فرصة بايدن في غزة مرهونة بالضغط

21 أكتوبر 2024
ترجمة: أحمد شافعي
21 أكتوبر 2024

هذا هو السؤال المطروح الآن: هل يمكن الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حتى يعلن النصر وينهي حرب غزة؟

بوسع نتنياهو الآن أن يظفر بأفضل مخرج على الإطلاق. فبوسعه أن يتلذذ بقتل يحيى السنوار ويعلن منتصرا أن حرب إسرائيل في غزة تكللت بالنجاح. ثم إن بوسعه أن يحاول التفاوض على وقف لإطلاق النار يتضمن إطلاقا لسراح الرهائن وتطبيعا في النهاية للعلاقات مع المملكة العربية السعودية ومسارا إلى حل الدولتين.

لا يتوقف المسؤولون الأمريكيون الآن عن استعمال كلمة الفرصة، وهم محقون في ذلك. فـ»هذه اللحظة» على حد تعبير نائبة الرئيس كامالا هاريس «تمنحنا الفرصة لأن ننهي أخيرا حرب غزة».

وإنني على يقين من أن بايدن راغب في اتفاقية سلام تاريخية، لكني أتشكك في مدى احتمال حدوث ذلك، ما لم يتوافر مزيد من ضغط الولايات المتحدة. فسوف يتم استبدال السنوار، وقد يكون البديل أصعب منه، فضلا عن أن حماس أعلنت بالفعل أن القتال سوف يستمر، مثلما لم يقض اغتيال حسن نصر الله على حزب الله أو ينه القتال في لبنان.

وبوسعنا في أي يوم أن نرى انتقاما إسرائيليا من ضربة إيران لها، فيؤدي الانتقام إلى ضربة أخرى من طهران وتصعيدا عسكريا يثبط إحساسنا الحالي بـ«الفرصة».

لا تزال إسرائيل تحقق انتصارات تكتيكية مهمة، من قبيل القضاء على السنوار، لكن هذه الانتصارات لا ترقى إلى المستوى الاستراتيجي. فلا نزال نعدم لدى نتنياهو خطة لليوم التالي، سواء لغزة أو للضفة الغربية. ولقد حذرت أفريل هاينو مديرة المخابرات الوطنية في الولايات المتحدة من أن حرب غزة قد تتسبب في تهديد «جيلي» إرهابي. وقد كنت أجري أحيانا، خلال زيارات سابقة إلى غزة في ما قبل الحرب، حوارات مفجعة مع أطفال عانوا الكثير فلما كنت أسألهم عما يريدون أن يكونوه عندما يكبرون كانوا يقولون: شهداء. فالتطرفان الفلسطيني والإسرائيلي يغذي أحدهما الآخر.

لم يكن رد فعل نتنياهو الأول على مقتل السنوار مبشرا بخير. فقد أعلن قائلا «إن مهمتنا لم تكتمل بعد» مضيفا قوله «إننا سنستمر بكامل قوتنا» إلى أن نطلق سراح الرهائن. لكن المؤسف أن احتمال تحرير الرهائن بسبب الاستمرار بـ«كامل القوة» أبعد من احتمال تحقق ذلك بسبب جهد جاد آخر يبذل من أجل وقف إطلاق النار.

لذلك اعتبروا أنني أستبعد أن تنهار حماس أو تتبنى إسرائيل بسهولة أفكار بايدن الخاصة بصفقة سلام متعددة الجوانب. فلا يزال نتنياهو يركز على ما ينفعه شخصيا، ولا تزال إسرائيل تئن من السابع من أكتوبر سنة 2023 فيصعب على الشعب أن يقبل خطة حقيقية لحل الدولتين.

ثمة عقبة تحول دون أي اتفاقية سلام تتمثل في واقع حال السلطة الفلسطينية. لذلك ستكون خطوة مفيدة أن تطلق إسرائيل سراح مروان البرغوثي الذي قد يكون أكثر الزعامات الفلسطينية شعبية من سجنه الإسرائيلي الذي يقضي فيه حكما بالسجن المؤبد جزاء للقتل. ومثلما قال قائد أمني إسرائيلي سابق داعيا إلى إطلاق سراح البرغوثي «إنه القائد الوحيد القادر على أن يقود الفلسطينيين إلى دولة بجانب إسرائيل».

