دولة قطر وأدوار محورية مهمة
أتى إعلان دولة قطر مساء يوم الأربعاء ١٥ يناير الحالي، على لسان الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بدولة قطر، عن التوصل رسميًا إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لإيقاف العدوان ومجازر الكيان الصهيوني على القطاع، التي استمرت لأكثر من ١٥ شهرًا.
راح ضحيتها أكثر من ٦٠ ألف شهيد فلسطيني، بين قتيل ومفقود، وأكثر من ١١٢ ألف جريح، وآلاف المعتقلين، وتدمير شبه تام، لكل مظاهر الحياة في قطاع غزة.
أتى هذا الإعلان - وبالطبع بمشاركة فاعلة لجمهورية مصر العربية في هذا الشأن - وحضور وسيط أمريكي يمثل إدارة بايدن، لا أعلم بالضبط ماذا كان دوره وماذا كان يفعل.
أتى هذا الإعلان ليضيف إلى النجاحات المهمة للدبلوماسية القطرية في الـ ٢٥ سنة الماضية، في العديد من القضايا السياسية المعقدة والشائكة؛ فأن تكون وسيطًا على مدى أكثر من ٤٧٠ يوما، وتقوم بجهود مضنية، للوصول إلى اتفاق، ويقوم بعدها رئيس وزراء الكيان الصهيوني المجرم بنيامين نتانياهو بنسف كل هذه الجهود، ويدعي - كذبًا - في كل مرة، أن حماس هي من نسفت جهود الوسطاء، وتقوم بعدها الإدارة الأمريكية، ومن وراءها العواصم الغربية الفاعلة بترديد هذا القول، وهي تعلم علم اليقين أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني المجرم هو من أفسد دور الوسطاء، وأنه لا يرغب في الوصول إلى اتفاق، وتستمر بعد ذلك في تكملة أدوار الوساطة بنفس الروح التي بدأت بها، فهذا أيضًا يعد إنجازًا أخر.
فدولة قطر استطاعت منذ أن تولى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم في ٢٧ يونيو ١٩٩٥م خلفًا لوالده، أن تضع لنفسها مكانة على الخريطة الدولية في الشأن السياسي والاقتصادي، وأن ترفع من مستوى ناتجها المحلي ومن مستوى معيشة المواطن.
حيث احتفظت دولة قطر في العام ٢٠١٢م بلقب أعلى معدل دخل فرد في العالم للعام الثالث على التوالي، بعد أن تجاوزت لوكسمبورج للمرة الأولى في العام ٢٠١٠م. وأكمل هذا الدور بنجاح، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي سلمه والده مقاليد الحكم في ٢٥ يونيو ٢٠١٣م. حتى أصبحت دولة قطر يشار لها بالبنان في القيام بأدوار الوساطة لحل العديد من النزاعات الإقليمية والدولية.
وبالطبع، أن دولة قطر، ما كانت لتصل إلى هذه المكانة إلا لما تحظى به من سمعة عالمية كوسيط محايد ونزيه موثوق به، يقف على مسافة واحدة من أطراف هذه النزاعات.
ولا يوجد أدنى شك، أن هناك أدوارًا كبرى مشابهة لسلطنة عمان في هذا الشأن، ولعدد من دول مجلس التعاون.
وأن أي نجاح لأي دولة من دول مجلس التعاون في هذا الشأن، هو نجاح للجميع. فنجاح شقيقك هو نجاح لك. ومن ضمن النجاحات التي يشار للدبلوماسية القطرية لها بالبنان في السنوات الماضية - على سبيل المثال لا الحصر -، التوسط بين الفصائل اللبنانية المتنازعة في العام ٢٠٠٨م، وصولًا إلى اتفاق الدوحة، الذي أنهى أزمة سياسية استمرت لـ ١٨ شهرًا، والقيام بجهود وساطة دبلوماسية خلال الفترة من العام ٢٠٠٨م إلى العام ٢٠١٣م، لإحلال السلام في السودان، من خلال استضافة الدوحة لمحادثات السلام بين الحكومة السودانية ومختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك حركة العدل و المساواة في إقليم دارفور.
وقيام دولة قطر بجهود الوساطة التي أسفرت في العام ٢٠٢٠م، عن توقيع اتفاقية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان بعد سنوات من الحرب و الصراع.
إضافة إلى، جهود كبيرة مشابهة لإحلال السلام في اليمن في العام ٢٠٠٨م، و كذلك توقيع اتفاق السلام بين السودان وتشاد في العام ٢٠١٠م، وجهودها كذلك لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين جيبوتي وإرتيريا في يونيو ٢٠١٠م. وجهود مشابهة أخرى في الوساطة بين الأطراف والفصائل الأفغانية في العام ٢٠١٣م، ودورها في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين كينيا والصومال، وتوقيع اتفاقية الحدود الصومالية الكينية في مايو ٢٠٢١م. إضافة، إلى الجهود الكبيرة لدولة قطر، في التوسط لوقف إطلاق النار في غزة بين الكيان الصهيوني المحتل وحركة حماس في اعتداءات وحروب سابقة.
وغيرها الكثير من الوساطات و النجاحات لدولة قطر في هذا الشأن، على المستويين الإقليمي والدولي، لا يتسع المجال هنا لذكرها جميعًا.
استطاعت دولة قطر، بأدوارها وجهودها الهامة هذه، أن تثبت، أن مكانة الدول وقوتها في العالم ليس بمساحتها أو عدد سكانها.
فدولة قطر، لا تتعدى مساحتها ١١,٥٧١ كم مربع، ولا يتجاوز عدد سكانها ٣ ملايين و ١٢٠ الف مواطن ومقيم، لكنها تملك قيادة ذات رؤية طموحة وهمة عالية، مكنتها عبر السنوات الثلاثين الماضية من جعل اسم دولة قطر يتردد في كل عواصم العالم.
خالد بن عمر المرهون، متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية.