لهذه الأسباب نتطلع بتفاؤل للقمة العربية القادمة

10 مايو 2023
10 مايو 2023

لن نبالغ إذا ما قلنا إننا لأول مرة نتطلع بشغف للقمة العربية، ونتفاءل بها أكثر من القمم السابقة، بل لا وجه للمقارنة، حيث إن القمة العربية «33» التي ستعقد في الرياض بعد أسبوع من الآن تقريبا نتوقع منها إعادة إحياء طموحات عربية تاريخية كبرى كإصلاح الجامعة العربية، وتحويلها إلى تكتل عربي قوي بمعايير براغماتية، وذلك تناغما مع ما يحدث الآن عالميا من تأسيس النظام العالمي على أسس كتل كبيرة، ومنها إقامة شراكة عربية إفريقية تعزز حضور العالم الثالث في النظام العالمي الجديد، وتتقاطع مع التكتلات والدول الأجنبية التي كانت تقف مع قضايا العالم الثالث مثل مجموعة بريكس التي تضم دولا كبرى وأخرى صاعدة، مثل الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل، ولنا تصور حجم تأثير التكتل العربي المأمول، وشراكته الإفريقية، وتعاونه مع دول وتكتلات طامحة لتغيير النظام العالمي؟.

ورهاناتنا تنطلق من خلال مواعيد عربية عربية، وعربية إفريقية كبرى ستقع خلال عام 2023، لا يمكن تجاهلها كأحداث تتلازم مع متغيرات دراماتيكية عالمية، ومع تفاعل دول مجلس التعاون الخليجي معها إيجابا - أي المتغيرات - بحيث نجد الدول الخليجية الآن في موقع القيادة العربية والإفريقية خاصة، والتأثير العالمي عامة، وأهم هذه المواعيد هي:

- القمة العربية المرتقبة في الرياض.

- قمة عربية خاصة بالتنمية العربية في نواكشوط.

--قمة عربية إفريقية.

والقمم الثلاث ستعقد خلال عام 2023، وننظر لها على أنها أفضل تعبير للوعي العربي الحديث بقيادة خليجية في التفكير والتدبير والتأسيس، وذلك للاستفادة من الفرص التي تنتجها المتغيرات الدولية الآن، بعد ما تمكنت الدول الخليجية وبالذات الرياض من تحديث فكرها السياسي، وجعل البراغماتية حاكمة لتفكيرها وعلاقاتها العربية، فشهدنا اختراقات كبرى في علاقاتها مع طهران وأنقرة إقليميا، ومع بكين وموسكو عالميا بكل هدوء ودون معارضة علنية من واشنطن، وكذلك نجاح الرياض في استضافة قمم خليجية صينية وعربية صينية خرجت بنتائج استراتيجية، وهنا قد تفهم بعض الدوافع من عقد أولا القمة العربية «32» قريبا «توقيتا» وفي الرياض «مكانا»، والقمة العربية الإفريقية لاحقا.

فيما تعزز القمة التنموية في نواكشوط الرهان على الوعي البراغماتي الذي يقود المسيرة العربية الآن، والتي نتائجها ستؤسس التكتل العربي القوي الذي ستواجه به «22» دولة عربية تحدياتها التنموية بصورة جماعية ومشتركة، وستنطلق به لمواجهة التكتلات الإقليمية والعالمية بصوت واحد، مما ستتعاظم معه المصالح والمنافع العربية الجماعية، عوضا عن الفردانية، لأن الأساس الجامع لكل التكتلات الإقليمية والعالمية «اقتصادي» في تراجع ملموس للبعد السياسي والأيديولوجي، وهنا سبب آخر لتحويل الجامعة العربية إلى تكتل قوي متضامن بين أعضائه، فهي كيان جامع لكل مصالح العرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. حيث يستحيل فصل الاقتصاد والسياسة عن الأيديولوجيا في أي تكتل عربي قومي، حتى في حالة تجديد الجامعة العربية.

لكن، لن تكون الاستمرارية المتجددة بصورها العاطفية السابقة، وإنما وفق برغماتية التجربة لا المبادئ والأفكار الطوباوية، وهذا يتجلى لنا في شروط الاستثمارات السعودية داخل المنطقة العربية، ومن بينها دول عربية مركزية، فالرياض تشترط إصلاحات اقتصادية واجتماعية، وإدارة مالية رشيدة أولا قبل وصول استثماراتها، وتهجر كليا سياسة المنح والمساعدات المالية المجانية، وتقدم في بعض تجاربها العربية نموذجا مثاليا يمكن عليه بناء مستقبل العمل العربي المشترك، وهو التخفيف من جمود البعد السيادي للدول، وجعله مرنا يستوعب المصالح والمنافع المشتركة، بعد ما كان هذا البعد تتحطم فوق صخرته الكثير من المشاريع العربية المشتركة، وتتحطم فوقها كذلك كل الطموحات العربية في الاتحاد أو الوحدة الاقتصادية العربية.

فهل يمكن أن تصبح البراغماتية خيارا عربيا بالإجماع؟ هنا لا ينبغي أن ننظر للبراغماتية على أنها خيار عربي إرادي، وأنما تدخل في إكراهات الصيرورات، حيث تجد معظم الدول العربية - بما فيها المركزية - نفسها تحت إكراهات الموافقة، وقد أشرنا في تحليل بهذا الصدد نشر في الرياض الأول من مايو الحالي في إصدار صحفي متخصص بالشأن الخليجي، إلا أن أغلبية الدول العربية تجد نفسها منشغلة أو انشغلت بتحديات داخلية وجودية، هي الآن في أمس الحاجة إلى من ينقذ اقتصادياتها، ويخفف من حدة احتقاناتها الاجتماعية، وستقبل تحت هذه الإكراهات شروط الاستثمارات الخليجية من جهة، وستنفتح مع الطروحات الإصلاحية للجامعة العربية، كما تمثل الاستثمارات السعودية والإماراتية والقطرية لدول أخرى الضرورة الحتمية لتنويع اقتصادياتها، والتحرر من تبعيتها للنفط.

