبد؟

06 يونيو 2022
06 يونيو 2022

لقد أصبح هجوم روسيا على أوكرانيا يشبه العديد من الأزمات الجيوسياسية السابقة، فعلى مر التاريخ كانت الأحداث التي تبدو في أول الأمر كاضطرابات مؤقتة قد طال بها الزمان، علما أن ما يبدأ كمواجهات قصيرة غالبا ما يؤدي إلى مستنقع لا نهاية له على ما يبدو.

إن أشهر مثال على مثل تلك الأزمات هي الحرب العالمية الأولى التي وصفها جورج ف كينان بدقة على أنها «أعظم كارثة مؤثرة» في القرن العشرين.

لقد أدى الحجم الهائل للتعبئة في أغسطس 1914 إلى اعتقاد على نطاق واسع إن الصراع قد لا يستمر طويلا، « أي أن الحرب سوف تنتهي بحلول عيد الميلاد»، ولكن الذي حصل لاحقا هو نشوب حرب استنزاف مع عدم وجود حركة تقريبا على الجبهة الغربية، وكما كانت إيبرس في إقليم فلاندرز موقعًا لمعارك شرسة في عام 1914 كانت كذلك مرة أخرى في عام 1918، فهل ستكون هناك معارك في ماريوبول في عام 2026؟ صحيح أن المستشار الألماني أولاف شولز قد ألزم حكومته برسالة مفادها أن روسيا «يجب أن لا تربح هذه الحرب» كما أعلن الفيلسوف الألماني العظيم يورجن هابيرماس بالمثل أن أوكرانيا « يجب أن لا تخسر» ولكن عندما يصدر القادة السياسيون والمفكرون الأوروبيون مثل تلك التصريحات الدراماتيكية، فإن من الواضح أنهم يعوضون عن شعور كامن بالعجز. ماذا يمكن أن تعني مثل هذه التصريحات عند الوصول لطريق مسدود؟.

من الصعب تصور كيف يمكن لأوكرانيا «ألا تخسر». إن الأزمات مثل أزمة أوكرانيا عادة ما تتبع مسارا معتادا من التصعيد والتسييس وبينما يستمر الصراع، فإن المشاركين يصبحون أكثر انخراطا فيه وهذا لا يقتصر على الناحية المالية فحسب، بل أيضا من الناحية الروحية والمعنوية.

إن التضحيات من أجل القضية تحول الصراع إلى شيء مقدس- أو على الأقل يتمتع بشيء من القداسة وهذه تعتبر خطوة مهمة للأشخاص الموجودين بالسلطة، حيث لا يوجد أحد يريد أن يكون مسؤولا عن التسبب في وفيات بلا معنى، فخسارة الأرواح يجب أن يتم تقديمها على أنها تحمل معنى أعمق كما حاول البطريرك كيريل من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أن يفعل وذلك عندما قام بمباركة حرب فلاديمير بوتين. عندما يترسخ هذا النمط، يصبح من الصعب بشكل متزايد معرفة كيف يمكن لهذا الصراع أن ينتهي بدون انهيار كامل لأحد الأطراف. قد لا نعرف أبدًا بشكل دقيق الديناميكية التي تتحرك بموجبها القوى ضمن الكرملين. لكن من المنطقي أن نفترض أن استراتيجية بوتين هي الصمود حتى تفقد أوروبا والولايات المتحدة القدرة أو الإرادة لمواصلة دعم أوكرانيا ومعاقبة روسيا. إن مما لا شك فيه أن الكرملين يأمل أن لا تكون الدول الغنية قادرة على تحمل مشقة ارتفاع أسعار الوقود والغذاء وتأثيراتها على الاقتصاد والدخل. في الماضي كان زعماء الحروب الذين يصلون لطريق مسدود يحلمون بتوسيع نطاق الصراع وهكذا فإن من الممكن أن بوتين أيضا يحسب أن أزمة الغذاء العالمية التي تسببت بها الحرب سوف تؤدي إلى اضطرابات سياسية في المناطق المستوردة للغذاء وتعاني من الضعف مثل الشرق الأوسط مما سوف يؤدي إلى الدفع بموجة جديدة من اللاجئين باتجاه أوروبا. إن بوتين والمقربين منه قد أظهروا بالفعل أنهم قد يستخدمون المهاجرين واللاجئين اليائسين كسلاح ضد الغرب.

