كيف استطاعت روسيا التقدم بسرعة نحو خاركيف؟

15 مايو 2024
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
15 مايو 2024
Loading the Elevenlabs Text to Speech AudioNative Player...

في الحرب، عليك دائما أن تتوقع غير المتوقع.

تستعد القوات الأوكرانية لهجوم روسي في الربيع أو الصيف يركز على منطقة دونباس في شرق أوكرانيا لمواصلة نجاح روسيا في فبراير في السيطرة على بلدة أفدييفكا. قد يقع هذا الهجوم في المستقبل، لكن في هذه الأثناء، شنت القوات الروسية هجوما غير متوقع عبر الحدود في منطقة خاركيف في شمال شرق البلاد.

وتمكنت ما يقرب من خمس كتائب روسية من التقدم حوالي خمسة أميال داخل أوكرانيا في غضون أيام قليلة، واستولت على عدد من القرى، وتركت المدافعين الأوكرانيين مترنحين، فيما قد يعدّ أسرع تقدم روسي منذ بداية الحرب في فبراير 2022. ووصف كيريلو بودانوف، رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، الوضع لصحيفة نيويورك تايمز يوم الاثنين بأنه -على الحافة- ويتجه نحو -الخطورة.

إذا واصل الروس هذا التقدم، فقد يصلون مرة أخرى إلى نطاق المدفعية في خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا. لقد زرت خاركيف في شهر مارس وشاهدت الدمار الذي أحدثته المدفعية الروسية في عام 2022، ولا تزال آثاره جليّة في العديد من المباني السكنية الشاهقة المهجورة في ضواحي المدينة. سيكون الأمر مروعا إذا تكررت هذه الهجمات الروسية. والسيناريو الأسوأ هو سقوط خاركيف. لا يزال هذا غير مرجح، ولكن لإنقاذ المدينة، يتعين على أوكرانيا أن تسحب قواتها من دونباس، مما يسهل على الروس التقدم في تلك المنطقة.

لماذا يحقق الروس هذا النجاح المفاجئ؟ التفسير يكمن في البراعة العسكرية الروسية، وفي الأخطاء الأوكرانية والأمريكية.

لقد قامت القوات الروسية بتحسين أدائها القتالي منذ الأيام الأولى للحرب، حينها لم يبدو أنها قادرة على القيام بأي شيء بشكل صحيح. الروس يتكيفون مع ظروف ساحة المعركة، فعلى سبيل المثال استعملوا الدراجات النارية للتقدم بسرعة نحو الخطوط الأوكرانية بدلا من الاعتماد على الدبابات الثقيلة والمركبات المدرعة التي يمكن للطائرات بدون طيار والمدفعية الأوكرانية التقاطها بسهولة. والأهم من ذلك أنهم كانوا يستعملون «القنابل المنزلقة» الثقيلة لسحق الخطوط الأوكرانية، في حين كانت أنظمة الحرب الإلكترونية تعمل على التشويش على الصواريخ وطائرات دون طيار الأوكرانية.

وفي الوقت نفسه، تعرضت القوات المسلحة الأوكرانية لمعوقات شديدة بسبب التأخير الطويل في الموافقة على المساعدات الأمريكية. ووجدت القوات الأوكرانية نفسها أقل تسليحا بنسبة 10 إلى 1 في ذخيرة المدفعية، كما انخفضت ذخائر الدفاع الجوي لديها إلى حد خطير. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أنه «في الأشهر الستة الماضية، اعترضت أوكرانيا حوالي 46% من الصواريخ الروسية، مقارنة بـ73% في الأشهر الستة المنصرمة، وفي الشهر الماضي انخفض معدل الاعتراض إلى 30% من الصواريخ». إن عجز أوكرانيا عن توفير دفاع جوي مناسب لقوات الخطوط الأمامية يعني أن روسيا أصبحت قادرة على استخدام القوة الجوية بدرجة كبيرة للمرة الأولى.

وتتدفق الآن الذخائر والأسلحة الأمريكية، بعد طول انتظار، بعد أن وافق الكونجرس على حزمة مساعدات بقيمة 61 مليار دولار، لكن الأمر سيستغرق أشهرا لتوفير الإمدادات الكافية لجميع القوات الأوكرانية. وهذا يوجد ثغرة ضعف يستغلها الروس.

