لا ينبغي للرياضة أن تتأثر بالأجندات السياسية
ترجمة: بدر بن خميس الظّفـري
تعكس اللياقة البدنية للسكان مستوى تطور المجتمع أو البلد، بينما تكشف الأحداث الرياضية اللياقة البدنية للشعوب.
يتحدى الرياضيون حدود اللياقة البدنية والقدرة على التحمل ويستكشفون طرقًا جديدة وأفضل لتحقيق إنجازات أكبر. كما تدفع المسابقات الرياضية الدول إلى تطوير المفاهيم والتقنيات والأساليب العلمية لممارسة الرياضة، لأن المفاهيم والتقنيات والأساليب العلمية المتقدمة يمكن أن تساعد الرياضيين على تحسين أدائهم، ولذلك فإن المشاركة في الأحداث الرياضية تعدّ دائما أكثر أهمية من الفوز فيها.
إن تنافس الرياضيين ضد بعضهم البعض يجعل المسابقات الرياضية مسلية ومثيرة؛ وفي الوقت نفسه، فإنها تولد التعاطف، وتعمق التفاهم المتبادل، وتبني صداقات وثيقة.
يمكن للرياضيين أن يفهموا ويقدروا ويعجبوا ببعضهم البعض، وأن يكوّنوا صداقات شخصية. وأيضًا، بمساعدة وسائل الإعلام الحديثة، في كثير من الأحيان، يؤثّرُ كبار نجوم الرياضة على الأشخاص خارج حدود الوطن.
الأساس المنطقي الأساسي لتنظيم الأحداث الرياضية العالمية هو أنه إذا تمكن الناس من جميع أنحاء العالم من التنافس في الساحات الرياضية، أي المشاركة في الأحداث الرياضية، فإن فرص المواجهة والصراعات العسكريّة في ساحات المعارك ستنخفض بشكل كبير. ولذلك فإن فوائد الأحداث الرياضية تتجاوز الرياضة في حد ذاتها.
وبهذه القاعدة الأساسيّة، أصبحت الأحداث الرياضية الدولية، ممثلة في الألعاب الأولمبية، على مدى عقود، أفضل نافذة للقوى الكبرى لاستعراض مستوى تنميتها الاقتصادية والاجتماعية وقوتها الشاملة. ولا عجب أن الأحداث الرياضية تشكل جزءا لا يتجزأ من التبادل الثقافي بين البلدان، كما كانت كذلك دوما منذ العصور القديمة.
إلا أنه في عالم اليوم، أصبحت العوامل السياسية تؤثر بشكل كبير على الأحداث الرياضية الدولية والإقليمية.
نشأت الألعاب الأولمبية في أوروبا. كما بدأ إحياء الألعاب الأولمبية الحديثة في أوروبا أيضا، لذلك أسهم الغرب في تشكيل الأحداث الرياضية الدولية. ومع التغيرات التي طرأت على الوضع الدولي وزيادة الأحداث الجيوسياسية، أصبحت السياسة والأيديولوجيات الأخرى جوانب أكثر تأثيرا في الأحداث الرياضية الدولية. وحتى الألعاب الأولمبية أصبحت خاضعة للعقوبات، حيث قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات رياضية بغرض تشويه سمعة الدول الأخرى والضغط عليها.
قاطعت الولايات المتحدة وبعض حلفائها دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في موسكو عام 1980، مما أدى إلى مقاطعة الاتحاد السوفييتي لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية في لوس أنجلوس عام 1984.
وبعد نهاية الحرب الباردة، اعتقد بعض الناس أن مثل هذه الأمور لن تتكرر مرة أخرى. ولكن مع التصعيد الشامل للصراع في أوكرانيا، تدهورت العلاقات بين روسيا من ناحية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفائهم من ناحية أخرى.
