حرب نتانياهو في الشرق الأوسط
باستمرار ظلت مسألة المفاوضات حول الأسرى الإسرائيليين بين حماس وإسرائيل عبر الوسطاء تراوح مكانها على مدى 10 أشهر. وفي كل مرة يضخ فيها الإعلام تطمينًا للجميع بأن الصفقة ستبرم عبر اتفاق نهائي لا محالة؛ تظهر عقبات إما أن تؤدي إلى تأجيل المفاوضات أو انهيارها، لتكر المسألة مرة أخرى مع تبشير أمريكي جديد بقرب التوصل إلى صفقة، لكن الجميع يتفاجأون بعد ذلك بخيبة أمل متجددة.
من الواضح جدًا - كما صرح أكثر من طرف في المفاوضات - أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو - وحده - من لا يريد لهذه الحرب أن تنتهي إلا بحرب إقليمية كبرى تعفيه من استحقاقات اليوم التالي لوقف إطلاق النار - في حال انتهاء الحرب في غزة دون تداعيات إقليمية.
تشدد نتانياهو، أولاً، بالإصرار على البقاء في معبر فيلادلفيا - الذي تعارض مصر البقاء فيه - ثم بإضافته مزيدًا من الشروط لعرقلة إتمام الصفقة، وصولًا إلى بلوغه خطوطا حمراء لم يبلغها أحد غيره من قبل في إسرائيل، كأمره باغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران، وكذلك اغتيال الرجل الأول في حزب الله بعد أمينه العام حسن نصر الله (فؤاد شكر) كل ذلك يدل على أن الرجل عالق في مأزق جنوني خطير يتصل بالخوف على مستقبله الشخصي.
وبرغم ارتفاع مستوى شعبية نتانياهو إثر مقتل هنية وشكر، إلا أن المظاهرات عادت مرة أخرى في إسرائيل للمطالبة بإتمام الصفقة من أجل إطلاق سراح الأسرى الذين تحتجزهم حماس في غزة.
كما بدا واضحا من الأنباء التي تفيد بأن نتانياهو ينوي إقالة كل من وزير الدفاع الإسرائيلي وقائد هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، أن نتانياهو ينوي السيطرة على الجيش ليتحكم في قرار الحرب عبر شخصيات مطيعة له في كل من الجيش ووزارة الدفاع.
وحين يقول الجيش الإسرائيلي أنه قد قضى على لواء رفح التابع لحماس في غزة وأن مهمته قد انتهت في غزة، فإن المثير للاستغراب هو؛ كيف يمكن لجيش قضى 10 أشهر في غزة بحثًا عن محاولة لاستعادة الأسرى الذين أسَرَتهم حماس منذ يوم 7 أكتوبر الماضي دون أن يستعيدهم، كيف يزعم أن مهمته انتهت؟
من الواضح جداً أن وراء ذلك الزعم الذي يروج له الجيش الإسرائيلي في انتهاء مهمته في غزة، قرار لنتانياهو بالتخلي عن الأسرى الإسرائيليين في غزة، ما يعني محاولاته المستميتة في الاستمرار بالحرب إما في الجبهة الشمالية بلبنان أو في الضفة الغربية، كما دلت على ذلك مؤشرات كثيرة.
واقع الحال يقول إن نتانياهو أدرك تماماً أن نجاته من المصير الذي ينتظره بعد الحرب هو فقط في إشعال حرب إقليمية يصبح فيها مصيره الشخصي عندئذ تفصيلاً صغيراً مقابل الأهوال التي ستخلفها حرب إقليمية كبرى في المنطقة.
كل المؤشرات تتجه بأنه إما أن يكون الرد الإسرائيلي على إيران (حال قيام الأخيرة بقصف إسرائيل ردا على مقتل هنية) مستدعيا لحرب إقليمية مهما كان الرد الإيراني ناعما (كالذي حدث في أبريل الماضي) أو أن نتانياهو سيتبرع بجريمة أخرى من وزن ثقيل لإشعال حرب إقليمية في المنطقة كاغتيال الأمين العام لحزب الله - حسن نصر الله - وقد سبق لإسرائيل أن اغتالت أمين عام حزب الله السابق عباس الموسوي عام 1992م ففي وجه الأزمات التي تهب على نتانياهو، وآخرها احتمال أزمة دستورية قد تتجه إليها إسرائيل نتيجة لتهربه من إقامة لجنة تحقيق رسمية في الإخفاقات التي رافقت هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر، خوفاً من إدانته بالتقصير، ليس من المستبعد أن يقوم نتانياهو بما يطيل من أمد الحرب، لاسيما وأنه يدرك الوضع المشلول للرئيس الأمريكي جو بايدن، وانشغال الولايات المتحدة بالانتخابات المقبلة.
سيظل نتانياهو يلعب دور المعطل لأي اتفاق يقضي بعودة الأسرى مقابل إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين وصولاً إلى لحظة تنفجر فيها التناقضات المؤدية إلى حرب إقليمية بأي سبب من الأسباب التي ذكرناها سابقاً، ليصبح من الوضوح بمكان - كما قلنا من قبل - أن ما حدث في عملية طوفان الأقصى؛ إما أن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، وهذا ما يبدو مستبعداً في ظل المزاج اليميني المتطرف للمجتمع الإسرائيلي خصوصا بعد عملية طوفان الأقصى، وإما حرب إقليمية يبدو أن نتانياهو هو الشخص الوحيد الذي يريدها في الشرق الأوسط.