طولبنا في السويد بالاستعداد للحرب
ترجمة: أحمد شافعي
لا يشتهر السويديون عامة بالذعر أو المبالغة في رد الفعل، لكن الكثيرون منا يشعرون بشيء من الصدمة بعد أن وجدنا قريبا على عتبات بيوتنا كتيبا على غلافه جندي يرتدي الزي المموه ويحمل مدفعا رشاشا بينما تمرق في سماء الخلفية طائرة مقاتلة.
يحمل الكتيب الحكومي عنوان «في حالة الأزمة أو الحرب»، وقد تم إرساله إلى كل بيت في السويد مع تصاعد خطر الهجوم الروسي، وهذه إشارة إلى بداية عصر جديد في بلدنا، وهي رسالة سوداء حول تهديدات الحرب أو الكوارث الطبيعية أو الأوبئة.
يرد في الكتاب أنه «إذا ما تعرضت السويد لهجوم، فعلى كل امرئ أن يقوم بواجبه دفاعا عن استقلال السويد، وعن ديمقراطيتنا. إننا نؤسس قوتنا كل يوم، بالتعاون مع أحبائنا وزملائنا وأصدقائنا وجيراننا».
على مدى أكثر من قرنين حافظت السويد على اتباع سياسة عدم الانحياز العسكري، ولكنها انضمت في مطلع العام الحالي إلى حلف شمال الأطلسي وجاء إصدار الكتيب رد فعل على ذلك.
الكتاب من تأليف هيئة الطوارئ المدنية السويدية المسؤولة عن التعامل مع إدارة الطوارئ والأمن العام والدفاع المدني، وتضم كل من صفحات الكتاب الثلاثين نصائح عملية في حالة وقوع حرب أو كارثة، ويحتوي الكتيب على قائمة مرجعية بالأشياء التي يجب توافرها في البيت، من قبيل مياه شرب تكفي لمدة أسبوع (ثلاثة لترات ماء للفرد) في حاويات تخزين، وملابس دافئة وأغطية، وأطعمة للبشر والحيوانات الأليفة غير قابلة للتلف، ومذياع لا يعتمد على العمل بالكهرباء الأساسية. كما يسرد أماكن اللجوء في حالة وقوع غارة جوية، من قبيل الأقبية، ومواقف السيارات دون الأرضية، ومحطات قطارات الأنفاق، وأنواع صافرات الإنذار المختلفة التي يجب الاستماع إليها للتعرف على مستوى الحالة الطارئة.
لكن الرسالة التي يبلغها الكتاب في المقام الرئيسي للمواطنين هي الاستعداد لأوقات عصيبة، فيقول لهم عمليا لا تسألوا عما يمكن أن يفعله البلد من أجلكم وإنما عما يمكن أن تفعلوه أنتم من أجل البلد.
أصابت رسالة الكتاب المقبضة بعض جيراننا الأوروبيين بالذهول إذ لا يزال هؤلاء يعرفون السويد في المقام الرئيسي بوصفها بلدا معروفا منذ قرون بالحياد والسلام. فنشرت مجلة (لو بوان) الإخبارية الفرنسية خبر صدور الكتيب في صدر موقعها الإلكتروني، مبرزة التناقض بين لغته الصارخة وصورة السويد الباقية بوصفها دولة مسالمة، في حين زعمت صحيفة تابلويد بريطانية أن رسالة الحكومة ـ بجانب تعليمات مماثلة بشأن التعامل مع حالات الطوارئ صدرت أخيرا في النرويج وفنلندا ـ قد أثارت «الذعر» في أنحاء أوروبا، وهذه مبالغة عبثية.
لا يتمثل التحدي الذي يواجه حكومة السويد في أن المواطنين قد يصابون بالذعر، ولكن في أن كثيرا من المواطنين فقدوا إحساس الواجب المدني في بلد يتعاظم فيه الإحساس بالفردية.
قال كارل أوسكار بوهلين، وزير الدفاع المدني المسؤول عن الكتيب في مقابلة أجريت معه أخيرا «لو تعاملتم بجدية مع ما يرد في هذا الكتاب، فقد قمتم بعمل تضامني مع بلدكم».
منذ عقود كثيرة، ابتعدت السويد تدريجيا عن هذه النوعية بالذات من أفكار التضامن والتضحية بالنفس من أجل المنفعة العامة. وبدلا من ذلك، روجت الحكومات السويدية لمجتمع أكثر فردية وتمركزا حول الذات، وروجت سرديات النجاح الشخصي بدلا من قوة الأمة.
