قمة الحكمة والأمل .. غد أفضل للدولتين وللمنطقة!!

12 يوليو 2021
12 يوليو 2021

لعله من الواجب والوفاء أن أدعو الله تعالى أن يتغمد صديقي، الذي رحل عن دنيانا قبل عدة أسابيع، بالرحمة وأن أقول له نم قرير العين، فقد تحقق والحمد لله ما كنت تؤمن وتحلم به، وتستعجل حدوثه بين السلطنة والمملكة العربية السعودية الشقيقة، نعم كان إيمانك وحلمك مستندا، منذ سنوات عدة، على قناعة عميقة بأنه لا مناص من أن تعمل السلطنة والسعودية معًا ويدًا بيد، وبشكل عميق لتحقيق مصالحهما الثنائية وخدمة المنطقة من حولهما أيضا، ولكن كما كنا نصل في نهاية مناقشاتنا وجدلنا الممتد إلى أن السياسة لها حساباتها، ولها توقيتاتها المناسبة والتي تأتي في موعدها دون قفز أو فجائية، أو حرق للمراحل.

وعلى أي حال فإنني أشعر بأنك سعيد، وأنك تشارك جموع المواطنين العمانيين والسعوديين والكثيرين من العرب سعادتهم وترحيبهم الصادق بالتطور الحيوي الذي دخلته العلاقات العمانية-السعودية، وبالآفاق الإيجابية الواسعة التي تنتظر الدولتين والشعبين الشقيقين بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية - حفظهما الله.

وإذا كان من المعروف أن السياسة والعلاقات بين الدول لها الكثير من خصائص الكائن الحي، في نموه وتطوره، وفي قوته وعنفوانه، وفي انكفائه وانسحابه حينًا وتردده حينًا آخر، وفي إقدامه وجسارته، وفي تغيراته المختلفة، وهو ما يمكن اعتباره انعكاسًا لعمليات إدارة السياسة ولتفاعلها مع مختلف التطورات المباشرة وغير المباشرة لدى الأطراف المعنية كذلك، فإنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن العلاقات العمانية-السعودية دخلت بالفعل مرحلة جديدة في تطورها الحديث، وأنها تمر بنقلة نوعية، واضحة وعميقة، وفي مختلف المجالات وعلى كافة المستويات، وذلك في ضوء قمة نيوم، قمة الحكمة والأمل، التي عقدها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق وأخوه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية أمس الأول (الأحد) الموافق 11 / 7 / 2021.

وفي ظل الثقل الذي تمثله سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، وهو ثقل حضاري، تاريخي ومعاصر، سياسي واقتصادي وجغرافي وتجاري، صناعي وزراعي وعلمي وغيره من ناحية، والإمكانات المتوفرة والمتاحة لهما أيضا من ناحية ثانية، ومن ثم فإن السلطنة والمملكة العربية السعودية يكتبان بالفعل، وإلى حد غير قليل، ملامح، وربما تفاصيل، الحاضر والمستقبل المنظور على المستويات الثنائية والخليجية والإقليمية، أو على الأقل صياغة وتوجيه التيار والاتجاه الرئيسي للأحداث فيها، مع الأخذ في الاعتبار ما يمكن أن تثيره القمة والنتائج المترتبة عليها من تفاعلات مختلفة، بفعل المصالح المتعددة للكثير من الأطراف والقوى المعنية والتي تتابع وتهتم بالضرورة بصياغة السلطنة والسعودية لعلاقاتهما الثنائية على نحو غير مسبوق منذ أكثر من نصف قرن، وهو أمر طبيعي ومفهوم كذلك.

في هذا الإطار، ومع الأخذ في الاعتبار مختلف العناصر المؤثرة، فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من العوامل، لعل من أهمها ما يلي: أولا: إنه يمكن القول أن النقلة النوعية العميقة في العلاقات العمانية السعودية، التي أرستها قمة الحكمة والأمل، ليست نقلة طارئة، ولا تكتيكية، لا تلبث أن تهدأ وتتلاشى بشكل أو بآخر، ولكنها نقلة نوعية استراتيجية، توفرت لها العديد من خطوات الدراسة والإعداد وبحث البدائل، سواء على المستوى الفردي، العماني والسعودي، أو على المستوى الثنائي المشترك بينهما، فقد كانت هناك العديد من الزيارات المتبادلة وعلى مستوى الخبراء والمسؤولين بمستوياتهم المختلفة، للوصول إلى أفضل الصيغ للتعاون والتنسيق والعمل بين الدولتين الشقيقتين، وهو ما تم استكمال جانب منه في لقاءات على المستوى الوزاري بين الجانبين خلال الزيارة.