يستفيد الروس أيضا من القيود الأمريكية المفروضة على استخدام أي أسلحة أمريكية لمهاجمة أهداف عسكرية مشروعة في الأراضي الروسية. ويلقي معهد دراسة الحرب، وهو مركز أبحاث في واشنطن، باللوم في التقدم الروسي الأخير «إلى حد كبير» على هذه القيود، التي تجعل من المستحيل على القوات الأوكرانية ضرب القوات الروسية المحتشدة لمهاجمتها على بعد أميال قليلة فقط. وقد رفعت بريطانيا الآن القيود المماثلة التي فرضتها على استخدام أسلحتها، لكن القيود الأمريكية لا تزال قائمة.

ومن المؤسف أن الحكومة الأوكرانية عملت أيضا، دون قصد، على تمكين التقدم الروسي من خلال تباطؤها الشديد في توسيع قواتها المسلحة وبناء التحصينات. ورغم أن روسيا زادت إلى حد كبير عدد قواتها في أوكرانيا وما حولها إلى ما يقرب من 500 ألف جندي، فإن أوكرانيا لا يزال لديها نحو 200 ألف جندي فقط على الجبهة. وقد تم استنزاف العديد من وحداتها، التي تقاتل دون توقف لأكثر من عامين، بشكل كبير.

كان النقص في القوى العاملة الأوكرانية واضحا منذ فترة طويلة، ولكن أخيرا وفي الشهر الماضي فقط أصدر البرلمان قانون تعبئة جديدا. وتخطط أوكرانيا الآن لإنشاء 10 ألوية إضافية، لكن التجنيد والتدريب والتسليح سيستغرق أشهرا، وهو وقت لا تملكه أوكرانيا.

كانت أوكرانيا أيضا بطيئة بشكل فاضح في تحصين حدودها وخطوطها الأمامية. وتوقف الهجوم الأوكراني المضاد في العام الماضي لأن حقول الألغام والخنادق والحواجز الروسية أثبتت أنها منيعة. إن الافتقار إلى التحصينات الأوكرانية المتناسبة يمكّن روسيا الآن من التقدم. واشتكى أحد الضباط الأوكرانيين في منطقة خاركيف لبي بي سي قائلا: «لم يكن هناك خط دفاع أول، دخل الروس للتو دون أن يواجهوا أي حقول ألغام».

وفي مارس، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أخيرا عن مبادرة لبناء 1200 ميل من التحصينات عبر ثلاثة خطوط دفاع. ويجري الآن إنشاء هذه الخطوط التي من المفترض أن تكون موجودة منذ عدة أشهر. يثبت هذا التأخير فشل زيلينسكي في بذل المزيد من الجهد لتعبئة المجتمع الأوكراني للحرب. ويستمر تشييد المباني السكنية الفاخرة في كييف وغرب أوكرانيا حتى في الوقت الذي تخوض فيه البلاد حربا مصيريّة. كان من المفترض أن يرسل جميع عمال البناء المتوفرين مع معداتهم منذ فترة طويلة لبناء التحصينات.

والخبر السار هنا هو أن أوكرانيا لا يزال لديها الوقت الكافي للتعافي من هذه النكسات، فمن شأن بناء تحصينات جديدة وتعبئة المزيد من الجنود الأوكرانيين، إلى جانب التدفق الهائل للأسلحة والذخائر الأمريكية، وقف التقدم الروسي وتحقيق الاستقرار في خطوط المعركة. وسيكون من المفيد جدا أن يرفع الرئيس بايدن القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الأمريكية لضرب أهداف عسكرية داخل روسيا. لكن الوضع أكثر خطورة بكثير مما ينبغي أن يكون، ويرجع ذلك جزئيا إلى الارتباك المتوقع من جانب كل من كييف وواشنطن.

ماكس بوت كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست وزميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، ومؤلف كتاب «ريغان: حياته وأسطورته» الذي سيصدر قريبا.

عن واشنطن بوست.