وما دامت الأنظمة العربية قد وصلت إلى مرحلة الانصياع للإكراهات إنقاذا لاقتصادياتها، وتفاديا لانفجار احتقاناتها، فهذه كبرى المؤشرات لتحقيق الطموحات العربية التاريخية، كالسوق العربية المشتركة، ومحكمة العدل العربية، وتشكيل قوة عربية، وتغيير آليات العمل العربي داخل الجامعة كالتصويت عوضا عن التوافق.. إذا ما كان الوعي الخليجي القائد للزمن العربي الجديد واعيا بمثل هذه الاستحقاقات، وواعيا بالظروف المهيأة لها الآن على وجه التحديد، وسيتضح لنا هذا الوعي من عدمه خلال قمة الرياض المقبلة، فهي التي ستحدد لنا ملامح وغايات قمة نواكشوط التنموية، والتي نراها من حيث سياقاتها السياسية والزمنية أنها ستكون الأداة التنفيذية لنتائج قمة الرياض، حيث إنها ستتخصص في ملف التنمية العربية في إطار العمل العربي المشترك.

من هنا نتوقع انطلاقة المشاريع العربية الكبرى التي تجمدت طوال العقود الماضية والتي أشرنا إليها سابقا، مع التأكيد على أهمية إقامة سكة حديد تربط كل الدول العربية فيما بينها من جهة، وبينها والدول الإفريقية من جهة ثانية، وفق رؤية عربية وإفريقية خالصة دون أن تربط بأجندات سياسية أمريكية، وذلك على اعتبار أن إفريقيا ينبغي أن ينظر إليها كداعمة تاريخية متجددة لقوة العرب في عصر الكتل الإقليمية والعالمية الكبيرة، كما يظهر العرب للقارة الإفريقية الشريك الكامل الثقة، وهناك عدة عوامل تجعل العلاقة بين العرب وإفريقيا مستدامة، أبرزها التواصل الجغرافي والديموغرافي بين الجانبين خصوصا في شرق القارة كتنزانيا وكينيا وإريتريا وإثيوبيا والصومال وجيبوتي وجزر القمر.. إلخ، حيث يلتقي الساحل الإفريقي وبحر العرب، وحيث الأصول العربية التي اختلطت مع الدماء الإفريقية، فضلا عن دور الإسلام الجامع لهذه الديموغرافيات، كما أن البحر الأحمر بكامله يعتبر خليجا مستطيلا يفصل بين أرض عربية، وأخرى إفريقية - مصدر جغرافي - لذلك فإن أمن البحر الأحمر مسؤولية مشتركة بينهما.. إلخ.

وبالتالي، يعتبر توثيق العلاقات العربية الإفريقية من أولويات الزمن العربي الجديد، ومن هنا كذلك، نفهم البعد السياسي من القمة العربية الإفريقية المرتقبة في ظل الصراع العالمي الجديد على القارة الإفريقية، ولنا في انسحاب باريس من مستعمراتها القديمة الذي يشبه الطرد لصالح بكين وموسكو، وكذلك الحال للنفوذ الأمريكي فيها، نموذج نقدمه هنا، وهنا مفارقة زمنية عجيبة، فما يحدث لأوروبا وأمريكا في إفريقيا، يحدث لهذه الدول في الخليج، وبالذات واشنطن، الثابت في الحدثين بكين، فهي قائدة التحولات الدولية في إفريقيا، وهي ذاتها في منطقة الخليج بعربها وفرسها، وستكون بكين سعيدة لو تتعامل مع تكتل عربي قوي وموحد وبديموغرافيا كبيرة تقدر بـ «400» مليون نسمة، فكيف إذا ما أضفنا إليها سكان القارة الإفريقية التي تعد ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، والتعامل العربي مع الأفارقة ينبغي أن يكون من خلال تكتلاتهم القائمة، حيث يوجد العديد منها، لكن الفاعل منها «3» هي: تجمع دول شرق إفريقيا، والتجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا، والتعاون التنموي لدول جنوب إفريقيا، ولدول الخليج العربي علاقات اقتصادية كبيرة معها، فاستثماراتهم فيها تبلغ «100» مليار دولار، والتبادل التجاري يبلغ «70» مليار دولار عام 2019.

ولم نتناول من خلال ما تقدم قضايا سياسية مهمة مثل عودة دمشق إلى الصف العربي أو المصالحة الفلسطينية.. إلخ، لأننا نعتبرها تحصيل حاصل الزمن العربي الجديد، والأهم ظرفيا إصلاح بيت العرب، وجعل ميثاقه ومؤسساته وآلياته الحاكمة للعمل العربي المشترك تحول دون تكرار سلبيات الماضي، كما أننا لم نتناول القضية السودانية، لأنها من بقايا الزمن العربي القديم، وتنتقل للزمن العربي الجديد لكي تتشكل سياسيا بالمشهد المخطط لها، ومهما يكن من تحديات للقضايا العربية المختلفة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية وإصلاح بيت العرب.. فإن ذلك سيكون مرهونا بالتوافق الخليجي الخليجي أولا، ومعظم ما أشرنا إليه من طموحات عربية كبرى تتوقف على هذا التوافق.. لا نقلل من البعد العربي، لكنه يقع الآن تحت مجموعة إكراهات وجودية، ورغم ذلك سيكون له هامش معتد به في القمم العربية والإفريقية.