وفي مجال الرياضة، تعرضت روسيا لعقوبات شاملة بدءاً من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ 2018، إذ مُنـِعَ الرياضيون الروس من تمثيل بلادهم في أربع دورات أولمبية متتالية: دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ في عام 2018، ودورة الألعاب الأولمبية الصيفية في طوكيو في عام 2021، ودورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في عام 2022، ودورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس في عام 2024.
ومن أجل كسر العزلة التي يفرضها الغرب بقيادة الولايات المتحدة في مجال الرياضة، ظلت روسيا تُنظِّم دون توقف شتى الأحداث الرياضية، وستحتضن ألعاب الصداقة العالمية في الفترة من 15 إلى 29 سبتمبر، وسترسل دعوات لجميع الرياضيين في جميع أنحاء العالم للمشاركة. لكن اللجنة الأولمبية الدولية دعت الرياضيين إلى مقاطعة ألعاب الصداقة العالمية الروسية. ومن المتوقع أن يستمر تأثير السجال السياسي بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة على المجال الرياضي.
وعلى الرغم من العوامل السياسية التي تؤثر بشكل متصاعد على المسابقات الرياضية الدولية والإقليمية، وعلى الرغم من الدعوات المناصرة لتراجع العولمة وتشجيع الاستقلال والعزلة لتقليص المخاطر في الغرب، فإن الصين عازمة على الحفاظ على سياسة منفتحة في التعامل مع كافة البلدان.
ولكي تظهر الصين للعالم أنها ستواصل تعميق الإصلاح ومواصلة انفتاح اقتصادها، نظمت عددًا من الأحداث الرياضية الدولية بما في ذلك دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في بكين عام 2008 والألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022، بالإضافة إلى العديد من الألعاب الآسيوية وغيرها من الأحداث الرياضية.
عندما تلتزم المنظمات الدولية مثل اللجنة الأولمبية الدولية بمبدأ "الحياد الرياضي"، وتمتنع القوى الكبرى من التدخل السياسي في الرياضة والتبادل الثقافي، عندها فقط يمكن للأحداث الرياضية مثل الألعاب الأولمبية أن تعزز بشكل فعال التواصل والتعلم المتبادل بين ثقافات مختلف البلدان المشاركة، وتحفز التنمية السلميّة والصحية للعلاقات بين البلدان، وتسهم في بناء الصداقة وحسن الجوار بين دول العالم.
وعلى أساس المساواة والوحدة، ينبغي للأحداث الرياضية الدولية أن تعود إلى الهدف الأصلي لتأسيس الألعاب الأولمبية الحديثة ، هو أن الرياضة ينبغي أن تعزز التفاهم المتبادل والصداقة والتضامن والمنافسة العادلة.
الألعاب الأولمبية هي أحداث رياضية كبرى توفر منصة للرياضيين من جميع أنحاء العالم ليس فقط ليكونوا "أسرع وأعلى وأقوى"، ولكن أيضًا لإظهار القرابة المتجسدة في الروح الأولمبية التي تجمع الرياضيين من جميع أنحاء العالم للتنافس معًا.
ومن المؤمل بصدق أن تستمر الأحداث الرياضية الدولية، ممثلة في الألعاب الأولمبية، في أداء وظيفتها الأساسية المتمثلة في بناء التفاهم وتكوين الصداقات من خلال ربط الناس من جميع البلدان، وأن تكون وسيلة لتحقيق السلام العالمي، بدلا من استغلالها من قبل البعض من أجل زرع الانقسامات وتوسيع الفجوة بين الدول، ناهيك عن أن تصبح أداة في يد بعض أعضاء المجتمع الدولي لقمع الأعضاء الآخرين.
إن التبادلات الرياضية غير المسيّسة يمكن أن تعزز التفاهم المتبادل بين جميع البلدان، وتسهم في بناء علاقات حسن الجوار والصداقة، وتؤسس للتواصل بين الناس في القرن الحادي والعشرين.
شو ون هونغ نائب الأمين العام لمركز "حزام واحد وطريق واحد" التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.