زمن سقوط الأقنعة «1 من 2 »

18 ديسمبر 2024
18 ديسمبر 2024

لا تتصف الأمة العربية بقدرة طبقتها الحاكمة ونظامها الرسمي على إضاعة كل نصر كبير، ولكن تتصف بمصيبة أخرى هي أنها عندما تخسر جولة في الحرب وتشيع فيها أجواء الهزيمة تسارع بالاستسلام وتقديم تنازلات مجانية من سيادتها وحرية قرارها لا تبرره الأوضاع الميدانية .

فما إن بدا أن الولايات المتحدة خططت على مدى شهور جهدا إسرائيليا - تركيا - أوكرانيا لدعم هجوم المعارضة المسلحة السورية قاد إلى إلى سقوط مهين للنظام الديكتاتوري لعائلة الأسد إلا وبادرت أطراف عربية وفلسطينية بمواقف جمعت بين الانكسار والأنانية في آن واحد.

في هذه الهرولة للانسحاق سقطت أقنعة كثيرة في العشرة أيام بين ٢٧ نوفمبر تاريخ إعطاء الإشارة للجولاني بالهجوم على حلب وبين ٦ ديسمبر تاريخ سقوط دمشق بلا قتال.

سقوط قناع صلابة النظام السوري: سواء بسبب استمرار نظام البعث السوري لـ ٥٣ عاما متصلة أو بسبب هيمنة الأمن على السياسة وعلى المجتمع أو بسبب موقفه الوحيد الصحيح وهو العداء لإسرائيل ورفض الانجرار للتطبيع صدق الكثيرون القناع الذي ارتداه النظام السوري مقدما نفسه كنظام صلب يحظى بقيادة قوية. في اختبار الهجوم المنسق أمريكيا - وتركيا سقط قناع بشار الأسد الذي اشتهر بمقولة: إن «القائد الذي يهرب إما جبان أو فاسد». فالأسد لم يكتف بالهرب لموسكو فارا بحياته ولكن فعل ما هو أخطر كقائد أعلى للجيش السوري وهو أمره هذا الجيش بإلقاء السلاح والتنحي عن مواقعه. لا يفسر ذلك فحسب الانهيار السريع للنظام بل يكشف عن حقيقة أن تمكن العدو الإسرائيلي من احتلال جبل الشيخ والمنطقة العازلة والوصول إلى أطراف دمشق ليس سببه قدرات مهولة للجيش الإسرائيلي بقدر ما كانت نتيجة منطقية لترك جيش مواقعه في الجبهة مع إسرائيل ومواقعه في حراسة المطارات وقواعد الدفاع الجوي في الداخل وتركها بدون مشغليها من المقاتلين فوقعت في فم الذئب لقمة سائغة. شتان ..شتان بين نهاية صدام حسين ونهاية بشار الأسد كقائدين لنظامين جمعتهما عقيدة البعث فكريا والاستبداد سياسيا ولكن فرق بينهما -في لحظة النهاية - شجاعة قائد وجبن الآخر.

سقوط قناع أكاذيب أبناء داعش والقاعدة عن الاعتدال والاستقلال: البدء بالكذب في التصريحات الأولى المؤسسة لأي قائد تنتقل إليه السلطة الفعلية هو هي أكبر بداية خاطئة وأكبر مؤشر سلبي شديد السلبية على مستقبل هذا البلد تحت قيادته أو قيادة تياره الفكري وإطاره العسكري. فرغم وضع الأمريكيين تحت تصرف الجولاني كل خبرات هوليوود العبقرية في صناعة الصورة وتحويل الرجل الشرير إلي رجل طيب فإن أحمد الشرع بدأ عهده بأكاذيب نختار فقط ٣ منها :

الأكذوبة الأولى : حررنا سوريا دون أي مساعدة من أحد وكل سلاحنا محلي أو استولينا عليه من المعارك مع النظام وقرار الهجوم لم يتم التنسيق فيه مع طرف خارجي: كشفت المعلومات الموثقة أن الهجوم تم بمسيرات وأسلحة أوكرانية «١٥٠ طائرة مسيرة أوكرانية وضباط تدريب أوكرانيين ومسيرات تركية « شاهين » وتدريب رعته المؤسسة الأمنية التركية والأمريكية داخل سوريا وعبر الحدود وتكفلت أطراف إقليمية بالتمويل. ودخلت الوصلة الإسرائيلية على خط التنسيق بقوة مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان وتوافقت هذه الأطراف مع الشرع على بدء الهجوم بعد توقيع هذا الاتفاق لكي تستفيد من ضعف إيران وحزب الله داعمي الأسد الأساسيين خاصة بعد حالة عدم الاتزان مع غياب مركز المقاومة السيد حسن نصر الله. من الناحية العملية لا تقل مسؤولية حكام سوريا الحاليين عن مسؤولية النظام السابق في فتح طريق الجولان وطريق دمشق للاحتلال الإسرائيلي خاصة بعد أن أعلن الجهادي الإسلامي صراحة أنه لن يحارب إسرائيل.

