لقد نال حسن نصر الله ما كان يتمنّاه

30 سبتمبر 2024
30 سبتمبر 2024

ترجمة: بدر بن خميس الظّفري -

كان حسن نصر الله يرغب في أن يعيش ويموت مقاتلاً، وقد تحققت أمنيته يوم الجمعة، عندما دمرت القنابل الإسرائيلية مخبأه تحت الأرض في بيروت. ومن المؤكد أن حزب الله سيسعى إلى الانتقام لمقتل زعيمه، ولكن حسن نصر الله كان الزعيم النادر الذي لا يمكن تعويضه.

لقد التقيت بنصر الله في أكتوبر 2003 في مخبأ محصن في الضاحية الجنوبية لبيروت، على مقربة من المكان الذي قتل فيه. وعلى الرغم من أنه أصدر أوامر بقتل العديد من الإسرائيليين، إلا أنه كان هادئ الحديث بشكل مدهش. كان يتمتع بكاريزما هادئة، واستمد شرعيته من دراسته الدينية في النجف بالعراق، وخطبه المشوقة التي كانت تبث على شاشات التلفزيون خلال شهر محرم وغيره من الأعياد الدينية.

في لبنان حيث يعيش الزعماء السياسيون عادة حياة مترفة، كان نصر الله مختلفاً. فقد أخبرني بفخر أن ابنه هادي مات وهو يقاتل إسرائيل في عام 1997. وقال: "لم نرسل أطفالنا إلى لندن أو باريس للدراسة في الجامعة، بل للقتال إلى جانب اللبنانيين الآخرين".

وكان نصر الله أيضاً عنيداً. ولهذا السبب كان هدفاً إسرائيلياً لا مفر منه. فقد أمر بشن هجمات صاروخية على إسرائيل بدءاً من الثامن من أكتوبر، في اليوم التالي لهجوم حماس ضد إسرائيل. وقد مارس قدراً من ضبط النفس، فامتنع عن شن هجمات واسعة النطاق على المدن الإسرائيلية. ولكنه لم يتراجع عن المشاركة في المعركة.

لم يفصل نصر الله مصير حزب الله ولبنان عن مقاتلي حماس في غزة. لقد كانت لديه فرصة لإنقاذ نفسه وحركته، في إطار خطة سلام وضعها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين. ولكن هذا كان ليتطلب قطع العلاقات مع حماس. وهو ما لم يكن ليفعله نصر الله.

في عام 2003 سألت نصر الله عما إذا كانت هناك أي صيغة للسلام من شأنها أن تضع حداً للتفجيرات الانتحارية التي كانت تحصد أرواح الإسرائيليين آنذاك. فأجابني ببرود: "لا أستطيع أن أتخيل وضعاً، استناداً إلى طبيعة المشروع الإسرائيلي وطبيعة القادة الإسرائيليين، حيث يوافق الفلسطينيون على إلقاء السلاح".

ولم ير نصر الله أي مخرج، بل رأى فقط الحرب بين إسرائيل و"المقاومة" التي قال إنه يقودها. وقال إنه في وقت اتفاقيات أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، "كان هناك نقاش فلسفي" حول اتفاقية السلام. لكن ذلك العصر قد انتهى.

لقد نجح نصر الله في بناء حركة قوية بشكل غير عادي في حزب الله. لقد كانت هذه الحركة قوية ومنضبطة إلى الحد الذي جعلها قادرة مع مرور الوقت على التأثير على الدولة اللبنانية. لقد كان عناصر حزب الله مختلفين عن الميليشيات اللبنانية الأخرى، فقد كانوا أكثر رشاقة وقوة وأكثر تنظيماً. وكان بوسعك أن تميزهم وهم يرتدون سترات خضراء في بعض الأحيان عندما تصل إلى مطار بيروت.

لقد مثل حزب الله قوة أتباعه من اللبنانيين، الذين كانوا في وقت ما مهمشين ومستبعدين من النخب اللبنانية. ومع مرور الوقت، أصبحوا أكبر مجموعة عرقية في لبنان، وفي نهاية المطاف غدوا الأكثر قوة.

لقد خدم وزراء حزب الله في الحكومة اللبنانية المعطلة، وكانوا يمارسون حق النقض فيما يتصل بمن يقود البلاد كرئيس ورئيس وزراء. ولكن القوة الحقيقية التي امتلكها حزب الله كانت تتمثل في كونه كيان مستقل، يتمتع بشبكة خاصة من منظمات الرعاية الاجتماعية والأمن لخدمة أتباع المقاومة التي كرست نفسها لمقاومة إسرائيل.