بدلا من ذلك، قد يحسب الاستراتيجيون الروس أن الغرب وبكل بساطة سيفقد الاهتمام في نهاية المطاف وفي عصرنا المشبع بوسائل الإعلام فإن من المعتاد أن تكون فترات الاهتمام بموضوع ما قصيرة الأجل ويمكن بسهولة تشتيت انتباه الجمهور الغربي من خلال الفضائح المثيرة، سواء كانت مواجهة بين المشاهير في محكمة أو إطلاق نار مروّع في أحد المدارس وبالنسبة للمجتمعات التي تفقد الاهتمام بالشأن الأوكراني، ستبدو صور سيفيرودونتسك مرة أخرى بعيدة وغير مفهومة.

بالإضافة إلى ذلك فإن الانتخابات تُقام بالدول الديمقراطية بشكل منتظم وعليه قد تكون مسألة وقت فقط قبل أن تتغير سياسات البلدان الرئيسية. إن من الواضح أن الكرملين كان يأمل في أن تهزم مارين لوبان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية الشهر الماضي. ماذا لو استمر الصراع حتى عام 2025 وخلال تلك الفترة يؤدي التضخم المرتفع والآمال المحبطة في التوصل إلى حل سريع إلى تقويض عزيمة الغرب؟ كيف ستتعامل إدارة أخرى لترامب (أو لشخص من أنصاره) في الولايات المتحدة مع هذه القضية؟ وحتى ذلك الحين، سوف يستمر كل طرف في القتال من أجل التحكم باللغة السياسية، حيث يعلن القادة الغربيون أنه من خلال دعمهم لأوكرانيا فإنهم يقاومون العدوان ويمنعون الإبادة الجماعية ويتصدون للسلطوية الفاشية ويحافظون على التعددية، ولكننا نسمع اللغة نفسها تقريبا من روسيا، حيث من المفترض أن بوتين قد شن «عملية عسكرية خاصة» لوقف عدوان الناتو والتصدي للنازية الأوكرانية ومنع الإبادة الجماعية وإنقاذ التعددية من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية. وبينما يفضح السياسيون الغربيون بوتين، يقوم العاملون بالدعاية الروسية بتزييف التاريخ والواقع، فوفقًا لماريا زاخاروفا، مديرة المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية الروسية، فإن تحذير جورج أورويل في رواية 1984 لم يكن موجهًا ضد الاتحاد السوفييتي بل ضد الليبرالية الغربية. هل استخدام كلا الطرفين للغة نفسها يعني أنه يمكن إجراء بعض المناقشات عن إنهاء الحرب؟ أو أن العكس هو الصحيح؟ أي أن الكلمات قد أصبحت بلا معنى؟ إن من المرجح أن الكلمات قد أصبحت بلا معنى مما يوحي أن كسب الحرب هو الطريقة الوحيدة لاستعادة المعنى، ولكن حتى هذا لن ينهي الأزمة، ففي نهاية الحرب العالمية الأولى تحدث المنتصرون بشكل مستمر عن الديمقراطية وتقرير المصير ولكنهم استمروا في تهيئة الظروف لاستمرار الصراع بشكل آخر ومن أجل تجنب هذه النتيجة في هذه المرة، فإن النصر يجب أن يؤدي إلى تغييرات أساسية في النظام السياسي الدولي.

هارولد جيمس أستاذ التاريخ والشؤون الدولية بجامعة برينستون. متخصص في التاريخ الاقتصادي الألماني والعولمة