الأكذوبة الثانية لأحمد الشرع «انتقلت وتنظيمي إلى الاعتدال وقطعنا صلاتنا بداعش والقاعدة. في الأيام الأولى للجولاني في دمشق تم إحالة القاضيات السوريات للمعاش لأن المرأة في الفكر السلفي الوهابي ليست مواطنا كاملا بالطبع لا تصلح للإمامة الكبرى من قضاء أو رئاسة الدولة. وتبدو هنا التقية الجهادية مرجحة ومسألة إطفاء أنوار التسامح مع النساء والأقليات مسألة وقت.

الأكذوبة الثالثة: هو أن ثوار سوريا استوعبوا دروس الربيع الربيع العربي ولن يكرروا أخطاء الإسلاميين في الدول الأخرى ومنها التمكين واحتكار السلطة ونبذ الكفاءات الوطنية. إذ تم تعيين رئيس وزراء إسلامي لسوريا من أهل الثقة وكل خبرته أنه كان وزيرا في حكومة الجولاني في منطقة إدلب الصغيرة المحافظة الثامنة من حيث مساحة سوريا الكلية وهي الحكومة التي لم تتوقف مظاهرات أهل إدلب احتجاجا علي عدم فعاليتها وعلى سجونها وقسوتها على السكان وهي قسوة طالت القريب قبل البعيد فتنسب مصادر عدة لمحمد الجولاني قيامه قبل شهور باعتقال ثم باغتيال ميسر الجبوري أهم رفيق في رحلته الجهادية من العراق إلي سوريا.

سقوط القناع الفلسطيني حمساويا / فتحاويا : حقق بعض قيادات حماس في الخارج أعز أماني وتوقعات بعض الدوائر الإسرائيلية التي قالت: إن المكسب الرئيسي لغياب «استشهاد» السنوار هو تمتع قيادات حماس في الخارج بالتحرر من سيطرة قيادات الداخل وجناحها العسكري الذي قد ينعكس في مرونة أكبر في المفاوضات. انقلبت هذه القيادات علنا على إرث السنوار وهنية وصالح العاروري الأهم في الابتعاد عن الشؤون الداخلية للدول العربية وتصحيح أخطائها في الربيع العربي الذي جعلها تنحاز آنذاك للإخوان المسلمين في مصر وسوريا. فقد قام السنوار بإعادة العلاقات مع إيران وحزب الله ومكن ذلك المقاومة الفلسطينية من مضاعفة قوتها عشرات المرات ومباغتة إسرائيل في طوفان الأقصى في أكبر لطمة في تاريخها. مكن ذلك حماس من تغيير ميثاقها وإعادة صياغة هويتها ليست كفرع فلسطيني من الإخوان المسلمين ولكن كحركة تحرر وطني. عندما قام طوفان الأقصى اتضحت قيمة ما فعله السنوار إذ توحدت كل الشعوب العربية وكل تياراتها حول المقاومة ولم يفكر أحد في جذرها الأيدلوجي القديم. لكن هذا الإنجاز التاريخي تبدد مع تطورات المشهد السوري الجديدة. فمع انحياز حماس للقيادة الجهادية الجديدة في دمشق تم إحياء كل الخلافات معها وعليها في الشارع العربي عندما عادت وارتدت الثوب الأيدلوجي الصريح وأعادت الخصومة مع طهران وحزب الله داعميها الوحيدين بعد تخلي النظام العربي عنها هل أقنعت أنقرة مشعل بأنها بعلاقة الشراكة القائمة بينها وبين أمريكا وإسرائيل في سوريا ستكون قادرة على ضمان مكان لها في مستقبل غزة لا أحد يعلم. وسيكون من عادوا لرفع راية الإخوان أن يواجهوا معارضة الداخل التي تضم من ينتمون أكثر لإرث السنوار ومنهم خليل الحية وزاهر جبارين.

السلطة الفلسطينية التي تسابق الزمن للعودة إلى غزة وحكمها بأي ثمن. رفعت عنها قناع التحجج بأن منعها انتفاضة الضفة والتي كانت لتغير مسار ومصير الطوفان إنما يفرضه عليها الاتفاقات الأمنية مع إسرائيل.