كيف يستجيب العالم لمستوى جديد من تدني طالبان؟
ترجمة: أحمد شافعي
منذ أن استعادت طالبان السيطرة على أفغانستان في2021 ـ قاطعة على نفسها العهود بأن تكون في هذه المرة أكثر اعتدالًا ـ وهي تمارس لعبة الخداع.
فقد أصدرت حكومة طالبان القرار تلو القرار مجرِّدةً النساء والفتيات من حقوقهن في التعليم والتوظيف والعدالة وحرية التعبير والحركة، وعمدت بشكل متزايد إلى تجريم وجودهن خارج البيت. ثم تدنى زعماء طالبان الشهر الماضي إلى مستوى جديد حينما نشروا قواعد تجرِّم سماع الرجال الغرباء أصوات النساء في المجال العام فضلًا عن قيود أخرى.
وكل تشديد جديد للخناق كان يثير إدانة دولية، لكن دون تبعات حقيقية على طالبان. فكان كل ما يفعلونه هناك هو الانتظار إلى أن يهدأ الغضب قبل أن يعاودوا المضي في ترسيخ حكمهم الكاره للنساء، غير عابئين بالانتقادات، أو بالتهديد بعواقب انتهاك القوانين الدولية أو حتى بمخاطرة فقدان المساعدة الإنسانية التي يحتاجون إليها أمسّ الاحتياج.
ولكن بوسع معاهدة دولية جديدة تغطي منع ومعاقبة الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية أن توفر للمجتمع أخيرا ورقة ضغط أكثر قانونية ودبلوماسية، وتوفر له سبيلا جديدا لمحاسبة طالبان على القمع الذي تمارسه على ملايين النساء في أفغانستان. وهذه فرصة لا ينبغي إهدارها.
ففي أكتوبر سوف تجتمع اللجنة القانونية التابعة للجمعية العامة في الأمم المتحدة لتقرر ما إذا كان ينبغي للمعاهدة أن تتقدم إلى مرحلة المفاوضات الرسمية. ولقد اكتسبت الجهود الرامية إلى خلق أداة أفضل لمحاكمة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية زخمًا يرجع إلى تنامي النذر بشأن صراعات في أماكن من قبيل ميانمار وأوكرانيا وغزة، وتتضمن المعاهدة مقترحا بتجريم «الأبارتيد على أساس الجندر».
بدافع من أفعال طالبان، ظهرت فكرة تحميل من يفرضون الأبارتيد على أساس الجندر، سواء أكانوا من الأفراد أو من الدول، مسؤولية قانونية تسوغ ملاحقتهم قانونيًا، واكتسبت الفكرة زخما عالميا. وفي أكتوبر الماضي، انضممت إلى قرابة مائة من المنظمات والقانونيين والأفراد المرموقين ومنهم الحاصلة على جائزة نوبل ملالا يوسف زاي وهيلاري كلينتون وجلوريا ستاينم في توقيع مذكرة قانونية تعرِّف الأبارتيد على أساس الجندر بأنه قهر مؤسسي ممنهج لجندر ما. وتحث المذكرة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تقنين ذلك بوصفه جريمة ضد الإنسانية في المعاهدة المقترحة. وقد أبدت بلاد كثيرة دعمًا للاقتراح.
ما من وصف لما تواجهه الأفغانيات أفضل من (الأبارتيد على أساس الجندر). على مدار السنوات الثلاث الماضية، أصدرت طالبان عشرات القوانين للحد من حقوق النساء والفتيات الأساسية أو تقليصها مع إلغائهم قوانين وهيئات كانت مخصصة لحماية تلك الحقوق. فقد قامت طالبان على سبيل المثال بتفكيك وزارة شؤون المرأة، وانتقلت تبعية مقرها لوزارة «إشاعة الفضيلة ومنع الرذيلة» التي تطبق تفسير الحكومة الحالية المتشدد للشريعة الإسلامية.
اليوم، حتى حينما تكون للنساء رفقة خارج البيت تتمثل في قريب ذكر، التزاما بالقانون؛ فالأحكام المتعلقة بشرعية لباسها وسلوكها ـ بل وصوتها في الوقت الراهن ـ تخضع تماما لأهواء مراقبي الأخلاق الذين نشرتهم طالبان في كل مكان. فإن اعتبر أحدهم أن انتهاكا للقانون قد وقع، يمكن اقتياد امرأة للحبس، حيث تعرضت كثيرات ـ حسبما تردد ـ للتعذيب والاغتصاب. وتعاني الأفغانيات الآن من أحد أعلى معدلات العنف على أساس النوع في العالم وفقا لتقديرات الأمم المتحدة. والنساء اللاتي يشكون من مثل هذا العنف غالبا ما يُزَجّ بهنّ في السجن.