لقد كان نصر الله هو الذي حرك هذا الحزب داخل الدولة. فقد أشار أوغسطس ريتشارد نورتون في كتابه الصادر عام 2007 تحت عنوان "حزب الله" إلى أنه من الممكن شراء سلاسل المفاتيح والقمصان والأزرار وملصقات السيارات والملصقات التي تحمل وجه نصر الله في أماكن بعيدة مثل دمشق.

ولكن على الرغم من الكاريزما التي يتمتع بها نصر الله، فقد أصبح العديد من اللبنانيين لديهم موقف منه ومن حزبه. فعندما اغتيل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في فبراير 2005، ألقى عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين تدفقوا إلى الشوارع باللوم على سوريا، وحليفها حزب الله ضمناً. وقد أدانت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة في عام 2020 أحد أعضاء حزب الله بارتكاب جريمة الاغتيال. وتعمق الشعور المناهض لحزب الله بعد حرب عام 2006، عندما دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية جزءاً كبيراً من البنية الأساسية في لبنان، رداً على عملية أسر نفذها حزب الله عبر الحدود.

حتى نصر الله كان يعلم أنه تجاوز الحد. فقد قال لقناة تلفزيون الجديد اللبناني: "لم نكن نعتقد ولو بنسبة واحد في المائة أن عمليّة الأسر ستؤدي إلى حرب في هذا الوقت وبهذا الحجم. وإذا سألتني عما إذا كنت قد علمت في الحادي عشر من يوليو أن العملية ستؤدي إلى مثل هذه الحرب، فهل كنت سأقوم بها؟ فأقول: لا، على الإطلاق". ولكن على الرغم من الكارثة التي حلت بالبلاد في عام 2006 واصل نصر الله حربه ضدّ إسرائيل.

إن الحرب التي أودت في النهاية بنصر الله هي حرب لم يكن هو ولا حزب الله راغبين في الهروب منها، فقد كانت هذه المعركة هي التي تحدد هويتهما، فبدون عباءة المقاومة، كان حزب الله سيفقد مبررات استقلاله داخل الدولة اللبنانيّة. ومن عجيب المفارقات أن حزب الله كان في حاجة إلى الحرب من أجل البقاء.

في يونيو 2002 سألت أحد الملهمين الروحيين لنصر الله، الشيخ محمد حسين فضل الله، عما قد يقوله للأطفال الإسرائيليين الأبرياء الذين قُتِلوا على يد أحد الانتحاريين. فأعاد السؤال إليّ، وسألني عما قد أقوله لضحايا ناغازاكي، ثم أضاف فضل الله: "أثناء الحرب، يحدث كل شيء. لأن الحرب هي الحرب".

إن أتباع حزب الله لديهم تفانٍ في الاستشهاد، ويعود ذلك إلى مقتل }الإمام{ علي، ابن عم النبي محمد، في عام 661 ميلادي، وابنه الحسين، في عام 680 ميلادي. وخلال سبعينيات القرن العشرين في لبنان، كان الإمام الشهيد الموقر هو موسى الصدر، رجل الدين اللامع الذي اختفى في ليبيا في عام 1978.

وعندما ظهر نصر الله كزعيم لحزب الله في عام 1992، أظهرت ملصقات وجهه الدائري تحت صورة رمزية للصدر. وفي دراسة أجراها فؤاد عجمي عام 1987 تحت عنوان "الإمام المغيّب"، وصف الصدر حركة المقاومة والاستشهاد: "ويقف الشباب خلف أكياس الرمل، مع صور إمامهم، يدافعون عن خرابهم وخراب طائفتهم".

والآن انضم نصر الله إلى الطابور الطويل من الشهداء. وسوف يرثيه أتباعه الذين سيحاولون الانتقام له. ولكن موته قد يمنح اللبنانيين فرصة لتوحيد بلادهم بعد ما يقرب من أربعين عاماً من الصّراع.

• ديفيد إغناطيوس يكتب عمودًا عن الشؤون الخارجية مرتين أسبوعيًا لصحيفة واشنطن بوست. أحدث رواياته هي "المدار الشبح".

** عن واشنطن بوست