يضاف إلى ذلك أن السعودية والسلطنة تعملان معًا منذ أربعين عاما في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومن ثم فإن كل جانب يعرف ويحيط بالكثير من مواقف ورؤى الجانب الآخر، وهو ما يسهل في الواقع خطوات التعاون والتنسيق المشترك بينهما، فالدولتان لا تكتشفان بعضهما البعض الآن، ولكنهما قررتا معًا الانتقال بعلاقاتهما وتعاونهما الثنائي إلى مرحلة أعلى وأعمق لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة لهما في مختلف المستويات.

وبينما تتوفر الإرادة السياسية الداعمة للنقلة النوعية في العلاقات العمانية-السعودية، وذلك على مستوى القيادة الحكيمة في كل من الدولتين الشقيقتين، فإن الخطوات الطيبة التي أعلنت عنها قمة الحكمة والأمل تتمتع أيضا بتأييد شعبي واسع النطاق، عبر عن نفسه على امتداد الفترة الأخيرة، ليس فقط على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى مستوى وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، وعلى صعيد التحركات السياسية وتصريحات المسؤولين من الجانبين، ومن شأن ذلك أن يدعم هذه الخطوات المباركة ويدفع بها إلى الأمام لتحقيق كل ما يمكن أن يعود بالنفع على الدولتين والشعبين الشقيقين بشكل مباشر وغير مباشر.

ومع الوضع في الاعتبار المجالات العديدة التي تم بحثها وتناولها ومذكرات التفاهم التي تم التوقيع عليها في إطار قمة الحكمة والأمل في نيوم أمس الأول، فإن التطلعات والأولويات التي تعمل كل من الدولتين لتحقيقها، سواء في إطار «رؤية عمان 2040» أو في إطار «رؤية السعودية 2030» من شأنها أن تتيح الكثير من فرص التعاون المثمر بين الجانبين، خاصة أن كلتا الدولتين تؤمنان بأهمية وضرورة العناية بالعمل لتنويع مصادر الدخل وتعزيز الاستثمارات والاستفادة القصوى من الإمكانات المتاحة لكل منهما.

وهنا فإنه يمكن القول بدون مبالغة إن السلطنة، وبحكم ما تمتلكه من مقومات وفرص ومناخ استثماري متطور وجاذب، تتيح الكثير من الفرص الواعدة للاستثمارات السعودية وللإستثمارات المشتركة العمانية-السعودية أيضا، ومن ثم تفعيل أطر التعاون والتنسيق بين الدولتين الشقيقتين.

والمؤكد أن إنشاء مجلس التنسيق العماني السعودي المشترك برئاسة وزيري الخارجية في البلدين، من شأنه أن يعطي دفعة قوية للتعاون والتنسيق بين الدولتين وهيئاتهما المختلفة وللقطاع الخاص السعودي والعماني، خاصة أن أذرع التعاون والتنسيق القائمة بين الدولتين الشقيقتين، مثل مجلس رجال الأعمال العماني السعودي، والملتقى الاقتصادي العماني السعودي سيعملان تحت مظلة مجلس التنسيق الذي سيدفع بالضرورة نحو مجالات أرحب للتعاون والتنسيق المشترك وتنويع الأدوات في كل المجالات الممكنة، من أجل تحقيق مزيد من الفوائد والمصالح المشتركة والمتبادلة للدولتين والشعبين الشقيقين في الحاضر والمستقبل.

وتجدر الإشارة إلى أن مجلس التنسيق العماني السعودي هو صيغة أخذت بها المملكة العربية السعودية لتطوير تعاونها الثنائي مع عدد من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ عام 2018.

ثانيا: إن ما يعزز النقلة النوعية على صعيد التعاون والتنسيق الأوسع والأعمق بين السلطنة والمملكة العربية السعودية الشقيقة أن هذه النقلة النوعية ترتكز على تراث وخبرة تاريخية في العمل المشترك بين الدولتين الشقيقتين، وتقدير كل من الدولتين للأخرى ولمصالحها ولمتطلبات أمنها القومي، والأمثلة في هذا المجال عديدة ومتنوعة، منذ أول زيارة قام بها السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- للمملكة العربية السعودية في بداية مسيرة النهضة العمانية الحديثة، وكذلك التوقيع على أول اتفاقية لترسيم الحدود بين السلطنة وجيرانها، وهي الاتفاقية التي تم التوقيع عليها مع المملكة العربية السعودية في أكتوبر عام 1990، والتي تبعتها اتفاقيات الحدود بين السلطنة وكل من اليمن ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وفي الوقت الذي خبرت فيه كل من الدولتين مواقف الدولة الأخرى حيالها في الظروف المختلفة، وهو ما عزز من الثقة المتبادلة على المستوى القيادي والشعبي أيضا، فإن السعودية، وكل الدول الشقيقة في الخليج وعلى امتداد المنطقة، وبحكم خبرة التعامل الطويلة على مدى العقود الماضية، أصبحت تدرك بعمق أن السياسة والمواقف العمانية معروفة ومعلنة، صريحة وشفافة داخل الغرف المغلقة وخارجها، وأن التزام السلطنة بسياساتها ومبادئها أكد عليه جلالة السلطان هيثم بن طارق - أعزه الله - بعد توليه مقاليد الحكم، ومن ثم فإن سياسات السلطنة تؤمن بالخطوط المتوازية للعلاقات مع الأشقاء والأصدقاء، ولا تميل إلى التقاطع أو البناء مع أحدها على حساب طرف أو أطراف أخرى، وقد عزز ذلك الثقة بين السلطنة وكل الدول الشقيقة والصديقة.

