في المجتمع.. وأدوار المجال العام

21 أغسطس 2024
21 أغسطس 2024

لعل أبرز ما يهدف إليه المجتمع لتحسين حالة أفراده في المجال العام هو سعيه الدؤوب لسلامة الفرد داخل الجماعة، بصورة مطردة منعكسة. أي تحقيق رضا الفرد داخل الجماعة في ما يمارسه من أدوار وأنشطة، وفي الوقت ذاته تحقيق أمن الجماعة عبر تصرفات ذلك الفرد. وبهذا التشارك يحقق المجتمع مفهوما إيجابيا لحماية المجال العام. وحين تتحقق هذه السلامة البينية، أي بين المجتمع والفرد من ناحية، وبين الفرد والمجتمع من ناحية أخرى، ستحقق بالضرورة كل التحصينات التي تكفل للمجتمع حمايته من الأخطار.

ذلك أن دور المجتمع يعدّ من أهم البنيات الضرورية لحماية الفضاء العام في العصر الحديث، وعاملا رئيسيا من عوامل استقراره؛ لأن التحقق بالأدوار الإيجابية للمجتمع يبعث في الفرد الطمأنينة ويوفر له الأساس الضروري لحماية المجال العام مما يؤدي دورا حيويا في ترسيخ الهوية الوطنية التي يسهل من خلالها توجيه الطاقات وصولا إلى الأهداف والغايات المتصلة بالقيم العليا.

ولهذا ينعكس دور المجتمع في تحقيق حماية المجال العام على العديد من الظواهر الإيجابية؛ كتراجع معدلات الجريمة لأن معيار النجاح في ذلك يرتبط عضويا بقدرة مؤسسة المجتمع على الحد من الجريمة والتصدي لها حمايةً لأفراده ومساهمة في تعضيد مسؤوليات الدولة من خلال فرض النظام، كما أن بسط سيادة القانون عبر استخدام قوة الدولة المحتكرة للعنف يعدّ أساسيا ويسهم بكفاءة في حماية المجال العام محققا شعور الانتماء إلى الوطن والدولة بصفتها الحامي والأمين على حياة الناس وممتلكاتهم.

إن حماية المجال العام من خلال نشاطات المجتمع لا تتأتى إلاّ عبر مزيج متعدد من قدرة ذلك المجتمع على تحقيق التفاهم والتعاون بين أعضائه بما يشكل انصهارا حقيقيا لمعنى المواطنة التي تعين على إرساء قواعد المساواة في الحقوق والواجبات مع الإبقاء على الخصوصيات الثقافية في تجسيد مبدأ التنوع الضامن للوحدة.

كما أن عمليات المجتمع المختلفة لحماية المجال العام تنعكس في العديد من الجوانب المتصلة بالأنشطة الاجتماعية والرياضية والثقافية والتعاونية. ففي المجال الاجتماعي يغذي المجتمع ذلك المجال من خلال الحرص على تواصل العلاقات البينية التي تحد من الظواهر الشاذة، إلى جانب محاربة العادات السيئة كالمخدرات والتجاوزات الأخلاقية. والسهر على محاربة ما يخالف القيم العليا والتقاليد الراسخة.

ويأتي الاهتمام بالنشاطات الترفيهية والثقافية في إطار شبكات الانتظام المدني على رأس الموجهات المفجرة لطاقات الشباب والشابات تنافسا على أفعال الخير في مجالات العمل الطوعي والخدمي والمشاركة في البرامج المجتمعية وبرامج الأندية المختلفة.

إن الحراك الذي يقوده المجتمع على هذا النحو هو علامة الحيوية الفارقة في مؤشر الانتظام المدني المتصل بفاعليات المجال العام، لأن تنشيط أدوار المجتمع المتعددة يمثل ضمانة قوية لها القدرة على عزل المؤثرات الفاسدة من خلال طاقتها تلك على التأثير الإيجابي في كافة فئات المجتمع.

إن لأدوار المجتمع في المجال العام تعبيرات تلعب دورا حاسما في تنمية وتطوير قدرات المواطنين على تجسيد معنى الانتماء والولاء، والعمل على ترفيع الروح المعنوية، كما تخدم تكريس مفهوم احترام التراث الوطني. وتعبر المشاركة المجتمعية كذلك عن هوية وطنية لذاكرة واحدة بمختلف التعبيرات والأطياف التي تعكس تماسك المجال العام من خلال نشاطاتها.

ومن أهم تعبيرات التشارك المجتمعي؛ قدرته على تقديم حلول ومعالجات عبر الإبداع في وسائط الترفيه لمواجهة الكثير من المشكلات من خلال الفنون التي تعدّ أدوارا مساندة في حماية المجال العام من الأمراض المجتمعية الخطيرة كالغلو والتطرف اللذين يتجاوزان حد الاعتدال المتعارف عليه اجتماعيا،

سوية الأدوار المجتمعية التي تعزز حماية المجال العام لها انعكاسات على المزاج النفسي للمجتمع أيضًا. فالحيوية التي ينشط بها المجتمع والتي تنعكس في كافة فعالياته تمارس استثمارا بديعا للطاقات وتفجيرا للمواهب والقدرات الإبداعية بين فئات الشباب والطلاب مما يسهم في شبكة الحماية التي يوفرها المجتمع لأفراده وفئاته.

ذلك أن المجال العام يعدّ أكبر فضاء لمحفزات تكريس التشارك الاجتماعي للأفراد؛ إذ لا تندفع الطاقات وتتفجر القدرات إلا عبر النشاطات الاجتماعية الإيجابية متعددة الوجهة والمكان. ولعل هذا ما يفسر لنا العلاقة العضوية بين الدور المجتمعي وبين المجال العام بوصفه فضاءً يمكن من خلاله رصد مؤشرات الرضا الاجتماعي للأفراد حيال ما يقومون به من نشاطات.