عن الواجبات الإنسانية
منذ بداية الحرب، لا، بل مع كل حرب تشنها أمريكا أو/و حلفاؤها، وأيا يكن الطرف الذي تُقاتله، يكون العدو إرهابيا. صفة «إرهابي» (حسب المقال الذي نشره Kody Cava على current affairs بتاريخ 6 مايو 2024) ليست حكرًا على المسلمين. لطالما استُخدمت هذه التهمة كذريعة أيا يكن مكان الطرف الآخر من الطيف السياسي، وأيا تكن وسيلة الإرهاب التي يستعملها. والإرهابي يُمكنه أن يكون مواطنًا أو أجنبيًا، من نشطاء البيئة خلال السبعينيات والثمانينيات، المدافعين عن الحيوان، الأناركية، وحتى الحركات المضادة للفاشية. فلا غرابة أن تكون الحركات الإسلامية، لا بل وحتى الحزب الذي انتمى له نيلسون مانديلا - يحملون هذه التهمة.
لا ينطبق هذا على السياسة الخارجية وحسب، بل يشمل السياسات المحلية أيضا، والتي غالبا ما تصب في مصلحة الشركات الكُبرى. تُوضع المعايير وتطبق بانتقائية حسب المصلحة.
عادة ما يُستبدل التحليل المعمق للقضايا بدعايات عدائية قوامها نزع الإنسانية. وغالبا ما نسمع تعبير «محور الشر» للتعبير عن الطرف الآخر. ما يجعل مهمة النظر إلى الدوافع أمرا غير ضروري. تحمي الحكومة الأمريكية شعبها من التفكير الناقد والمنصف الذي يُحمّل حكومتهم مسؤولية الدمار، والإبادات (أو لعب دور الكاوبوي في العالم كما يُقال). تتضمن الحماية من بين ما تتضمن، حجب السردية المضادة. فالإرهابي لا يملك حق أن يُدافع عن نفسه. والانكشاف على السردية المضادة قد ينتزع الشرعية عن حربهم المبررة والضرورية لإنقاذ العالم من الشر. يأتي هنا دور الإعلام، وهي الأداة الثانية بعد القوانين، وسياسة الكيل بمكيالين.
إذ ليس الإرهاب واحد بالطبع، فلابسو البزز العسكرية، من يعتمدون على الذكاء الاصطناعي لاستهداف الضحايا، لا يمكن أن يكون لهم سوى الاحترام. أما من يُقاتل بيديه العاريتين، من يحفر الأرض، من يفدي الحرية بنفسه، يُسجن، يُذل، وتُطلق عليه الكلاب الشرسة في الزنازين.
التصنيف، ما أسهل التصنيف، ويا حبنا للتصنيف، إنه يحمل عنك عبء الفهم خصوصا إن كنت مطحونا في عملك، وعالقا في دائرة الإنتاج والاستهلاك، نحتاج لإعادة توجيه اهتمامنا، أن نرفض الاستنتاجات السهلة، والتفسيرات المباشرة. واجبنا تجاه الإنسانية يُحتّم علينا أن نتحلى بالصبر لنعرف، وبالأمل لنقارع الرؤوس الكبيرة. الرؤوس التي تظن أنها تُدير، وتوجه، تقرر، تُشرّع، تضبط، وتُجازي، تُعاقب، وأن لها حق في كل ذلك، ليس لنا إلا الإيمان، الإيمان واجب.
الصمود يجب أن يتوسع معناه، والتغيير يجب أن يدخل في كل قرار من أصغر الأشياء إلى أكبرها. الوعي والنشاط السياسي واجب، تغيير قرارات الشراء واجب، الفضول واجب، العراك واجب، التحدي، التمرد، كلها واجبات.
تأتي الحرب على غزة لتفتح عيون الشباب في أمريكا، في العالم، وكأن الكوكب يحتاج صفعة بهذه القوة ليصحو.
تكشف لنا احتجاجات الطلبة حول العالم أن الطلبة - ومن جديد - بوصلة يُوثق بها، لطالما أتت الأجيال الجديدة بحساسية من نوع خاص، وطموح بتغيير العالم، وهم بالطبع يستحقون أن يبنوا العالم الذي يطمحون له، أو على الأقل أن يسعوا لذلك. الشباب الذين لا يوجد ما يخسروه (بالطبع يُجازف الطلبة المعتصمون بالطرد من الجامعة، ومن سكناتهم الجامعية) لكنهم لم يقعوا بعد في فخ الوظيفة، الديون، والعائلة. هذا النظام الذي يُبقينا مشغولين، مقيدين، منضبطين ضبطا ذاتيا أكثر من أي شيء.
عندما نتحدث عن الواجبات تحت الإنسانية، ليس علينا أن ننسى أن الرشاقة (تفادي الوقوع في الفخاخ) واجب هو الآخر. أن نعيد تصميم حياتنا لتكون طوع يدينا، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. وأن نضع كل شيء (امتيازاتنا، مواردنا، وقتنا، جهدنا، وحتى أماننا) على المحك.