سلطنة عُمان.. واليوم الدولي لمنع التطرف العنيف المفضي إلى الإرهاب

11 فبراير 2023
11 فبراير 2023

بموجب قرارها الصادر في ديسمبر ٢٠٢٢م، تحتفل الأمانة العامة للأمم المتحدة وكل دول العالم باليوم الدولي لمنع التطرف العنيف المفضي إلى الإرهاب، والذي يصادف الثاني عشر من فبراير من كل عام، ومن بين تلك الدول سلطنة عُمان التي تعد أيقونة سلام على مستوى العالم من حيث خلوها من أعمال العنف، ومكافحتها لجميع أنواع التطرف والعنف والإرهاب.

فوفقًا لمؤشر الإرهاب الدولي وهو مؤشر يقيس التأثير المباشر وغير المباشر للإرهاب في الدول وعلى المستوى الدولي، بما في ذلك آثاره على الأرواح والإصابات والأضرار التي تلحق بالممتلكات والآثار النفسية، وتتراوح درجة التقييم وفقًا لهذا المؤشر بين (٠) صفر وهي تمثل «دون تأثير» و (١٠) الأعلى تأثيرًا، فقد استمر تصنيف سلطنة عمان - ولله الحمد - في ديسمبر ٢٠٢١م - آخر تصنيف منشور - عند المؤشر (٠) صفر دون تغيير كما هو حال التصنيفات السابقة، وبكل تأكيد فإن خلو سلطنة عمان من الإرهاب، ومن التطرف العنيف الذي يفضي إلى الإرهاب لم يكن وليد الصدفة ولا اللحظة، بل جاء - بتوفيق من الله عز وجل - نتيجة عمل جاد مؤطر وممنهج على جميع المستويات ومن خلال مختلف المؤسسات، المدنية منها والحكومية والخاصة، ومن خلال بناء منظومة تشريعية محكمة لا تعنى بمجرد مكافحة الإرهاب والأعمال الإرهابية والمنظمات الإرهابية، بل استهدفت كذلك (تجفيف) مصادر تمويل الإرهاب من منابعها.

لقد تم بناء المنظومة التشريعية لمكافحة الإرهاب وتمويله في سلطنة عمان على مراحل عديدة، واستمرت في التطوير والتحديث بما يتوافق والتطورات العالمية وأفضل الممارسات الدولية من جانب، وبما يتناسب وخصوصية البلد وثقافته ويحمي أمنه واقتصاده من جانب آخر، حيث جرم المشرع العماني الأعمال الإرهابية بموجب المادة (١٣٢) من قانون الجزاء العماني - الملغي - الصادر في عام ١٩٧٤م ومن ثم أصدر قانون مكافحة الإرهاب في عام ٢٠٠٧ كقانون مستقل ليصبح النواة الأساسية لمكافحة الإرهاب في سلطنة عمان، حيث تناول القانون تعريف الإرهاب، والجريمة الإرهابية، والتنظيم الإرهابي وفرض عقوبات صارمة على ارتكاب الأفعال والجرائم الإرهابية، وكذلك على الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية أو دعمها والترويج لها، كما أعيد بموجب ذلك القانون تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب ليكون تشكيلها بقرار من مجلس الأمن الوطني وتعمل تحت إشرافه، وتلى ذلك ،وفي سبيل تجفيف مصادر تمويل الأموال ومنع استغلال مؤسسات الدولة المختلفة في عمليات التمويل، إصدار قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في عام ٢٠١٠م، حيث كان من بين أهم أحكام ذلك القانون إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتي من بين أهم اختصاصاتها أن تكون الجهة المختصة بوضع السياسات العامة وإصدار القواعد الاسترشادية في شأن حظر ومكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة وكذلك التنسيق مع اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب بشأن تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالقوائم الموحدة الخاصة بتجميد أموال الأشخاص والكيانات المحددين بها، كما أنشأت بموجب ذلك القانون وحدة التحريات المالية بشرطة عمان السلطانية والتي من بين أهم اختصاصاتها تلقي البلاغات والمعلومات من المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية والجمعيات والهيئات غير الهادفة للربح وغيرها من الجهات عن المعاملات التي يشتبه في أنها تتعلق بعائدات جريمة أو يشتبه في صلتها أو ارتباطها بالإرهاب أو بجريمة إرهابية أو بتنظيم إرهابي أو أنها تتضمن تمويل إرهاب، بل ومجرد محاولة إجراء تلك المعاملات، كما وأن هذا القانون ألزم الجهات الرقابية المختصة والتي من بينها البنك المركزي العماني والهيئة العامة لسوق المال بالنسبة للمؤسسات المالية، وبعض الوحدات الأخرى كوزارة الشؤون القانونية ووزارة الإسكان ووزارة التجارة والصناعة ووزارة التنمية الاجتماعية - آنذاك - بالنسبة للقطاعات غير المالية، ألزمها بتنظيم القطاعات الخاضعة لكل منها بما يضمن عدم استغلال تلك القطاعات لارتكاب جرائم غسل أموال وتمويل إرهاب.