النساء الآن محصورات فعليا في بيوتهن وفي الأدوار التي يراها الملالي ملائمة لهن: وهي الإنجاب ورعاية الأبناء. ولأن طالبان قد تعاقب الرجال في حال انتهاك نساء من أسرهم للقواعد، فالنساء عمليا خاضعات لسيطرة صارمة من أقاربهن الذكور. ويفضي هذا جميعا إلى نتائج عكسية على الأمة كلها، فبحرمان النساء من العمل خارج البيت، دون استثناء لعاملات الإغاثة، تضر طالبان اقتصاد البلد وتفاقم من حدة أزمته الإنسانية الحادة.
تجتذب قواعد طالبان الجديدة النساء إلى أعماق أشد غورًا في هاوية لا يبدو لها من قرار. وفضلًا عن تكميم أفواه النساء في المجال العام، تفرض القواعد على النساء الإخفاء التام لوجوههن وأجسامهن وتضع قيودا جديدة على حريتهن في الحركة. لقد غادرت أفغانستان بعد سقوط كابول في أيدي طالبان سنة 2021، لكن عملي كناشطة في المنفى يبقيني على اتصال بكثير من النساء اللاتي لا يزلن هناك ويحكين لي أن القواعد الأخيرة تضيف عقبات إلى العقبات التي يواجهنها في الوصول حتى إلى احتياجاتهن الأساسية. ومثلما قالت لي امرأة أخيرا فإن محض الكلام إلى صاحب متجر لشراء الطعام أصبح أمرا محفوفا بالخطر؛ لأن صوتها يعد عورة، والعورة مصطلح يشير إلى الأعضاء الحميمة في الجسد التي لا بد من إخفائها اجتنابا للإغواء وإتلاف أخلاق الآخرين.
وبطبيعة الحال لن يؤدي إدراج الأبارتيد على أساس الجندر في القانون الدولي إلى القضاء فوريا على الجريمة، كما أنه لن تسهل محاسبة مرتكبيها. لكنها خطوة أولى مهمة نحو إمداد الضحايا والمجتمع الدولي نفسه بمسارات قانونية لتحميل المعتدين المسؤولية، ومن أجل ردع حكومات أخرى عن ارتكاب مثل هذه الجرائم.
وفيما يتجاوز الجانب القانوني، سوف تكون لاعتراف العالم بالأبارتيد على أساس الجندر باعتباره جريمة ضد الإنسانية قوة معنوية هائلة. فالإدانة العالمية لنظام الأبارتيد الحاكم السابق في جنوب أفريقيا أدى إلى جهود مقاومة سياسية وقانونية واجتماعية أسهمت في نهاية المطاف في زوال ذلك النظام، وأسفرت في وقت لاحق عن تصنيف المحكمة الجنائية الدولية للأبارتيد باعتباره جريمة ضد الإنسانية.
لا يزال الكثير من العمل واجب الإنجاز. ففي حال موافقة لجنة الأمم المتحدة على نقل المعاهدة إلى الطور التالي، فسوف يتعين العمل على نطاق آخر من الموضوعات القانونية وغيرها، ومن ذلك إدراج محتمل للأبارتيد على أساس الجندر بوصفه جريمة، ثم التصديق على المعاهدة دوليا.
لقد أعربت بلاد عديدة بالفعل في اجتماعات سابقة للجنة عن انفتاحها على تقنين الأبارتيد على أساس الجندر ليكون جريمة ضد الإنسانية. ومن أجل أن يصبح هذا حقيقة قانونية، يجب على دول كثيرة أخرى أن تتقدم وتنضم إلى التضامن مع النساء الأفغانيات، وبخاصة البلاد التي تزعم الريادة في مجال حقوق المرأة أو التي ترأس الحكومات فيها نساء.
وبديل ذلك هو الاستمرار في المسار الراهن، حيث يبدي العالم الانزعاج ثم لا يفعل في الجوهر أي شيء ليوقف طالبان عن طمس وجوه الأفغانيات وأصواتهن وحجبهن تماما.