وفي حين سمح ذلك ويسمح باستقرار وتطوير العلاقات العمانية مع الدول الشقيقة والصديقة على نحو يخدم المصالح المشتركة والمتبادلة، فإنه سمح أيضًا للسلطنة أن تقوم بدور إيجابي ومفيد لحل الخلافات والعمل على تقريب المواقف بين الأشقاء والأصدقاء وحل المشكلات بالحوار والطرق السلمية وتتمتع السلطنة بثقة ومصداقية متميزة في هذا المجال وبشهادة الجميع داخل المنطقة وخارجها.

ثالثا: إنه في حين ترحب السلطنة بتطوير وتعميق العلاقات والتعاون المثمر مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة التي تبادل السلطنة مواقفها وعلى نفس الأسس والمبادئ، وهو ما تسير فيه النقلة النوعية للعلاقات العمانية-السعودية، فإنه من المؤكد أن التطوير الإيجابي والمثمر للعلاقات والتعاون العماني-السعودي، وتوسيع مجالات الاستثمار والمشروعات المشتركة بين الدولتين الشقيقتين لن يتوقف عند تحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة بينهما، ولكنه سيمتد بالضرورة إلى خدمة التعاون والعمل المشترك في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وما يسعى المجلس لتحقيقه لصالح كل الدول الأعضاء ولليمن الشقيق أيضا.

يضاف إلى ذلك أن التعاون الأوسع والأعمق بين السلطنة والسعودية في المجالات الاقتصادية والتجارية وفي مجالات النقل والموانئ والمجالات الصناعية والعلمية وغيرها، من شأنه أن يعزز فرص قيام السلطنة بمساعيها الحميدة من أجل العمل على وضع نهاية للحرب في اليمن والتوصل إلى تسوية سياسية تعمل المملكة العربية السعودية من أجل تحقيقها وطرحت مبادرة محددة لذلك في الأشهر الأخيرة، كما أنه سيفسح المجال أيضًا أمام مزيد من التعاون السياسي بين السلطنة والسعودية فيما يتصل بقضايا خليجية وعربية أخرى، فضلًا عن إعطاء دفعة للعمل المشترك، سواء في نطاق مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو في إطار جامعة الدول العربية، بما في ذلك العمل من اجل دفع جهود السلام وحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وكذلك العمل على دعم الجهود المصرية للتوصل إلى حل لأزمة سد النهضة وعلى نحو يحفظ الأمن المائي لمصر والسودان، فضلًا عن العمل من أجل التهيئة لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ومساندة جهود استعادة الاستقرار في سوريا وليبيا والعراق وغيرها.

وفي الوقت الذي جرت فيه اتصالات سعودية-إيرانية في العراق في أبريل الماضي لاستكشاف آفاق وسبل تجاوز الخلافات بين الدولتين، فإن السلطنة تمتلك القدرة والاستعداد للعمل من أجل الإسهام في تهيئة المناخ لمزيد من التقارب بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة أن لها خبرة سابقة في هذا المجال على الصعيدين الخليجي والإقليمي، حيث تتمتع بثقة وتقدير كل الأطراف، ومن ثم فإن النقلة النوعية في العلاقات العمانية-السعودية ستخدم بالضرورة ليس الدولتين والشعبين الشقيقين فقط، ولكنها ستخدم أيضًا الدول والشعوب الشقيقة والصديقة في المنطقة وتدفع نحو استعادة السلام والاستقرار والازدهار وبناء غد أفضل لكل دول وشعوب المنطقة، ومما له دلالة عميقة أن ثقة الجانب السعودي في ذلك واضحة و ملموسة، هو ما تفسره قمة الحكمة والأمل بكل ما صاحبها، وما تمخض عنها، وما سيترتب عليها من نتائج خلال الفترة القادمة.