يقول توربيورن نيلسون المؤلف المشارك لكتاب «عاليا فوق البحار» الذي قوبل بنجاح نقدي كبير وتناول عضوية السويد للناتو إن «طموح تهيئة الجميع للحرب يتعارض مع المثل الفردية التي سيطرت على السياسة السويدية خلال السنوات الأربعين الماضية. لقد ابتعدنا كثيرا عن تلك الروح المثالية التي ترى الجميع في قارب واحد».
يشير توربيورن نيلسون إلى أنه فيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية سنة 2022، قد اقترحت نيامكو سابوني، زعيمة (الحزب الليبرالي) المنتمي إلى يمين الوسط آنذاك والوزيرة السابقة في الحكومة اليمينية، اقترحت الهرب من البلد إذا ما غزته روسيا. وفي حوار مصور قالت سابوني «إذا ما ساء الأمر، سنسوق سياراتنا إلى النرويج».
اضطرت نيامكو سابوني إلى ترك وظيفتها بعيد رواج تصريحاتها تلك، لكن لعل تلك التصريحات قد أوجزت إحساسا مشتركا بصفة عامة في السويد، حيث لم تعد لفكرة التضحية الشخصية من أجل هدف مشترك شعبية كبيرة.
منذ ضم روسيا للقرم في عام 2014، أثارت أصوات كثيرة في مؤسسة الأمن الوطني السويدي مخاوف من أوجه عجز في الدفاع المدني، ونتيجة لذلك، أعيدت في عام 2017 الخدمة العسكرية الإلزامية للرجال والنساء المولودين في عام 1999 أو بعده.
لكن عقودا من التقشف وإلغاء القيود التنظيمية لا تزال تجعل السويد مفتقرة إلى الجاهزية والبنية الأساسية المدنية. فعلى سبيل المثال، ثمة آلاف العمارات السكنية في السويد كانت تابعة للقطاع العام ذات يوم وهي اليوم مملوكة ملكية خاصة، وتحولت ملاجئ الغارات فيها إلى شقق أو صالات رياضية تحت الأرض لتعظيم الأرباح.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تبعث فيها الحكومة السويدية كتيبات «الاستعداد للحرب». فقد ظهرت نسخة أقصر في عام 2018، وتعرضت آنذاك لانتقاد شديد باعتبارها رسالة مثيرة للذعر تخيف الأطفال، لكنها تبدو بعد ست سنوات وكأنها كانت مطلعة على الغيب. فقد أدى وباء عالمي إلى مصرع الملايين، وتصاعدت وتيرة الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغير المناخي تصاعدا كبيرا، وما من نهاية في الأفق لغزو روسيا الغاشم لأوكرانيا. وفي مطلع نوفمبر، انتخبت الولايات المتحدة رئيسا صديقا لبوتن، في تزامن حرج مع انضمام السويد إلى الناتو.
شهدت السويد سلسلة تحولات أيديولوجية على مدار نصف القرن الماضي. وهي تميل إلى التنقل، بوصفها بلدا موحدا، بين العقائد السياسية. ففي السبعينيات أرادت السويد أن تصبح البلد الأكثر ديمقراطية اجتماعية في العالم، ونجحت في ذلك إلى حد ما. وفي كتاب صدر أخيرا، وصف الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي السويد في عام 1980 بأنها كانت نموذجا لديمقراطية المساواة.
في التسعينيات جنحت السويد سريعة إلى إصلاحات السوق الحرة وإلغاء القواعد التنظيمية والخصخصة، وفي العقد الماضي تبنى البلد القومية الاستبدادية. ولا ينطبق هذا على الائتلاف اليميني الحاكم وحده، ولكنه يشمل الديمقراطيين الاجتماعيين الذين يحاولون بشكل متزايد تقليد حزبهم الدنماركي الشقيق من خلال تبنيهم موقفا صارما من الهجرة والجريمة.
لكن مشكلة الحكومة في محاولتها زيادة الوعي بالمخاطر التي نواجهها وتأسيس الدفاع المدني المحلي هي أن موجة القومية في السويد لا تترجم بالضرورة إلى وطنية أو تضامن مدني.
يحمل الكتيب الحكومي الجديد رسالة عاجلة وكثيرا ما يستخدم بلاغة وينستون تشرشل وجون كينيدي في إبلاغها. فيرد فيه «إننا نعيش عصر اضطراب، تدور فيه صراعات مسلحة في ركننا من العالم. والإرهاب والهجمات السيبرانية وحملات التضليل تستعمل لهدمنا والتأثير علينا... ومن أجل مقاومة هذه التهديدات، علينا أن نتحد».
لكن المشكلة هي أن المواطنين السويديين قد لا يكونون بعد مهتمين اهتماما خاصا بالوحدة أو التضامن.