واستجابة للتطورات الدولية في مجال مكافحة الإرهاب وتمويله، وتطويرًا للمنظومة الوطنية الخاصة بذلك، أصدر المشرع العماني قانونًا جديدًا لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في عام ٢٠١٦م، حيث حولت بموجبه وحدة التحريات المالية لتكون مركزًا وطنيًا للمعلومات المالية يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وإضافة إلى المركز، فقد جاء القانون المذكور أكثر تفصيلًا وعالج بعض أوجه القصور في القانون السابق، كما وأنه واستنادًا إلى هذا القانون وتطبيقًا للمتطلبات الدولية قامت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب بإصدار لائحة إجراءات تنفيذ قرارات مجلس الأمن الصادرة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حول منع وقمع الإرهاب وتمويله ومنع وقمع وعرقلة انتشار أسلحة الدمار الشامل وتمويلها.

وحماية للمؤسسات الخاضعة لرقابتها، قامت الجهات الرقابية المختلفة بإصدار لوائح قطاعية للرقابة على أعمال الجهات الخاضعة لإشراف كل منها، كلائحة الرقابة على المحامين ومكاتب المحاماة والشركات المدنية للمحاماة في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ولائحة الرقابة على الجمعيات والهيئات غير الهادفة للربح في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

إضافة إلى ما تقدم، ولكون أن التقانة والشبكة العالمية والتطبيقات الذكية قد تكون منفذًا للاستغلال للإرهاب وتمويله، فإن المشرع العماني لم يغفل تجريم الأفعال التي قد تؤدي إلى الإرهاب باستخدام تلك الوسائل، حيث جرم كل من أنشأ موقعا إلكترونيا على الشبكة المعلوماتية لتنظيم إرهابي أو استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات لأغراض إرهابية أو في نشر أفكار ومبادئ تنظيم إرهابي والدعوة لها أو في تمويل العمليات الإرهابية والتدريب عليها أو في تسهيل الاتصالات بين تنظيمات إرهابية أو بين أعضائها وقياداتها أو في نشر طرق صناعة المتفجرات والأسلحة والأدوات التي تستخدم خاصة في عمليات إرهابية وغيرها من أفعال، كما تضمن ذلك القانون العديد من المواد التي تجرم العديد من صور «الإرهاب عبر الوسائل الالكترونية».

أما على المستوى الإقليمي والدولي والعالمي، فقد وقعت سلطنة عمان وانضمت إلى العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بمكافحة الإرهاب وتمويله في شتى صوره، من بينها اتفاقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإرهاب، ومعاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي، والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، والاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومؤخرًا وبموجب المرسوم السلطاني رقم ٦١ / ٢٠٢٢ انضمت سلطنة عمان إلى الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي.

إن ما ورد ذكره من جهود في هذا المقال لا تجاوز أن تكون جزءًا بسيطًا من جهود مباركة ومستمرة تقوم بها الجهات المختصة في سلطنة عمان بالتعاون فيما بينها وبالاستفادة من أفضل الممارسات العالمية لحماية سلطنة عمان من أن تكون بيئة حاضنة لأي نوع من أنواع التطرف لا سيما التطرف العنيف، أو أن تكون بيئة خصبة للإرهاب - بشتى أنواعه وصوره -، أو حتى أن تكون مجرد معبر أو قناة لتمويل الإرهاب، فسلطنة عمان ستظل بإذن الله دائمًا وأبدًا مركزًا عالميًا للسلم ومقرًا للسلام.

د. سعود الفارسي مستشار وكاتب مهتم بقضايا مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب