عودة ترامب للبيت الأبيض.. والحاجة لحل مشكلات كثيرة !!
ليس من المبالغة في شيء القول إن انتخابات الرئاسة الأمريكية في دورتها السابعة والأربعين التي جرت يوم الثلاثاء الماضي الموافق الخامس من نوفمبر الجاري كانت من أكثر الدورات حساسية وصعوبة وتأثيرا أيضا في حاضر ومستقبل الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها الداخلية والخارجية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط بما تموج فيه من توترات وحروب ومصادمات قائمة ومحتملة إلى حد كبير. ويكفي ما تم طرحه من شعارات وإعلانات تعبر عن روح الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري بعد نجاح الرئيس المنتخب دونالد ترامب في التمسك بالأمل والإصرار عليه ورفض الحديث خلال الحملة عن الخسارة في أوقات حرجة بالنسبة للحزب الجمهوري حتى تم عبور تلك الساعات الصعبة وقلب الطاولة لصالح الحزب وضد المرشحة كامالا هاريس التي لم تفقد الأمل هي ومؤيدوها في كسب المعركة الانتخابية إلا قرب نهاية السباق والتنافس الصعب لتأتي النتائج على غير ما توقعت هاريس والفريق العامل معها ولصالح ترامب الذي تباهى أكثر من مرة بحديثه المتكرر عن أنه حقق عودة تاريخية إلى البيت الأبيض، بل «أعظم عودة، وغير مسبوقة في تاريخه»، كما تحدث نائب الرئيس الذي حمل معه ثاني سيدة للبيت الأبيض وهي زوجته من أصل هندي، وكان الأمر سيكون ذا مغزى لو نجحت كامالا هاريس في الفوز بمنصب الرئيس ضد ترامب الذي انتقد أصولها الهندية أثناء الحملة الانتخابية، برغم أنه من المعروف أن أمريكا هي «أمة من المهاجرين» كما وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي في كتابه الذي يحمل نفس الاسم «أمة من المهاجرين» والصادر في ستينيات القرن الماضي. على أية حال، فإن الزحف الآسيوي إلى المناصب العليا في أمريكا وأوروبا هو زحف قوي وملموس ويظهر بشكل أقوى مع مرور الوقت. وبينما تضافرت عوامل مختلفة صاحبت الحملة الانتخابية، لكل من ترامب، وكمالا هاريس لتؤدي إلى تلك النتيجة التي شكلت مفاجأة لأعداد كبيرة من الناخبين الأمريكيين وغيرهم وإلى نحو يعود للحرب في غزة وإلى الدعم الأمريكي غير المسبوق لإسرائيل وإلى طبيعة شخصية ترامب والى تكتل المسلمين الأمريكيين ضد الحزب الديمقراطي ومرشحته كامالا هاريس وإلى دعم أيلون ماسك الملياردير القوي لترامب وإلى عوامل أخرى تتصل بظروف الحملة الانتخابية نفسها، فإن ما تم في الحملة الانتخابية الأخيرة سوف يترك آثاره الواضحة على المستقبل وعلى إدراك الأقليات في الولايات المتحدة لأهمية وضرورة تنظيمها بشكل يحقق للمنتمين لكل منها أفضل النتائج في النهاية. وفي ضوء الحملة الانتخابية قليلة المدة واللوم والانتقاد الذي ألقاه ترامب ضد كامالا هاريس خلالها، وما سوف يتم خلال الفترة القليلة القادمة على الأقل حتى العشرين من يناير القادم وهو موعد انتقال الرئيس الفائز في الانتخابات إلى البيت الأبيض ليبدأ رسميا مهام رئاسته كرئيس للولايات المتحدة ومن ثم فإن الأسابيع القادمة تعد فترة انتقالية يتم خلالها نقل الملفات الأمنية من إدارة بايدن إلى إدارة ترامب وكذلك إعادة تجهيز البيت الأبيض بما يتلاءم مع متطلبات الإدارة الجديدة، وكذلك وضع الإدارة الجديدة بالنسبة للقضايا المهمة في الصورة ووفق آخر التطورات التي تمس بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة في مختلف المجالات وهو ما يحتاج إلى جهد وتعاون الإدارتين السابقة والقادمة وقد أكد بايدن على تعاونه التام مع ترامب في إتمام نقل سلمي ومنظم للسلطة ودون أية مشكلات تحدث عادة خلال هذه العملية التي قد تمتد إلى ما بعد التسليم والتسلم، خاصة وأن الإدارة الجديدة تعمل على تكامل عناصرها لكي تتمكن من السيطرة وإدارة مختلف الملفات بكفاءة وحسبما تريد. وتجدر الإشارة إلى أن كلا من بايدن وترامب سيلتقيان غدا الأربعاء في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض لمناقشة هذا الأمر. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها أولا، أن هناك مشكلات عديدة تواجه الرئيس ترامب ليس أقلها تلك التي تراكمت على عاتقه ومنها حوالي 34 قضية جنائية تم تأجيل البت فيها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وهناك الآن أمل يتردد بأن يتخذ الادعاء الأمريكي الإجراءات التي قد تسقط تلك القضايا ربما قبل العشرين من يناير، أي قبل تولي ترامب منصبه رسميا بالفعل، ومن المرجح أن تكون تلك المسألة من بين المسائل التي سيناقشها ترامب مع بايدن غدا في اجتماعهما في المكتب البيضاوي. يضاف إلى ذلك قضايا أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية مدنية ذات صلة بالسياسة الأمريكية خاصة تلك المتصلة بالشرق الأوسط والحرب في غزة ولبنان والحاجة إلى وقف الحرب فيهما سريعا، وكان الرئيس بايدن قد أشار قبل أيام إلى عزمه التوصل إلى وقف الحرب في غزة ولبنان، ولكن ذلك اقرب إلى الأمل والرغبة أكثر منه إلى القدرة العملية، والتي يتحمل فيها نتنياهو مسؤولية عرقلة محاولات عدة لوقف القتال خاصة في ضوء ما حدث قبل الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها ترامب. وبالرغم من أن ترامب تحدث عن وقف القتال في الشرق الأوسط، إلا أن تحقيق ذلك عمليا سيستغرق بالضرورة وقتا غير قليل حتى إذا عادت قطر إلى استئناف مشاركتها التي توقفت في الوساطة إلى جانب الولايات المتحدة ومصر ويظل الأمر مرهونا بالوقائع على الأرض وبالنوايا أكثر منه بالتصريحات وبالرغبة في بناء السلام في المنطقة كما أكد ترامب للرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أيام قليلة. ثانيا، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل تصعيد القتال في غزة وفي جنوب لبنان دون توقف حتى في يوم الانتخابات الرئاسية فإنه يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد استغلال الفترة الانتقالية حتى العشرين من يناير القادم وما بعدها لترسيخ وتوطيد العلاقة مع ترامب من ناحية، وتنفيذ إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان تجعل من الصعب تهديد إسرائيل عبرها من ناحية ثانية، وهو ما يتم تنفيذه بإخلاء مساحات كبيرة من قرى جنوب لبنان حتى يتم تمهيده بعد ذلك بما يخدم المصالح الإسرائيلية في المستقبل بغض النظر عن مصالح لبنان بتنفيذ القرار الدولي رقم 1701 الذي يماطل نتنياهو في تنفيذه ويسعى في الوقت ذاته إلى التخلص من قوات اليونيفيل وإخراجها من لبنان بشتى السبل وهى مشكلة أخرى يريد نتنياهو أن يغرق فيها لبنان والمنطقة ككل بكل ما يترتب على ذلك من نتائج مباشرة وغير مباشرة . ثالثا، إنه في الوقت الذي يسعى فيه ترامب إلى ترتيب عناصر إدارته واستكمالها بما يتناسب مع سياساته في الفترة القادمة سواء مع روسيا والصين وأوروبا الغربية أو بما يساعد على الحد من المشكلات وإنهاء الحروب المشتعلة كالحرب في أوكرانيا وإرساء العلاقات مع أوروبا وحلف الأطلنطي على أسس جديدة تقوم على مبدأ «أمريكا أولا» و«لا حماية أمريكية بدون دفع أوروبي» فإن العلاقات الأمريكية الإيرانية تشغل ركنا مهما ومؤثرا في مسار واتجاه تطور العلاقات بين واشنطن وطهران، ولعل ما يؤكد ذلك أنه تم الإعلان من جانب القضاء الأمريكي عن الكشف عن متهم للإعداد لاغتيال الرئيس دونالد ترامب وهذه ثاني محاولة بعد محاولة الاغتيال التي جرت في 13 يوليو الماضي في تجمع انتخابي كان يحضره ترامب، ومع نفي إيران لذلك وأن الخبر لا أساس له وأنه محاولة للتصعيد ضد إيران وقد يكون مؤامرة إسرائيلية في إطار التنسيق الأمريكي الإسرائيلي ضد إيران والتعاون ضد برنامجها النووي، فإن مشكلات عدة تواجه استئناف المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول البرنامج النووي الإيراني خاصة وأن ترامب هو الذي ألغى التعاون في البرنامج النووي الإيراني، والذي أكدت إيران باستمرار انه برنامج سلمي وأن عقيدة إيران لا تؤمن بامتلاك أسلحة نووية ولذا فإن برنامجها سلمي، ومع ذلك فقد تطور إنتاج اليورانيوم المخصب وازداد كما ونوعا برغم إشراف الوكالة الدولية للطاقة النووية عليه وبلغ اليورانيوم المخصب لدى إيران ما يتجاوز نسبة 60% تقريبا وهي نسبة متقدمة كما بلغ حجم اليورانيوم المخصب أكثر من ثلاثمائة كيلو جرام وهو ما يسهل حركة إيران لبلوغ العتبة النووية خلال بضعة أشهر فقط وليس سنوات. ولذلك تخلت إسرائيل عن ضرب عناصر الطاقة النووية الإيرانية عندما ضربت الدفاعات ومراكز صناعة الصواريخ الإيرانية الشهر الماضي لأن أمامها متسعا من الوقت وبغض النظر عن نفي إيران لكل ذلك، فإن إصرار ترامب على عدم امتلاك إيران لبرنامج نووي يزيد المشكلات التي تواجه ترامب في فترته الرئاسية الحالية ولا يبدو أن هناك فرصة للتخفيف منها، أما العلاقات مع كل من الصين وروسيا فإن لكل منها مشكلاتها الخاصة والتي ستحتاج وقتا وإرادة سياسية وثقة متبادلة لحلها لم تتبلور بعد، ولذا فإن الفتر الثانية لرئاسة ترامب ستكون أصعب وأكثر تعقيدا من الفترة الأولى . |