قراءة في قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي
في عصر يتزايد فيه الاعتماد على التكنولوجيا، أصبح الذكاء الاصطناعي اليومي يشمل أغلب مناشط الحياة اليومية إذ لا يمكن تجاهل تأثيره في شتى مناحي الحياة المختلفة. مع ذلك تفرز هذه الطفرات المتسارعة مسؤولية تنظيمية كبيرة على الأفراد والمنظمات والحكومات والتكتلات السياسية والاقتصادية. وإدراكًا من الاتحاد الأوروبي لأهمية وجود تشريع قانوني ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، فقد عمد إلى العمل على إقرار قانون لتنظيم استخدام وتطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة تضمن الأمن والشفافية واحترام الحقوق الأساسية للأفراد والمنظمات والحكومات، فقد أقر البرلمان الأوروبي قانون الذكاء الاصطناعي بأغلبية ساحقة بتاريخ 13 مارس 2024م، جاءت نتيجة التصويت 523 صوتًا مؤيدًا مقابل 46 صوتًا معارضًا وامتناع 49 عضوًا عن التصويت. ونشر القانون في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي في 12 يوليو 2024، ويبدأ العمل به بعد 20 يوما من تاريخ نشره.
وبدأت فكرة قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي تأخذ شكلها في العام 2018 عندما أدركت المفوضية الأوروبية الحاجة إلى إطار تنظيمي يُمكنها من مواكبة التقدم السريع في هذا المجال. وتم تصميم هذا القانون ليكون شاملاً، ويغطي مجموعة واسعة من التطبيقات والتقنيات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مع التركيز على حماية المستهلكين وتعزيز الابتكار المسؤول. ويهدف قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية: وهي حماية الحقوق الأساسية حيث يركز القانون على ضمان أن تكون جميع تطبيقات الذكاء الاصطناعي متوافقة مع القوانين الأوروبية لحماية حقوق الإنسان. والشفافية، حيث يسعى القانون إلى ضمان أن تكون عمليات الذكاء الاصطناعي شفافة وقابلة للتفسير، مما يعزز الثقة العامة في هذه التكنولوجيا. والسلامة، إذ يتطلب القانون من الشركات التأكد من أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي آمنة وخالية من المخاطر التي قد تهدد المستخدمين. بالإضافة إلى تعزيز الابتكار، حيث يهدف القانون إلى خلق بيئة تشجع الابتكار وتسمح للشركات بالتطور ضمن إطار قانوني واضح.
وإشارة إلى مكونات القانون فإنه يتضمن ثلاثة عشر فصلًا، يضم الفصل الأول أحكاما عامة، والفصل الثاني: ممارسات الذكاء الاصطناعي المحظورة والفصل الثالث: أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر والفصل الرابع: التزامات الشفافية لمقدمي ونشر بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي والفصل الخامس: نماذج الذكاء الاصطناعي للأغراض العامة والفصل السادس: التدابير الداعمة للابتكار والفصل السابع: الحوكمة والفصل الثامن: قاعدة بيانات الاتحاد الأوروبي للأنظمة عالية المخاطر والفصل التاسع: مراقبة ما بعد السوق وتبادل المعلومات ومراقبة السوق والفصل العاشر: قواعد السلوك والمبادئ التوجيهية، والفصل الحادي عشر: تفويض السلطات وإجراءات اللجنة والفصل الثاني عشر: العقوبات والفصل الثالث عشر ضمّ أحكاما ختامية.
ومن أبرز ثلاث فئات رئيسية صنفها القانون لتطبيقات الذكاء الاصطناعي بناءً على مستوى الخطر، أنظمة عالية المخاطر (مثل أنظمة التعرف على الوجوه المستخدمة في الأماكن العامة) وأنظمة متوسطة المخاطر (مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التوظيف) وأنظمة منخفضة المخاطر (مثل تطبيقات المساعدة الشخصية على الهواتف الذكية).
واشترط القانون على الشركات تقديم معلومات واضحة حول كيفية عمل أنظمتها الذكية، خاصة تلك التي تتعامل مع البيانات الشخصية أو تلك التي تؤثر على القرارات المهمة. كما ينص القانون على إنشاء هيئات رقابية لضمان الامتثال وتطبيق الغرامات في حال عدم الالتزام بالمعايير المحددة. ومن المتوقع أن يكون لقانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي تأثيرات واسعة على الصناعة والتكنولوجيا في أوروبا وخارجها. والذي من المُمكن أن يؤدي إلى ظهور تحديات جديدة في الامتثال للمتطلبات التنظيمية، مما قد يتطلب منها إعادة تصميم بعض الأنظمة وتخصيص موارد إضافية لضمان الامتثال. وبالرغم من القيود التي تضمنها القانون، إلا أنه يمكن للقانون أن يعزز الابتكار عن طريق توفير إطار قانوني واضح يحمي الشركات من المخاطر القانونية ويوجهها نحو تطوير تقنيات آمنة وشفافة.
وقد واجه قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي بعض الانتقادات، حيث يرى بعض الخبراء أن هذه اللوائح قد تكون مرهقة للشركات الصغيرة وتعيق الابتكار في بعض الحالات. كما تبرز تحديات تقنية في كيفية ضمان الشفافية والتفسير في الأنظمة المعقدة للذكاء الاصطناعي. ولتجاوز ذلك، يمكن العمل على دعم الشركات الصغيرة (توفير حوافز مالية وبرامج تدريبية لمساعدة الشركات الصغيرة في الامتثال للوائح دون أن تتعرض لضغوط مالية كبيرة) و(تشجيع الابتكار) تطوير سياسات مرنة تأخذ بعين الاعتبار حالات الاستخدام المختلفة للذكاء الاصطناعي، مما يُسهل الابتكار ويحافظ على سلامة النظام) وتعزيز الشفافية والتفسير(الاستثمار في أبحاث وتقنيات جديدة تهدف إلى تحسين الشفافية والتفسير في الأنظمة المعقدة للذكاء الاصطناعي، وتطوير أدوات تتيح للمستخدمين فهم كيفية اتخاذ القرارات) والتعاون مع الخبراء (تشكيل لجان استشارية تضم خبراء من مختلف المجالات لضمان أن اللوائح تأخذ في الاعتبار التطورات التكنولوجية وتحدياتها العملية).
ختامًا، يُعتبر قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي خطوة جريئة نحو تنظيم استخدامات أدوات الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية. من خلال توفير إطار قانوني شامل يركز على حماية الحقوق الأساسية والشفافية والأمن، مما يمكن لهذا القانون أن يعزز الثقة في الذكاء الاصطناعي ويشجع على الابتكار المسؤول. ومع التحديات التي قد يواجهها، يظل هذا القانون نموذجًا يمكن أن تتبعه بقية الدول في جهودها لتنظيم الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي والمستقبل. لذلك على المنظمات والحكومات العمل على تسريع إصدار القوانين والتشريعات المنظمة للذكاء الاصطناعي لمواكبة وتنظيم الطفرات التقنية المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي.
عارف بن خميس الفزاري كاتب عماني مهتم بقضايا المعرفة