من المؤشرات التي توضح جسامة التحدي الدبلوماسي أن استطلاعا للرأي في يوليو أظهر أن 66% من اليهود الإسرائيليين يعتقدون أن نوايا الفلسطينيين هي «أن يرتكبوا إبادة جماعية ضدنا» وأن 61% من الفلسطينيين يعتقدون أن هدف الإسرائيليين «هو ارتكاب إبادة جماعية ضدنا». وفي ظل أن كل طرف يرى في الآخر مجرم إبادة جماعية سيجد وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن نفسه في حيص بيص.

ولكن، هل من خيار آخر؟ لقد كان السنوار يرجو أن يتسبب في حرب أكبر في الشرق الأوسط، وبمساعدة من إيران وحزب الله، يحقق له نتنياهو أمنيته هذه إلى حد كبير. وما من سبيل إلى إلحاق الهزيمة بتركة السنوار وإقلاق راحته في قبره إلا الدفع بلا هوادة نحو سلام دائم.

لكننا بدلا من المصالحة سوف نشهد للأسف بعض دلائل التشدد في إسرائيل. فقد قالت الولايات المتحدة إن ما دخل إلى غزة خلال الشهر الماضي من المساعدات الإنسانية أقل مما دخلها في أي فترة منذ هجمة السابع من أكتوبر، ويعتقد البعض أن إسرائيل تتبع في شمال غزة استراتيجية تجويع اقترحها جنرال متقاعد. فالجوع يبدو مستشريا، ويتردد أن إسرائيل مستمرة في مهاجمة قوافل الإغاثة بين الحين والآخر.

والأدهى من ذلك أن الدرس الذي استخلصه بعض الإسرائيليين من مقتل السنوار هو على وجه التحديد أهمية مقاومة الضغط الأمريكي. فتمضي هذه السردية على النحو التالي: أنتم جبناء أيها الأمريكيون إذ طلبتم منا عدم دخول رفح، ولكننا دخلناها برغم ذلك، فقتلنا السنوار أخيرا. انصرفوا عنا وسنكمل نحن المهمة.

هل يمكن لشيء أن يعطل هذه الديناميكية؟ لا أعرف، لكن في أبريل ومطلع مايو، اشتد بايدن لوهلة على إسرائيل وعلق على الأقل شحنة واحدة من قنابل الألفي رطل، فانتبهت إسرائيل وأنصتت إلى البيت الأبيض، وزادت تسليم مواد الإغاثة لغزة. ثم لما تبين أن ما فعله بادين كان محض تهديدات جوفاء استأنف نتنياهو عناده وإذلاله لواشنطن.

وعلى مدى العام الماضي، حاول بايدن أن يستعمل نهج عناق الدب للتأثير على نتنياهو لكنه لم يكد يستعمل نفوذ الولايات المتحدة الهائل إذ يمد حروب إسرائيل بالأسلحة وقطع الغيار. ومنذ أيام قليلة ألمح مسؤولون في إدارة بايدن إلى أن الولايات المتحدة قد تقلص عمليات نقل الأسلحة ما لم تسمح إسرائيل بدخول المزيد من الغذاء إلى غزة - لكنها قوضت تلك الرسالة بإرجاء الحساب لمدة ثلاثين يوما.

إن بايدن رجل طيب يريد بصدق السلام ويفهم مدى تخريب الشرق الأوسط لتركته، ولكنه كان شديد السلبية بينما يموت ثلاثة آلاف ومائة طفل ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات في غزة على مرأى منه وبينما يحتمل الرهائن معاناة تفوق الخيال. لذلك أرجو أن يقدّر هذه الفرصة الأخيرة والثمينة لاستخلاص السلام من وفاة السنوار اعتمادا على اتباعه سياسة العصا والجزرة خلال الأشهر الثلاثة المتبقية له في الحكم.

نيكولاس كريستوف من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ عام 2001

خدمة نيويورك تايمز